في الشهر الثالث من خروج البترول من ميزانية الدولة تبرز في الأفق تحديات كبيرة تجابه الاقتصاد السوداني، والمراقب لحركة الدولار في علوها وانخفاضها يدرك بلا شك أن الوضع الاقتصادي بالبلاد غير مطمئن، رغماً عن المعالجات التي يتم وضعها بين وقت وآخر لتلافي الظاهرة عبر ضخ المواد الاستهلاكية بأسعار منخفضة بالمؤسسات الحكومية. الاعتراف الرسمي بالتحديات الاقتصادية التي تواجه مسيرة الدولة، أكد عليها المؤتمر التنشيطي للقطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني ولاية الخرطوم، والذي جاء تحت شعار (أيادٍ قوية لدعم الإنتاج والإنتاجية). المؤتمر المشار إليه تناول العديد من أوراق العمل التي كان أبرزها التحديات الاقتصادية وغلاء الأسعار وأخرى تتحدث عن الرؤية الاقتصادية لولاية الخرطوم «التحديات والحلول». { الجميع أمّن على أن أهم العوامل المؤثِّرة على الاقتصاد السوداني القرارات الأُحادية المتعلقة بوضع السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب بواسطة الولاياتالمتحدةالأمريكية فهذا الموقف يؤثر بصورة سلبية ومباشرة على تعامل السودان مع المنظمات والمؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي كما يؤثر سلبياً على التعامل مع المستثمرين وهذا يعني حرمان السودان من القنوات الرئيسة للحصول على القروض الميسرة والمِنح ويقف سداً منيعاً في وجه تدفق الاستثمارات الخاصة رغم جاذبية مناخ الاستثمار من حيث توفر المواد الخام في مجال الزراعة والتعدين. { ورقة الرؤية الاقتصادية التي قدمها د. الشيخ الفكي أحمد أكدت أن التحديات التي تواجه الاقتصاد هي ضعف القطاع الخارجي خاصة بعد انفصال الجنوب وما ترتّب عليه من فقدان البترول وهو أهم مصدر للنقد الأجنبي في السنوات الأخيرة.. هذا الأمر سيقود إلى إرباك الحساب الجاري مباشرة وإلى نقص حاد في تدفقات الاستثمار الأجنبي الذي ظلّ البترول يمثِّل أهم مجالاته في الفترة السابقة وسيؤدي ذلك إلى عجز واضح في ميزان المدفوعات. { ومن النتائج المتوقعة - حسب د. الشيخ - ضمور الإيرادات العامة حيث يمثِّل البترول 50% منها كما أن هذا الضعف سيزيد من الضغوط على العملة الوطنية ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم. فالتأثير السلبي لضعف القطاع الخارجي سوف يمتد للقطاع الإنتاجي للسلع والخدمات من زراعة، وصناعة، ونقل، وطاقة، وغيرها من مكوِّنات الاقتصاد الحقيقي مما يعني انخفاض معدلات التنمية في هذه المجالات وضمور حجم ونوع الواردات ومن ثمَّ إلى ضمور عائدات الجمارك وفقدان جزء مقدر منها ووفقاً للورقة فإنه لا بد من التنسيق بين السياسات المالية والنقدية واتباع سياسة اقتصادية انكماشية من أهم تداعياتها انخفاض نسبة حجم النقود في الاقتصاد. وفي السياق فنَّدت الورقة التحديات السياسية الداخلية التي من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد حيث أكدت أن التحديات السياسية الداخلية وتداعياتها الأمنية تعتبر من أهم العوامل المؤثرة في مسيرة الاقتصاد ..