بدأت الأحزاب السياسية الاستعداد لخوض الانتخابات المزمع إجراؤها في أبريل المقبل، وكثر الحديث في الفترة الأخيرة عن تمويل الانتخابات ومدى تأثيره على الحملات الانتخابية، وبرزت أهمية وضرورة توفير التمويل لمقابلة منصرفات العملية الانتخابية المقبلة، ومن المعلوم أن المال يلعب دوراً بارزاً في النشاط السياسي في السودان، وفي حالة عدم توافر التمويل سيكون لهذا الأمر تأثيره على سير العملية الانتخابية برمتها، وربما يسبب بعض المشاكل في الانتخابات القادمة، ويرى مراقبون للشأن السياسي أن للمال أهميته، ويجزمون أن هنالك أحزاباً عجزت عن تمويل مؤتمراتها العامة وعجزت عن إقامة أنشطتها الجماهيرية وإدارة مؤسّساتها الحزبية وذلك لعدم مقدرتها على الإنفاق المالي لتدريب وتأهيل عضويتها، الأمر الذي جعلها عاجزة عن بناء مؤسساتها التنظيمية. يذكر أن هنالك بعض الأحزاب السياسية، ليس لديها مصادر تمويل ويرى المراقبون لشأن الانتخابات أن التمويل سيقف حجر عثرة أمام كثير من الأحزاب التي تحتاج للقيام بدعايتها الانتخابية والاستقطاب الجماهيري، مع العلم أن السودان بلد واسع ومترامي الأطراف، الأمر الذي يجعل الأحزاب تحتاج لمبالغ كبيرة لتوفير معينات العمل الدعائي للانتخابات علاوة على توفير السيارات وتنظيم الندوات السياسية واللقاءات والمخاطبات الجماهيرية وغيرها من الصرف على تسيير الحملات الانتخابية. وبعد أن تم تشكيل المفوضية القومية للانتخابات قامت بتقديم ميزانية تقديرية لقيامها وبلغت في ذلك الحين (مليار دولار) ولكنها قد فشلت في الحصول على ذلك المبلغ مما دفع الحكومة السودانية إلى أن تجيز مبلغ (790) مليون جنيه سوداني في موازنة عام 2010م لتمويل المفوضية والصرف على العملية الاجرائية للانتخابات، ولكن هذا المبلغ لم يكن كافياً، الأمر الذي دفع الحكومة السودانية في السابق إلى توقيع اتفاق مع وكالة التنمية الأمريكية الذي التزمت بموجبه المعونة الامريكية بدعم برنامج الانتخابات في السودان بمبلغ (25) مليون دولار. يذكر أن هذا المبلغ جاء لدعم الجانب الفني واللوجستي للانتخابات، وفي ذات السياق التزمت الأممالمتحدة بتوفير مبلغ (86) مليون دولار، ويرى المراقبون أنه من المحتمل أن تصل مساهمة المانحين في تمويل الانتخابات إلى (43%) ومساهمة الحكومة قد تصل إلى (57%) ويبقى هنالك سؤال يبحث عن إجابة: هل ستصرف جميع هذه الأموال على تنفيذ إجراءات العملية الانتخابية أم ستقوم المفوضية بتوزيع جزء منها للأحزاب التي طالب في السابق عدد من قياداتها بضرورة تمويل الأحزاب وتطبيق معيار العدالة في التمويل، بينما ترى جهات أخرى أنه يجب أن تعتمد الأحزاب على دعم أعضائها والاشتراكات لتوفير منصرفات الحملات الانتخابية، وقد رفض من قبل رئيس لجنة الانتخابات بالحزب الشيوعي، السوداني المهندس صديق يوسف، تمويل الأحزاب، وطالبها أن تقوم بالتمويل الذاتي لحملاتها الانتخابية، مشددا على ضرورة أن تقوم الدولة بإعفاء الأحزاب من مدخلات الطباعة والأدوات المكتبية والأجهزة التي يحتاجها المرشحون للقيام بالدعاية. وفي سياق تعليقه على مسألة تمويل الأحزاب السياسية قال مستشار وزير الإعلام السوداني والقيادي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم «د. ربيع عبدالعاطي» إن التمويل المباشر للأحزاب معقد ويمكن أن تقوم به الدولة. ولكنه استدرك أن الأحزاب عددها كبير، مشيراً إلى أن التمويل المهم هو توفير البيئة الأساسية المتمثلة في إتاحة الفرص المتساوية في أجهزة الإعلام: الإذاعة القومية والتلفزيون القومي والإذاعات والتلفزيونات الولائية، لطرح برامج الأحزاب الانتخابية، إضافة إلى نقل المواطنين، الأمر الذي اعتبر أنه يمكن أن تقوم به الجهات المختصة من أجل ممارسة حقوقهم الانتخابية. وأضاف عبدالعاطي أن مسألة التمويل لها تصور خاص حتى تكون مضبوطة، مستبعداً أن يكون هنالك تمويل مباشر للأحزاب، مفضلا الجوانب التمثيلية، وأضاف قائلا «إن أمر التمويل الحكومي مستحيل لعدم وجود قاعدة» مبينا أنهم ليسوا ضد التمويل، ولكنه عاد وقال إن