أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    المريخ يتدرب بالصالة    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤتمر في أمريكا حول الانتخابات والاستفتاء في السودان
نشر في الأهرام اليوم يوم 30 - 06 - 2010

نظمت جمعية الدراسات السودانية (SSA) بالولايات المتحدة الأمريكية مؤتمرها السنوي رقم (29) في الفترة 28 – 30 مايو 2010 الذي استضافته جامعة بوردو (Purdue) بولاية انديانا ممثلة في قسم الأنثروبولوجي (علم الإنسان) بكلية الآداب.
كُتِبت لهذا المؤتمر حوالي (26) ورقة لكن تم تقديم عشرين تقريبا بسبب غياب بعض المشاركين. كان من بين الغائبين البروفيسر ديفيد ديشان، قيادي سياسي جنوبي وخبير برئاسة الجمهورية في الخرطوم حيث كانت ورقته بعنوان: «انتخابات عام 2010 واستفتاء 2011: ثم ماذا بعد؟»
غطت الأوراق عدة محاور مثل: نظام الانتخابات في السودان مع تطبيق نظام تحليل البيانات على الواقع السوداني، وتاريخ السودان القديم، ومحور الصراع والعدالة والمصالحة، ومحور الانتخابات وآفاق التغيير، ومحور عن دارفور. وكان هناك معرض صور مصاحب للمؤتمر يحكي مأساة دارفور تحت شعار: «ثمن الصمت» (The price of silence).
كانت هناك محاضرات على هامش المؤتمر غاب عن إحداها مقدمها الباحث والكاتب المعروف محمود مامداني الذي صدر له كتاب عن دارفور تمت ترجمته إلى اللغة العربية ونشره مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت) وهو تحت عنوان: «دارفور: ضحايا ومنقذون». لكن تم تقديم محاضرتين إحداهما قدمها البروفيسر بيتر بيشتولد (Peter K. Bechtold) . وهو مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة ولاية بورتلاند (أوريجون). قدم محاضرة عن السودان حكى فيها تجاربه وخبراته في السودان منذ الستينات عندما جاء استاذا زائرا وممتحنا خارجيا للبحوث في جامعة الخرطوم وقد صادف وصوله الخرطوم اندلاع ثورة أكتوبر فحكى كيف أن البعض أصبح يتندر بذلك. وقال إن السودان أفضل من كل الدول العربية والأفريقية التي تحيط به وأن شعب السودان أعظم شعب. قاطعه أحد السودانيين المقيمين هناك بالقول إن السودان هو دولة بيوت الأشباح والتعذيب ...، تصدى له سوداني آخر، لكن تدخل الدكتور علي علي دينار (وهو أستاذ جامعي مقيم في أمريكا وعضو في المكتب التنفيذي لجمعية الدراسات السودانية) لتهدئة الأمور وطالب بالموضوعية. لم يعبأ البروفيسر بيشتولد بصاحب بيوت الأشباح واستمر يتحدث بإيجابية عن السودان وأضحك الحضور ببعض الطرائف.
بالإضافة لكونه باحثاً وأستاذا جامعيا عمل بروفيسر بيشتولد في عدة مواقع من بينها وزارة الخارجية الأمريكية (ولا أدري إن كانت له مهام غير ظاهرة) لكن مثل كتاباته وكتابات البروفيسر البريطاني بيتر وودوورد (منحته جامعة الخرطوم الدكتوراة الفخرية) شكلت المراجع الأساسية لدراستنا ( السياسة والحكم في السودان) بجامعة الخرطوم عندما كانت الدراسة باللغة الانجليزية. وقد تذكرني البروفيسر بيشتولد عندما رآني في المؤتمر فقد كنتُ مناقشا له في محاضرة قدمها في قاعة الشارقة بالخرطوم قبل ثلاثة أشهر كما التقينا في نوفمبر من العام الماضي في مؤتمر عن السودان بجنوب أفريقيا.
