ملامحه تشي لك بالتشوه الذي تعرّض له وتجعلك كذلك تتقبله كما أصبح، إنه المذيع النجم البريطاني (جيمس بارترديج) بالنشرة الرئيسة للأخبار بالتلفزيون البريطاني، الذي كان يعدّ من رجال الإعلام الوسيمين في بريطانيا حتى تعرضه لحادث سير أحرق سيارته وتعرض فيه للتشوه من الدرجة الأولى، ففقد جزءاً من أصابع يده اليسرى ونال تشوهاً كاملاً في وجهه.. والرجل الوسيم ذو سنوات الكمال والعافية لم يستسلم للوجه الجديد الذي حصل عليه.. لم يتقوقع داخل خزانة ذكريات وسامته القديمة.. لم تبك عيناه وجد أيام النجومية الجميلة والحسناوات والصور وملاحقة الكاميرات، قبع بكامل تشوهه يبحث عن فرصة جديدة بوجه متغير ونفس متغيرة تماماً علمتها النيران التي أذابت القشرة الخارجية للجمال أن ما بداخلها أحلى! فعاد لم ينقصه شيء من رؤيته كما كان ووجد - بعد قتال شريف - فرصته مرة أخرى ما دامت مقوماته كمذيع ما زالت في متناول العمل - سبحان الله - فالصوت مازال والفكر والعلم والحضور. بحضوره اليومي لقراءة النشرة الرئيسة بالقناة البريطانية الأولى أوضح (بارتريدج) وجهة نظر متقدمة لعالم متطور، وهي ببساطة ونعومة لا تشبه القتال لخلق تغيير نظام إعلامي، تتمثل في أن الجمال ليس ضرورياً لكي يتقبلك الناس! وأن التشويه الخارجي لا يجب أن يكون سبباً في صدّ الأبواب أمام الوجوه المشوهة المتغيرة بسبب حادث سير أو حريق أو انتقام! والانتقام اليومي الذي نتعرض له من إعلامنا المرئي في عرضه لوجوه جميلة.. جميلة جداً، للحدّ الذي يشوّه نظرتك لها بالسؤال المترصد (ديل جابوهم من وين؟) فهم لا يشبهون بأية ملامح الوجوه اليومية التي نعرفها بيننا ولا حتى على مستوى الجلد! ولا يعرفون كيف يرضون طلباتنا المتطلبة بأن نشاهد وجهاً سودانياً يعرف كيف يدير رؤوسنا نحوه بلا تعقيدات بلاغية وأخطاء نحوية - حتى على مستوى العامية - وبمقومات المذيع التي لا تعترف إلا بالجمال الداخلي بعيداً عن حرائق المساحيق التي تشوي العيون وعن عمليات التضليل التي تغيّر الذوق الإعلامي السوداني.. وكذوق جانبي لا علاقة له بالجمال بل بالنظرة الإنسانية لكل صاحب حاجة خاصة أو تغيير فيزيائي، إن كان بنقصان أو فقد، فإن التعامل العقيم الذي لم نجتهد بالتدرب عليه كما يجب ويتم في مجتمعات أخرى ذات صلة بنا في المعتقدات الدينية والاجتماعية والثقافية، يجعلنا نحن - مكتملي (الخلقة) والملامح - المعنيين بالإعاقة أو النقص، فهل يعقل أن ينسى صاحب مؤسسة جديدة ما زالت قيد التشطيب، مصعداً للكراسي المتحركة أو ممراً لها؟ هل يستوي أن تكون المؤسسات الحكومية أو قل الرسمية تفتقر لموقف خاص بسياراتهم؟ ودعك من الشوارع وإشارات المرور الصوتية لفاقدي البصر و..و.. أليست هذه إعاقة فكرية؟ ثم ّ نمعن في إبداء الشفقة بعطاء لكرسي متحرك أو عصا! فأين إذن هنا النظرة الجمالية التي نستطيع بها معاينة التشوه الداخلي فينا، فنغيره ليصبح وجهنا الجديد الجميل للتطور الذي طال كل الأشياء حولنا - ماعدا سلوكنا الإنساني! أن إنسانية المذيع (بارتريدج) محت كل انكماشات الحروق الظاهرة على الوجوه المتغيرة، التي اختارها اسماً للمنظمة العاملة في ذات المجال - اسماً على مسمى - ليغير التشوه الداخلي والوصمة النفسية في دواخل المصابين بالتشوهات الجسمانية، التي يحاول الكماليون أن يرموهم بها دليلاً على جمالهم الخارجي المكتمل! إنسانيته وحدها دوناً عن شجاعته بالظهور علنا بكامل التشوه والتغضنات، وهو الذي إن أراد لنجح في استعادة وجهه القديم بل ربما أجمل منه، وذلك بترتيب عمليات تجميل وتصحيح، سهلة وفي متناول الجمال، لكنه آثر التكيف مع شكله الجديد والتعامل معه على أنه مظهر كغيره من المظاهر، ما دام التشوه لم يطَل إنسانيته، وقال: (لقد أعادني الحادث إلى إنسانيتي التي فقدتها!) وهي وحدها تكفل له العيش بسلام وطمأنينة ورضى. إن رضانا بحالنا وخلقتنا، كملت أو نقص منها شيء - لتدبير من الخالق غير معروف - هو في أصله جمال روحي لا يضاهيه سماح، ويمكنّك من نشر روح الجمال هذه على الذين حولك فتصير بعد حين مركزاً كونياً للجمال الحقيقي الإنساني بعيداً عن المساحيق الادعائية للجمال والتغضنات التشاؤمية والإعاقة النفسية. و(حسن عثمان) رحمه الله، صاحب كتاب (تجربتي والإعاقة)، كان مركزاً للجمال الروحي، تأتيه متعاطفاً مع إعاقته فيريك على مرآة روحه، ناصعة الانعكاسات، إعاقتك النفسية، ثمّ يحوّلك بعد عدة جلسات إلى معافى كامل الجسم والروح. سحائب دعاءنا إليك رحمةً ونوراً. والنور الذي يشع لك من هؤلاء المتعافين نفسياً يجعلك بحقد إنساني بحت تحاول أن تكونهم، ولو ذات حلم، لكي تعرف هذا النوع الغريب من النقاء والرضا، وأن تستطيع تقبل الحقائق كما تكون، والتعامل مع الوجوه المتغيرة كما هي، وليس كما كانت عليه أو يجب! وبراعة الإعلام العربي المتمثل في قناة (mbc) الباحثة عن نماذج الأمل في كل بقاع الدنيا لتنقلها إجراءات حقيقية سهلة لحيوات أفضل لتلك النماذج ذاتها، لكن بنسخة عربية داخل بلداننا، يجعلك تدرك مدى قبح النماذج والأفكار المشوهة في إعلامنا الداخلي التي للأسف يعلن عنها خارجياً كوجه السودان أجمعين، وبطول مساحات البث وعرض القنوات العديدة فيه، فما زالت الوجوه ثابتة لا تتغير!