تمر اليوم الذكرى الخامسة لرحيل فنان العاشقين هاشم ميرغني عبر عطاء حافل لا يمحوه الزمن.. وسيظل إبداعه منثوراً لا يفنى.. كانت معاني أغنياته صمت الجراح وسهر العيون التي ترقب الصباح فتأتي حروفه تبكي السفر وتحكي لوعة الإحساس ولسان الحال يردد (ما مصير الحي يلاقي)!! وكانت المعنى لكل من هام عشقاً وحباً واستلهم إحساسه معنى هذه الأغنيات ارتعاشات ومدداً وخوفاً وابتساماً (علمتني السهد الأليم يا البكيتيني انت وما بكيت)!! عندما يغني هاشم.. يبقى الكلام منساباً وتبقى الحروف مبحرة وتنتظر خلجات الرؤى شط الأمان وتبقى في ساحة الشوق والهموم أودعتها الظروف يجني العاشقون.. يبقى السراب ملؤها، والدموع كتاب مفتوح على صفحاته حزن الحروف. وقد تكون أو لا تكون لكن معناها نبع الحنان.. (تلاشت الصور الحبيبة والسنين الباسمة راحت)!! الذين يعرفون هاشم ميرغني يأسرهم إحساسه الدافئ وحزنه الدفين، صوته يأتي من الأعماق مشرباً كنداوة الخريف قوياً، عاصفاً، لافحاً، كاسحاً.. لكنه ودود النبرات، حلو التقاطيع، مميز العبارات، يطرب صم الحجارة ويدغدغ أعتى الحواس بانفعال الطفولة وحلم العذارى، يأتي قوياً كقوة ضياء البدر وصارخاً كلون الطيف، فيه الراحة والحزن والشوق والحنين والدموع والابتسامة.. تناقضات يحملها صوت هاشم ميرغني الشجي والمرعب!! الحب والعشق يأتي لهاشم كالقدر.. كثيرون أسيرون في سجنه ولا يريدون الفكاك منه (حقاً عشنا وشفنا فيك يا دنيا وضقنا شقاك يا أيام).. هاشم غنى فأطرب ثم أبكى ثم أضحك، اهتزت معه كثير من الحناجر، لأغنياته طعم خاص وطريقة مختلفة، ليس هو فنان الحيارى والمحرومين عاطفياً، كما يزعمون، فجراح العواطف لا تدمي ولا تؤلم لكنها تبكي برفق وحنين. فهاشم يحسن دغدغة العواطف الجريحة فيسكب عليها الإحساس الطيب نغماً شجياً عطراً فواحاً قد يكون مؤلماً لكنه بلسم عذب وكما يقول (صحي القالوه في الريدة بتعرف كيف ظلم سيده)!! وجع جميل وحزن نبيل.. حتى الآهات تخرج من حناياه حاملة دفء دواخل إنسان يدعونا دائماً للبكاء والابتسام في آن واحد بقلب وإحساس واحد طالما هو يردد (بكرة راجع للغناوي والحكاوي للحروف الليلة بتحكي).. هاشم ميرغني.. كان غناؤه إسهاماً في تربية العواطف الجريحة وصد السهام عنها، كان بلسماً. قضى على كل لواعج الأسى في قلوب المحبين وأحال كل الآهات الباكية إلى ضياء وابتسام وكم رددنا معه بفرح (في زول هناك قولة سلام تبقالو روح).. غنى للوطن وللغربة وللحبيبة فأبدع وأجاد وأقنع وكان القدح المعلى في عودة كثير من الوئام لقلوب عانت عدم الوفاء وسلطان الهجر في زمن الحرقة ونبذ الوئام، كان هاشم كالمظلة التي استراح عليها كثير من العاشقين وسط الأمان الذي يأمله كل الذين يحلمون بالنجميات البعيدة.