كانت هناك أوراق محدودة عن موضوع الانتخابات وقد تمت كتابتها وإرسالها للجنة المنظمة قبل أن تُجرى الانتخابات الأخيرة في السودان. ولم يتم التطرق لانتخابات إبريل 2010 إلا في المداخلات لبعض الأوراق مثل ورقتي التي كانت تحت عنوان: «النظم الانتخابية والسلوك السياسي: التحديات التي تواجه التحول الديمقراطي في السودان»
(Electoral Systems and Political Behaviour: Challenges facing Democratization in the Sudan)
استعرضت ورقتي (في 27 صفحة) كل النظم الانتخابية التي مرت على السودان منذ الاستقلال وقارنت النظم الانتخابية في الحكومات العسكرية بالحكومات الديمقراطية. وركزت على خصوصية الانتخابات الحالية التي جرت في ابريل 2010 (بغض النظرعن نتائجها) باعتبارها تأتي في وجود جيل كامل لم يمارس الانتخابات حيث ألغت حكومة الإنقاذ الديمقراطية في عام 1989. وهذا يفرض عدداً من التحديات من أبرزها: (1) انقطاع الممارسة الديمقراطية يحتاج لجهد كبير لبناء الثقافة السياسية والتي تشكل أحد المتطلبات اللازمة للممارسة الديمقراطية الواعية والسليمة؛ (2) غياب الديمقراطية أضعف الأحزاب السياسية (المحظورة) والتي عانت أيضا من الانقسامات الداخلية (intra-party schisms) وهذا سوف ينتج عنه معارضة ضعيفة؛ (3) إن تأثير وسيطرة الإثنية (العرقية) على السلوك السياسي للفرد السوداني نتج عنه تسييس القبيلة في المناطق الريفية، وقبلنة (tribalization) السياسة في المناطق الحضرية، وكان النتاج هو سلوك سياسي غير راشد. وينطبق هذا على مستوى الجماهير كما على مستوى النخب. وشرحت الورقة الديناميكيات التي تؤثر بصورة فاعلة في السلوك السياسي في السودان وهي ديناميكيات تقليدية مثل القبلية والإثنية والطائفية والطرق الصوفية... وهي تشكل عوامل سلبية في طريق الوصول للسلوك السياسي الواعي للفرد والمؤسسات السياسية. وقدمتُ في الورقة اقتراحات علها تساعد في تشكيل المناخ السياسي الموائم لممارسة ديمقراطية سليمة تمهد للتغيير الحيقيقي.
في سياق مداولات الحضور لورقتي تعرض البعض للانتخابات الحالية في السودان وسألتني بروفيسر كارولاين لوبان (من جامعة رود آيلاند) قائلة: دكتور عبده إنت الوحيد من المشاركين الذين حضروا من السودان وقطعت كل هذه المسافة لذلك نتوقع منك أن تكون موضوعياً، سؤالي: ما هو تقييمك للإنتخابات في السودان؟ قلتُ لها أنها جيدة لحد ما (rather good) لأنها – على علاتها – تمهد للتحول الديمقراطي. وقلتُ أنني تحدثت في تلفزيون البي بي سي أيام الانتخابات نقدت في حديثي موقف الأحزاب التي انسحبت وطالبتها بالمشاركة فيها مهما كان رأيها لأننا نريد إرساء المبدأ. قلتُ لهم: شاركوا ثم تحدثوا بعد ذلك عن الاخفاقات والسلبيات. وقلت ل (كارولاين) بأن هناك فعلاً تزوير لكنه محدود، وهناك أخطاء فنية وإدارية كثيرة اعترفت بها الحكومة وأعلنت عن إلغاء الانتخابات في عدد من الدوائر في العاصمة والولايات وأعادت العملية الانتخابية فيها. وقلت من الخطأ تطبيق المعايير الدولية بصورة مطلقة على دولة مثل السودان – تعاني الأمية وتفتقر للخبرة الفنية والامكانيات المادية والبنية التحتية – ولم تتم عملية بناء الديمقراطية عبر مئات السنين مثل ما في الغرب؛ كما أصبحت الأمور معقدة باتباع نظام انتخابي مختلط (نسبي ومباشر ونسبة للمرأة وقائمة الأحزاب...) وتعقدت بتعدد البطاقات (12 في الجنوب و8 في الشمال) فكيف لا نتوقع أخطاء، وكيف يحق لنا أن نقيسها بالمعايير الدولية؟
لم تكن بروفيسر كارولاين قد اقتنعت بحديثي، فالموضوعية عندها (أسيرة للرؤية النمطية الغربية للإسلام والسودان) هي أن أقول: كل الانتخابات فاشلة وأن الحكومة فاسدة وأن التزوير شامل.