فإن تداعيات مشكلة الجنوب ستظل مؤثرة على الاقتصاد من باب أن استمرار هذه المشكلة لزمن طويل أثَّر في هيكل الاقتصاد في الماضي مما يتطلب زمناً لإزالة آثار تلك المشكلة. فالانفاق العسكري الكبير ولزمن طويل أدى إلى ضعف البنية التحتية في كل المجالات الحيوية خاصة في مجال الخدمات الاقتصادية، مضافاً لذلك المشكلة السياسية الأمنية في دارفور وأخيراً بروز مشكلتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. فالمشكل الأمني السياسي في هذه المناطق يعني أمرين أساسيين أولهما زيادة الانفاق، وثانيهما خروج جزء كبير من الأرض والسكان من دائرة الإنتاج والاستهلاك. بالنسبة لدارفور فقد كانت تمثِّل سوقاً كبيراً ومنفذاً مهماً لدول غرب إفريقيا للمنتجات الصناعية الوطنية والتي يتمركز جلها إن لم يكن كلها في ولاية الخرطوم. { الورقة ذهبت لأبعد من ذلك وهي تفنِّد التحديات حيث أشارت إلى مشكلة الديْن الخارجي والمتمثل في الاستدانة من البنك المركزي والخلل الهيكلي في الانفاق الحكومي إذ ظهرت بعض الكتابات الحديثة جداً أن الصرف على القطاعات السيادية (أجهزة أمنية وسياسية وتشريعية) يبلغ حوالي (75%) من حجم الموازنة الاتحادية وقلة الإنتاج والاعتماد بدرجة كبيرة على الضرائب غير المباشرة وعدم عدالة الضرائب المباشرة أدى إلى محاباة الفئات المقتدرة على حساب الفئات الضعيفة مما أدى إلى تشوُّهات اقتصادية واجتماعية مخلة. { وبحسب الورقة فإن الحل يكمن في المصالحة مع الذات وتطبيق مبدأ الحكم الراشد وإيجاد القدوة الحسنة وإعادة هيكلة الإدارة الاقتصادية شاملاً عملية التخطيط الإستراتيجي. { إلى ذلك ووفقاً لورقة التحديات الاقتصادية وغلاء الأسعار فإن التحديات التي يمر بها الاقتصاد السوداني وضعت الجميع أمام حتمية البحث والتقصي لإيجاد طريق آمن يمكِّن السودان من التخلُّص من عقبات التنمية ومواجهة جميع التحديات الاقتصادية، لكن ذلك لن يتم إلا بمستحقات اقتصادية واجتماعية واصلاحية كاملة للبنيات المكوِّنة للاقتصاد السوداني وضرورة الشروع بشكل فوري وبأسلوب علمي في عمليات الإصلاح. { ورقة غلاء الأسعار التي قُدمت في المؤتمر التنشيطي سلطت الضوء على أسباب ارتفاع الأسعار واعتبرت الورقة أن أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد خروج البترول من الموازنة ونسبة لاعتماد الدولة الكبير على البترول أهملت الجانب الزراعي مما أدى إلى ضعف الإنتاج والإنتاجية كما يعتبر تفشي الفقر والبطالة من التحديات الرئيسة التي تواجه الاقتصاد وكذلك عدم الاستقرار السياسي والنزاعات الداخلية من أهم التحديات التي تواجه التنمية. { وبحسب د. محمد يوسف علي مُعد الورقة فإن خروج البترول من الموازنة وارتفاع الضريبة على القيمة المضافة «15%» وانتهاج التجار لسياسة الاحتكار وغياب الرقابة الدورية على الأسواق من أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار ودعا إلى تفعيل دور الرقابة الصارمة على الأسواق للوقوف على أسعار السلع الحقيقية بغرض ضبط التجار ومنعهم من زيادة الأسعار ومنع حالات الاحتكار للسلع الأساسية والضرورية وتعزيز الإنتاج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة نطاق وشمول وصرف الإعانات للعائلات الفقيرة.. ليبقى السؤال عالقاً في أضابير المؤتمر وصداه خارج ردهات المكان: هل تنجح هذه المقترحات في امتصاص زيادة الأسعار؟ وهل سيتم تطبيقها بالفعل، أم ستظل حبراً على ورق كما يقولون؟!