الأمر المهم هو توفير البيئة والتسهيلات الحكومية باعتبار أن الخدمات التي توفرها الدولة هي لكل الأحزاب. وقال إن القانون أجاز هذا الحق لكنه لايطبق إلا بموجب لوائح تحدد ذلك التمويل، وأضاف عبدالعاطي أن التمويل الأساسي لحزبه «المؤتمر الوطني» يأتي من القواعد والاشتراكات التي تأتي من الأعضاء والاستثمارات الخاصة بالحزب، وأردف أن هذا يمكنهم من أن يقوموا بحملاتهم الانتخابية، مؤكداً أن ما تتيحه أجهزة الدولة من زمن يتساوى فيه حزبه مع الأحزاب الأخرى، وأكد أن حزبه يرفض أي تمويل يأتي من الخارج، وأضاف: «إن التمويل الأجنبي القصد منه مصلحة المموِّل»، مشددا على عدم قبولهم لهذا الأمر باعتباره غير قانوني، مضيفا أنه لايمكن أن تقبل به دولة ذات سيادة. وفي الضفة الأخرى يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم بروفيسور الطيب زين العابدين، ، في سياق تعليقه على هذا الأمر، أن قانون الانتخابات ذكر أنه يجوز التمويل، لكن الشريكين «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» لم يكن لديهما الرغبة في تمويل الاحزاب السياسية الأخرى، وذلك لأنهما غير محتاجين للتمويل، وبالتالي لايريدان أن يمولا الأحزاب. وأضاف أن هذا الأمر واضح من خلال الدعاية الانتخابية التي بدأت مؤخراً للشريكين التي اختلفت عن حملات الأحزاب الأخرى، وأضاف أنه لايتوقع أن تنال تلك الاحزاب السياسية المعارضة أي تمويل من الحكومة الاتحادية أو الحكومات الولائية إلا في حالة وجود أحزاب حليفة لهما. ويضيف زين العابدين أنه يظن أن الحكومة لم تعط الأحزاب تمويلاً لأنها تريدها أن تكون ضعيفة حتى لا تنافسها في العملية الانتخابية. وأردف أن كل الأحزاب التي تقف في صف المعارضة ضعيفة بما فيها الأحزاب التاريخية «حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوداني» مؤكدا أن هذا الأمر سيضعف هذه الاحزاب ومنافستها في الانتخابات القادمة. وأوضح زين العابدين أن أهم شئ في الانتخابات هو النشاط الجماهيري للأحزاب الذي اعتبره يحتاج لتمويل علاوة على ترحيل الناخبين الذي اعتبره مكلفاً للغاية، الأمر الذي تتضرر منه الأحزاب الأخرى التي حالتها المادية ضعيفة بخلاف الشريكين الذين يتمتعان بالمال. وبخصوص الدعم الأجنبي يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، بروفيسور الطيب زين العابدين، أن الحكومة منعت الدعم الأجنبي والقانون كذلك منعه، مشيراً إلى أن الدول الاجنبية التي تدعم أصبحت لا تهتم بتمويل الأحزاب لعدم وجود دول متنافسة، وذلك الأمر جاء لانتهاء المعسكرين «الرأسمالي والشيوعي». وأضاف أنه لاتوجد دولة تضخ أموالاً للاحزاب السياسية، واعتبر هذا الأمر يضعف الأحزاب التي لها ارتباطات خارجية إلى حد ما. وعن الحديث الذي جاء بأن هنالك بعض من أحزاب المعارضة استلمت أموالاً خارجية كدعم من من بعض السفارات قال إن هذا الحديث تم الترويج له من قبل بعض الجهات لتشويه صورة أحزاب المعارضة، وأردف: إذا كان هنالك شخص متأكد من هذا الأمر عليه أن يرفعه للقضاء، مبينا أن هذا من باب الدعاية والتشويه، ومضي قائلا «القروش واضحة» وهذا الأمر منعه القانون. وأكد زين العابدين أنه لا يأتي تمويل من الخارج، لكنه أشار إلى أن هنالك تدريباً على مراقبة العملية الانتخابية، وهذا قامت به المفوضية، وهنالك منظمات أقامت عشرات الورش التي تتعلق بالتوعية في كيفية المراقبة والتصويت. وأضاف أن هذا النوع من الدعم غير ممنوع، وأوضح أنه لا يتوقع أن تأتي أموال من الخارج، مشيراً إلى أنه لا يوجد مظهر لثراء مجهول الأصل للأحزاب السياسية بخلاف الذي يظهر بجلاء في حالة الشريكين - حسب تعبيره. ورغم أن قانون الانتخابات السوداني قد نص في بند مصادر التمويل على حظر تلقي أي حزب سياسي أموالاً من المانحين، وذلك لتأثيره على الانتخابات، وأن مسألة تمويل الأحزاب بواسطة الحكومة نص عليه قانون الانتخابات، لكن الحكومة والمفوضية القومية للانتخابات ومجلس شؤون الأحزاب السياسية لم تبت في هذا الأمر حتى الان، ولكن يبقى السؤال: من أين تُموَّل الأحزاب؟