لكن يبدو أنها تجنبت الدخول معي في جدل على خلفية ما حدث بيننا من جدل في جنوب أفريقيا في نوفمبر من العام الماضي عندما قدمتْ ورقة عن الشريعة في السودان في مؤتمر عن مستقبل السودان بعد الاستفتاء (نظمته جامعة جنوب أفريقيا ببريتوريا) حيث اختزلت كارولاين الشريعة في بتر الأيادي والحدود ناقلة ما حدث في فترة نميري. ثم قالت إن المشروع الحضاري للإنقاذ قد فشل أو انتهى ولم يبق منه إلا النظام العام والذي أصبحت الصحفية لبنى أحمد حسين أحد ضحاياه والتي أصبحت بطلة عالمية؛ وأن المسيحيين في السودان مهددين بالإسلام السياسي. وأعدتْ كارولاين كتابا سوف يُنشر قريبا تحت عنوان: «Shari a and Islamism in Sudan: Conflict, Law and Social Transformation»
أي: الشريعة والإسلاموية في السودان: الصراع والقانون والتحول الاجتماعي. وقالت أن هناك مَن بدأ في ترجمته لينشر باللغة العربية.
من الأوراق المميزة التي التزمت بموضوع المؤتمر ورقة الدكتور راندال فيجلي (Randall Fegley) من جامعة بينسلفانيا كان عنوانها: خيارات التصويت: آليات الانتخابات في نظم موسومة بالأمية. حيث قدم تحليلاً لأنماط التصويت المستخدمة في مجتمعات تعاني من نسبة عالية في الأمية بالتركيز على انتخابات السودان لعام 2010 . تناول المزايا والعيوب في استخدام الرموز والصور والألوان وأشكال أخرى من التكنيك والتقينات المستخدمة في الماضي والحاضر خاصة في مجال تصميم بطاقات الاقتراع. تحدث عن أنواع جديدة للأمية مثل الأمية الوظيفية والأمية السياسية. ولاحظ أنه حتى في الدول الفقيرة جدا أن للناخبين الرغبة في التعبير عن خياراتهم وفق ترتيب واع للافضليات والخيارات السياسية. وأشار إلى تجربة جنوب أفريقيا في انتخابات عام 1994 والتي اختلفت عن السودان لأن جنوب أفريقيا دولة بسيطة (unitary) أي تدار مركزيا بينما السودان دولة اتحادية (فيدرالية). وأشار إلى أن للرمز في الدول النامية دلالات كبيرة ففي انتخابات عام 1968 في غينيا الاستوائية غيّر فرانسيسكو ماكياس نجويما رمزه في اللحظات الأخيرة من (الديك) إلى (النمر). وأشارت الورقة إلى أن الأمية ليست دائما عقبة في حجم المشاركة في الانتخابات ففي بعض الدول المتخلفة حققت الإذاعة نجاحا كبيرا في تعبئة وتحريك الناخبين الأميين للمشاركة بصورة فاقت بعض الدول المتقدمة.
قدم بروفيسر سام لاكي وهو سوداني من الجنوب (متخصص في اقتصاديات الموارد بالمركز الدولي لإدارة المياه والموارد بجامعة سنترال استيت) ورقة حول دور النفط في الحرب الأهلية في السودان. قال: إن الحكومة السودانية تشتري الأسلحة والطائرات الحربية من موارد النفط المستخرج من الجنوب لقتل الجنوبيين وتشريدهم واغتصاب نسائهم.
