حاوره - طارق عبد الله - عثمان الأسباط / تصوير - علم الهدى حامد عرفتها المجتمعات بعد أن ظهر رجال أعمال من العدم وأطلوا فجأة في ثراء فاحش ومع طلتهم انهارت مؤسسات وبنوك ضخمة فأخذ يتسرب للناس لفظ (غسيل الأموال) فاعتبرتها أجهزة الشرطة في الدول العربية والأفريقية أنها جريمة مستحدثة تخلخل الدول في مجتمعاتها وفي اقتصادها وفي سياستها بشراء الذمم، والسودان إحدى تلك الدول التي تأثرت بجريمة غسيل الأموال ولها قضايا شهيرة انهارت فيها بنوك، ورغم أن الجميع يحسبها جريمة حديثة إلا أن تاريخها ضارب في القدم بيد أنها ظهرت بتعقيدات جديدة جعلت العالم يتفق على ضرورة محاربتها، فكان لقاؤنا مع مدير دائرة جرائم غسيل الأموال التابعة للمباحث والتحقيقات الجنائية العميد شرطة محمد عبد الحميد طه السيوفي، حيث قلبنا معه مواجع الجريمة عالمياً ومحلياً فتحدث بشجاعة حديث العارف لمهنته ومهمته فقضينا (3) ساعات في حديث بلا تحفظ.. معنا إلى نص الحوار.. هناك رقابة دولية على الحسابات بالبنوك وأي مال ضخم مراقب نجحنا في القبض على كل العصابات والآن مضابطنا خالية تماماً { سعادة العميد نريد فكرة عن الدائرة ومن أين استمدت مهمتها؟ دائرة غسيل الأموال إحدى الدوائر المستحدثة بالمباحث والتحقيقات الجنائية واستحداثها كان نتيجة لمتطلبات إقليمية ودولية أقرتها اتفاقيات بعضها يتبع للأمم المتحدة مثل اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الإتجار في البشر والمخدرات واتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة الموقعة في إيطاليا في العام2002م واتفاقية مكافحة الفساد. وقد فرضت تلك الاتفاقيات على الدول أن تنشئ إدارات متخصصة في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. { كلمة غسيل تبدو شاذة في توصيف جريمة لماذا ارتبطت بذلك المسمى؟ غسيل الأموال إذا أخذناه كمصطلح لغوي يعني نظافتها كغسل الملابس مثلاً، وجاء في القرن الماضي بعد أن عرف (آل كابوني) أوالفونس كابوني في أمريكا وكان عندهم متحصلات من أموال تجارة المخدرات وكانت رائحة المخدرات تلتصق في أموالهم كأية مهنة أخرى فأخذوا يغسلونها عن طريق محاليل ووصلوا لحد شراء غسالات للقيام بتلك المهمة ومن هنا جاءت التسمية. { وهل ظهرت في تلك الفترة كجريمة متعارف عليها كاليوم؟ لا طبعاً فقد ظهرت كجريمة بعد تلك الفترة وحتى الآن لا يوجد تعريف محدد لها ولكن هناك مفهوم متعارف عليه بأنه (مال متحصل عليه بطريقة غير شرعية يتم إدخاله في مشروع لإضفاء الشرعية عليه بالاستفادة من متحصلات المشروع وهو مفهوم تبسيطي بإدخال مال قذر في عجلة الحياة العادية. { يعني أنكم تتعاملون مع جريمة ذات أبعاد سابقة؟ نعم نحن نتعامل مع جريمة لاحقة لجريمة سابقة ومن هنا تأتي صعوبة التحري لأننا إذا أردنا أن نثبت أن المال ناتج من عملية غسيل أموال لابد من إثبات الجريمة الأولى، فالتحري معقد ويحتاج إلى خبرة وتأنٍ فمثلاً لجنة التحري المالية ببنك السودان تحقق في كثير من القضايا إدارياً ولكن وصلنا منها حتى الآن (8) قضايا ولكن لا نقول إنها وصلت لهذا الحد ولكن التحري في غسيل الأموال يحتاج لوقت طويل. { وكيف تدار عمليات مكافحة غسيل الأموال عبر الدائرة؟ دائرة غسيل الأموال تتكون من ثلاث إدارات؛ هي إدارة مخالفات الجهاز المصرفي وإدارة مكافحة التهريب الضريبي ومصادرالأموال المشبوهة، وهي إدارات معنية بجمع المعلومات والتحري وتبادل المعلومات مع الأجهزة ذات الصلة وهي إدارات شرطية كالانتربول والجمارك وإدارية كوحدة التحريات التابعة لبنك السودان وأمنية كالأمن الاقتصادي، وهناك تعاون بين الدائرة وتلك الأجهزة ومسؤوليتا المكافحة والتحري. { ولكن يلاحظ أن بلاغات البنوك يغلب عليها مخالفة الشيكات الطائرة؟ بلاغات الشيكات المرتدة من واجبات إدارة مخالفات الجهاز المصرفي وهي بلاغات مزعجة لأن الأشخاص المطلوبين في الغالب يكونون خارج البلاد. { ولكن في فترة ما ظهرت العديد من الجرائم المتعلقة بالبنوك بل نشطت شبكات سحبت أرصدة عملاء؟ صحيح عندما بدأت الدائرة وجدنا أن هناك العديد من بلاغات التزوير والاحتيال عن طريق عصابات تعمل على سحب الأرصدة ورصدنا تزايدها مما كان يتطلب المكافحة، وبحمد الله أكملناها في زمن وجيز وأستطيع أن أقول إن العام الماضي كان نهاية تلك البلاغات ومنذ بداية العام لم تدون مضابطنا أية جريمة وحللنا ألغاز الجرائم السابقة عن طريق العمل الميداني الخاص بجمع المعلومات ونجحنا في القبض على كل الشبكات من منفذين ومخططين ووصلنا إلى حد أن البلاغ الذي يدون نكون قد وصلنا لمرتكبي جريمته في حينه. { هل وصل التنظيم إلى مرحلة الجريمة المنظمة دولياً بوجود أطراف لها من خارج السودان؟ لا لم تصل جرائم شبكات المصارف وسحب الأرصدة إلى مستوى الجريمة المنظمة دولياً بأطراف من خارج السودان، ولكن هناك تنظيم من أجل إكمال الجريمة حسب ما تقتضيه وتبدأ جرائم الاحتيال بالبنوك في الشخص الذي يمثل أمام البنك ودوره معرفة رقم الحساب ومعرفة الرصيد حتى لا يكون الشيك خارج التغطية، وهذا الشخص نسميه (المدفع) ثم هناك دور المزورين الذين يقومون بتزوير الخطابات والبطاقات الشخصية وهي عملية متكاملة تبدأ وتنتهي بسحب حساب وغالباً ما يكون في حساب الشركات الكبرى. { من خلال التحري إلى أي مدى يتورط موظفو البنوك مع تلك العصابات؟ حتى الآن لم يثبت لنا تورط موظف داخل بنك بأنه عضو في عصابة ولكن وجدنا موظفين أهملوا في أداء واجبهم وذلك الإهمال أحدث ضرراً، ونحن نعرف ذلك الدور من خلال التحري ووزن البيانات وأول ما نبدأ به معرفة كيف مر الخطاب عن طريق الموظف، الإجابة على هذا السؤال تحدد دوره وغالباً ما نفتح له بلاغاً تحت المادة 89 وتتعلق بالإهمال. { وكيف يتورطون في تلك المخالفات؟ تورط الموظفين يكون غالباً في قضايا الاختلاس وحالياً ظهرت التكنولوجيا وأصبحت هنالك شبكة معلوماتية تربط أداء الموظفين وهناك عفوية وعدم احتراس بينهم ويمكن لأي موظف أن يملك زميله شفرة فتح جهازه وقد يستخدمها الأخير في غرض إجرامي فالاختلاس جريمة أوجدها ضعف المراقبة على المال وقلة الخبرة. { جرائم غسيل الأمول لها مثالب في مناحي الحياة المختلفة.. ما هي مخاطر ذلك اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً؟! جرائم غسيل الأموال لديها مثالب اقتصادية واجتماعية وسياسية ومن مثالبها الاقتصادية أنها تؤدي إلى رفع أسعار الأراضي، وكما قلنا إن الجريمة تمثل مالاً متحصلاً عليه بطريقة غير مشروعة يتم إدخاله في الحياة ومنها الأراضي التي تشترى بمبالغ بسيطة؛ (20) ألف جنيه وينتظر لفترة بسيطة فيرتفع السعر إلى 40 ألف جنيه أي أن هناك 20 ألف جنيه غير حقيقية دخلت السوق دون وجه حق وقد يؤدي إلى ارتفاع أسعار العملات الأجنبية وحالياً ارتفاع سعر الدولار مؤشر على عملية غسيل أموال ونحن نقيس بالعملات والمجوهرات لذلك لدينا أوجه تعاون مع نقابة المحامين ومحلات العقارات وغيرها. { قد يرى البعض بأنها مسألة شطارة تغذي خزانة الدولة بأموال أغلبها من الخارج؟ نعم البعض يقول إنه مال دخل البنوك ولكن لابد أن يتم سحبه في يوم من الأيام ومن هنا تكمن الخطورة وأكبر مثال على ذلك بنك الاعتماد والكل يعرف ما دار فيه فقد انهار البنك تماماً لأن إمكانياته أقل من المال المسحوب منه وهناك الكثير من المؤسسات أدت الأموال القذرة إلى انهيارها عندما خرجت منها لذا شدد التشريع في أحكام القانون. { وهل هناك تأثير على المستوى السياسي وجدتموه من خلال عمليات المكافحة أو الدراسات التي أعددتموها؟ من المثالب السياسية لغسيل الأموال شراء الذمم وقد تكون تلك الذمم ذمم موظفي القطاع الخاص والعام وقد يكونوا موظفين عاديين أو موظفي دولة، فالأساس في تداول المال وتحويله من مكان إلى مكان هو تقديم رشاوى لذا يطفو على السطح أشخاص غير معروفين وبالتالي تظهر طبقات اجتماعية جديدة. { هناك ارتباط ما بين غسيل الأموال والشعوذة أظهرته القضايا التي طرحت للإعلام؟ هناك شيء غير مفهوم للعامة ليس من واجبنا مكافحة جرائم الشعوذة، فهناك إدارات شرطية أخرى تقوم بهذا الأمر أما دورنا ففي الأموال الناتجة من مشاريع نفذت من جرائم الشعوذة لذا قلت في بداية الحديث إن إثبات جرائم غسيل الأموال صعب لأنه يرتبط بجريمة سابقة يجب إثباتها أولاً. { من خلال التعريف هناك أشخاص ظهروا أثرياء فجأة لماذا لم تحاسبوهم؟ الناس الكبار الذين تتحدثون عنهم يتم سؤالهم عن طريق الثراء الحرام والمشبوه وهناك فرق بين قانون غسيل الأموال وقانون الثراء الحرام والمشبوه الذي يحكي عن المال المشبوه وحالاته وطريقته ويجوز فيه التحلل والمال المشبوه والحرام قد لا يقوم على جريمة ولكن قانون غسيل الأموال الشرط فيه أن يكون المال ناتجاً عن جريمة ولا يجوز فيه التحلل وأكبر مثال يمكن أن نضربه لتوضيح الفرق قضية (سوق المواسير) الذي تعاملت معه وزارة العدل على أنه ثراء حرام ومشبوه لأن كسبه كان بطريقة غير مشروعة: الربا و(الكسر) في الأسواق وغالباً ما تكون متحصلاته ناتجة عن تعامل ربوي. { هل يتعامل القانون السوداني مع تلك الجريمة بشكل محكم؟! القانون السوداني تعامل مع المال القذر بشمولية وهو أي مال متحصل عليه بطريقة غير شرعية يدخل في الحياة لإضفاء الشرعية عليه وبذلك أدخل القانون المخططين والمنفذين ومساعديهم في إكمال الجريمة، ولكن هناك دول حددت جرائم غسيل الأموال هي الأموال الناتجة من 8 جرائم هي المخدرات والقمار والإتجار بالبشر والدعارة وتهريب الآثار والأضرار بالبيئة. { اتفقنا بأن التحري في الجريمة صعب ما هو دوركم الشرطي؟ جرائم غسيل الأموال تشابه إثبات الزنا فهي صعبة لا تتم إلا بالاعتراف لذلك كل الجهود تنصب في اتجاه المكافحة بغرض الرقابة على الحسابات البنكية والآن لا تستطيع غسل أموال عبر البنوك لأن هناك مراقبة دولية وإقليمية ومحلية على الحسابات البنكية فمثلاً هناك مليون دولار نزلت في حساب تكون حركة ذلك المال مراقبة ونبدأ التحري في معرفة مصدره. { كيف ينظر العالم لما تقومون به من جهود لمكافحة الجريمة؟ السودان من الدول السباقة فلجنة التحري ببنك السودان وهي لجنة نص عليها القانون حققت العام الماضي في (69) حالة وصلت اثنتان منها لشبهة في غسيل الأموال وأحيلتh لنا ولكن التحري قد يستمر لفترة طويلة وقد لا يقود في النهاية إلى جريمة ولكنه إجراء لابد منه وواحدة من وسائل المكافحة. { هل هناك أي صعوبات تعقد من عملياتكم؟ من المشاكل التي تواجهنا عدم الدقة في أخذ بيانات العميل وكثير من القضايا التي حققنا فيها كان يؤخر تحرياتنا بأن البيانات غير مكتملة والعنوان غير واضح ولا المهنة وفي كثير من القضايا وجدنا بأن الأسماء غير صحيحة والبيانات كلها خطأ؛ هو قصور من موظفي البنك قد ينشأ في كثير من الأحيان بحسن نية لذا سمع المجتمع باصطلاح (الجوكية) وهم ناس يفتحون حسابات بتلك الطريقة لاستغلال تلك الحسابات في جرائم. { ولكن قضية (آدم عبد الله) أثبتت أن هناك ضعفاً في التحري بدليل إنه لم يتم إثبات جريمة غسيل الأموال عليه؟ قضية (آدم عبد الله) معروفة وبعضها تم شطبه والجزء الآخر مطلوب فيه وبعضه حوكم من معه وإجراءات المحاكمة تختلف تماماً عن مرحلة التحري والغلبة فيها دائما للذي يستخدم مهارات التحري بتقديم قضيته بمهنية عالية ويجد أدلة كافية لإدانة أو براءة المتهم ولا يشترط أن يكون بنهاية أي بلاغ الإدانة أو عكسها فمرحلة القضاء تختلف وهي مرحلة منفصلة تماماً. { تحدثت عن إدارات بدائرة غسيل الأموال منها التهرب الضريبي ما هو الدور الذي تقوم به الإدارة؟ إدارة التهرب الضريبي هي الضلع الثاني في دائرة غسيل الأموال وهي دائرة نشطة للتحري مع المخالفين وهم الذين لم يسددوا الضرائب ولا تعتبر جريمة لذا فهي مخالفة وحتى (الفونس كابوني) بأمريكا الذي ذكرت بأنه الذي أوجد مصطلح غسيل الأموال تمت محاكمته في (تهرب ضريبي) ولكن الإدارة تتداخل معها بأن هناك مجموعة تلجأ للتزوير في المستندات الخاصة بالضرائب وآخرون يسددون الضرائب على شيكات فترد لتدخل معنا في إدارة مخالفات الجهاز المصرفي. { من أين استمددتم التشريع رغم أنه مستحدث؟ التشريع قام على الاتفاقيات الدولية وهناك (3) اتفاقيات أساسية هي اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة والموقعة في إيطاليا في عام 2000م واتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وهناك اتفاقيات إقليمية أخرى، فالقانون أخذ نظامين نظام لمتطلبات عالمية أبرمت في تلك الاتفاقيات ومتطلبات داخلية. { هل يكفي القانون السوداني لمحاصرة تلك الجريمة ومنع استشرائها في المجتمع؟ القانون السوداني ممتاز كما قلت إنه جاء شمولياً فعرف مرتكب جريمة غسيل الأموال بأنه أي شخص يأتي بسلوك ينطوي على اكتساب متحصلات أو حيازتها أو نقلها أو إدارتها بغرض التلاعب في قيمتها ولم يضع القانون أي إطار بل تركها مفتوحة لتشمل كل المشاركين كما فند مرتكبيها بالشخصيات العادية والشخصيات الاعتبارية ونص على ألا تتجاوز العقوبة 10 سنوات ومعها الغرامة ما لا يتجاوز ضعف المال محل الجريمة وللشخصية الاعتبارية أعطى عقوبة بحل النشاط كلياً أو جزئياً أو تغير إدارتها ومصادرة أدوات الجريمة، ونص القانون على صرف الأموال المصادرة بموجب القانون في أوجه صرف عديدة أهمها مكافحة الجريمة نفسها ومعالجة الأمراض المستعصية والقانون شكلاً ومضموناً رادعاً. { كيف تتعاملون مع المطلوبين خارج السودان؟ كما أسلفت الذكر بأن هناك تعاوناً مع إدارات شرطية ومنها المكتب الوطني للأنتربول في الخرطوم وعبره نسترد كل المطلوبين ونتبادل المعلومات حول الجريمة والمراقبة وفي الفترة الأخيرة لدينا عمل مشترك مع جمهورية مصر تم بنجاح. { سمعنا عن لجنة دولية قامت بتفتيش الدائرة ما هو أصل تلك اللجنة؟ اللجنة خاصة بالتقييم فالاتفاقيات خرجت ب (40) توصية على الدول إنفاذها ودور تلك اللجنة التي تتخذ من البحرين مقراً لها تحديد مدى التزام تلك الدول، وعملها عمل تفتيشي بالمعايير الدولية والحمد لله وقفت على أدائنا وتفاجأت بأننا لدينا إدارة خاصة بالتهرب الضريبي ولدينا جهاز مكافحة وتحر له ووقفت على تعاوننا على الصعيدين العربي والأفريقي ووجدت عملنا مطابقاً للمواصفات العالمية