أما بروفيسر بانايا يونقو-بيور (من جنوب السودان) يعمل في جامعة كترنج Kettering قدم ورقة حول: «برامج عاجلة لجنوب السودان في مرحلة ما بعد الاستفتاء»، قال فيها إن معظم الجنوبيين سوف يصوتون لفصل الجنوب وإقامة دولة جديدة. وقال إن الأمل في إنشاء دولة جديدة هو الذي يوحد الجنوبيين ويقلل من معارضة حكومة الجنوب. وقدمت الورقة برامج مقترحة لحكومة جنوب السودان بعد انتخابات عام 2010 تتمثل في ادماج معظم السكان في أنشطة انتاجية مختلفة وأعمال ومشاريع تنمية ريفية مع الانتظام في دفع المرتبات الشهرية، وتسويق المحاصيل ، وتوفير المياه، بناء التعليم، وتطويرالمرافق الصحية. على أن يتزامن كل ذلك مع مشاريع للمدى البعيد مثل تشييد مصاف للنفط ومد خط أنابيب لنقل نفط الجنوب عبر ميناء لامو الكيني على المحيط الهندي.. والتنقيب عن الذهب وبناء مشروعات الطاقة الهايدروكهربائية وتأسيس الجامعات الرئيسية الثلاث في الجنوب وتحديث المدارس الثانوية ، وتدريب المعلمين ومستشفيات تعليمية حديثة ... كل ذلك يعطي صورة متفائلة للمواطن الجنوبي عن المستقبل.
المفاجأة في المؤتمرأن باحثة إسرائيلية شاركت بورقة عن دارفور وهي (إريت باك (Irit Back أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامة تل أبيب (إسرائيل). وكان عنوان ورقتها: «القوات الأفريقية في دارفور: استجابة السودانيين لتدخل الاتحاد الأفريقي». وقد سألها أحد الأساتذة السودانيين المقيمين في أمريكا (بروفيسر طبيب/ عبد الفتاح نور) عن الدافع وراء مشاركتها في مؤتمر عن السودان؟ فقالت أنها جاءت أصالة عن نفسها وهي لا تمثل أي جهة.
وعند خروجنا لفترة القهوة (coffee break) اقتربتُ منها وحاولتُ استنطاقها لكشف سبب أو أسباب اهتمامها بالشأن السوداني؟ فقالت إنها باحثة ولها اهتمام بالأزمة السودانية من خلال متابعتها لها. ونكرت بأن تكون ممثلة لجهة ما. وكما جرت العادة على هامش المؤتمرات طلبت مني تبادل بطاقات الزيارة (visiting card) فاعتذرتُ لها بأن علاقات بلدينا لا تسمح بذلك. وافترقنا وفي ذهني التساؤل قائم. الآن حتى النخبة الإسرائيلية تهتم بالسودان وليس الساسة فقط. إنها نظرة بعيدة وليس اهتمام شخصي.
كلمة أخيرة:
= إن جمعية الدراسات السودانية يقوم على أمرها علماء أمريكان (وفرع آخر في بريطانيا والسودان) في تخصصات مختلفة، ومثلما كان للاستشراق جوانب ايجابية كذلك لهذه الجمعية؛ على الأقل أنها تقدم خدمة علمية في مجالات الدراسات السودانية المختلفة. أرى ضرورة تشجيع الباحثين السودانيين للمشاركة في منابرها وفعالياتها، وهي منابر أكاديمية (ليبرالية) مفتوحة للجميع وذلك حتى لا تذهب (في اتجاه واحد) فمشاركة من هم بداخل السودان يستطيعون نقل صورة واقعية ومتوازنة عنه.
= لقد اعتذرتْ لي جامعة أمدرمان الإسلامية عن تمويل مشاركتي في هذا المؤتمر، وكذلك اعتذرتْ لي جهة حكومية أخرى يهمها موضوع المؤتمر. استدنتُ وسافرتُ، فهل كنتُ ذاهبا في سياحة؟!!
على هامش المؤتمر:
· شارك في المؤتمر بالحضور وفد من سفارة السودان بواشنطون بقيادة نائب السفير (الوزير المفوض) الأستاذ/ فتح الرحمن علي محمد وهو من المعارف القديمة (لكن تفرقت بنا السبل). وكان معه الزملاء محمد سليمان وصفوت. قدموا لي الدعوة لكي أذهب معهم لواشنطون لكني اعتذرت وشكرتهم. شارك وفد السفارة في المناقشات وقدموا مداخلات جيدة.
· الحضور في المؤتمر لم يكن كبيرا بالدرجة التي توقعتها، ولكنه كان حضورا نوعيا. لم يتم توزيع نسخ ورقية للحضور فكل شئ كان الكترونيا والتقديم بالاسقاط الضوئي وبرامح البوار بوينت (الحمدلله كنت جاهزا لذلك).
· جامعة بوردو تقع في مدينة لافاييت الغربية (West Lafayette) التي تبعد ساعة عن انديانابوليس عاصمة ولاية انديانا وهي مدينة جميلة وهادئة. وهي تبعد ساعتين بالسيارة من مدينة شيكاغو – مدينة ناطحات السحاب (ثالث مدينة في أمريكا) حيث أخذني الشاب الباحث السوداني محمد الفكي (جامعة بوردو) بسيارته إلى هناك وقضينا يومين في تلك المدينة التي جاء منها الرئيس أوباما.
· سُميت الجامعة على رجل أعمال فرنسي اسمه (بوردو) منح أرضه الواسعة للجامعة التي تحمل اسمه وهي جامعة حكومية بها عشر كليات وقد تخرّج فيها (نيل آرمسترونج) وهو أول رجل وطأت قدماه سطح القمر وله تمثال في الجامعة.
· جلستُ لأكثر من ساعة مع رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة (بروفيسر بيرت روكمان) هو عضو متميز في اللجنة التنفيذية للجمعية الأمريكية للعلوم السياسية. وقد اقترب من السبعين أو بلغها بالفعل. بعد تبادل الحديث عن العلوم السياسية وتجربتهم في المناهج والتدريس سألته عن سن المعاش للأستاذ الجامعي في أمريكا فقال لي في بعض الجامعات (70) وفي البعض الآخر (72) سنة. وتعجب عندما قلتُ له نحن في السودان ستين سنة فقط ويتم استبقاء (المحظوظ) إلى سن الخامسة والستين (بالمشاهرة).
· استقبلتني في المطار واستضافتني في منزلها البروفيسر إلين جروينباوم رئيسة قسم الأنثروبولوجيا بجامعة بوردو وناشطة في جمعية الدراسات السودانية ويعمل معها زوجها، بروفيسر (Jay)، في القسم ذاته. وفي بيتهم الجميل الراقي تفاجأتُ بوجود (عنقريب) سوداني، وطباقة من كردفان ودارفور وأمدرمان، وبنابر (حبل) وهبابة وعدد من الأشياء التراثية السودانية. فقالت لي أنها وزوجها عملا في التدريس بشعبة علم الاجتماع بجامعة الخرطوم في الفترة من 1974 وحتى بداية عام 1978 (أي غادرا الجامعة قبل دخولي لها ببضعة أشهر)، وعملتْ لفترة قصيرة في كلية الأحفاد الجامعية بامدرمان وأحبا السودان وقالوا أنه أطيب شعب ولذلك أكرموا الشعب السوداني في شخصي. يتحدثان القليل من العربية السودانية الدارجة، ولها كتاب عن خفاض الإناث في السودان، ومهتمين بالتراث السوداني أيما اهتمام. أتمنى من جامعة الخرطوم تكريمهما في احتفال التخريج القادم.
· عزمتني في منزلها أسرة الدكتور أبو القاسم السوداني (المسيري) بجامعة بوردو فأبدعت زوجته (الجعلية بنت خالة جلال يوسف الدقير ) في العصيدة والتقلية وفي وجبة أخرى الكسرة بملاح البامية (المفروكة) بجوار الفراخ الأمريكي ، فكانت مفاجأة أن أجد في بلاد العم سام (ويكة تمام).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.