يبدو أن أطراف الصراع في السودان (الحكومة – الحركة الشعبية) قطاع الشمال في طريقهما إلى اتفاق ينهي حالة الصراع التي تشهدها البلاد، منذ سنوات طويلة، بمنطقتي النيل الأزرق – جنوب كردفان، وبوادر الحلول تلك لاحت في الأفق عقب التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد على كافة الأصعدة، داخلياً وخارجياً، مما جعل إمكانية الوصول لحل سياسي يستبق العام 2020م موعد الانتخابات المتفق عليه، والشواهد على ذلك كثيرة. تطورات جديدة بالعودة إلى تفاصيل ما استجد مؤخراً في الساحة، نجد أن الحكومة استطاعت في فترة وجيزة، محاصرة النزاع المسلح بإقليم دارفور وتحقيق الاستقرار في معظم أرجائه التي ارتبطت بالحرب وارتبطت الحرب بها، طيلة السنوات الفائتة، ولم تكن ببعيدة التطورات الجديدة التي ارتبطت بتوصل الحكومة لاتفاق مع الإدارة الأمريكية عقب تفاوض امتد لسنوات أفضى بدوره إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان مما جعل الأجواء مهيأة لتطور العلاقات بين البلدين إلى أبعد مما كانت عليه قبل قرار الرئيس السابق أوباما التنفيذي الذي مررته الإدارة الأمريكية الجديدة، والذي أفرز تلك الأجواء الخالية من العقوبات الأمريكية بعد سنوات طويلة من الحصار المفروض على الخرطوم من واشنطن، زاد على ذلك دعوات بعض المعارضين وحاملي السلاح ومنهم مالك عقار، عبر وسائل الإعلام ودعواتهم للانخراط في العملية السلمية والاتجاه نحو التغيير عبر الصناديق من خلال خوض العملية الانتخابية القادمة في العام 2020م، تلك العوامل وهذه ربما تكون هي ما ساعدت لجعل هذه الأجواء مهيأة لهذا التغيير، الذي ينقل الحركات المسلحة من العمل العسكري إلى المعارضة المدنية، أو لتكون جزءاً من العملية السياسية القائمة، بالإضافة للاحتكام إلى ديمقراطية ما تعرف ب(الصندوق) وفي ذلك كانت تصريحات كل من القيادي بالحزب الشيوعي د. الشفيع خضر بأن حزبه سوف يخوض الانتخابات القادمة، وكذلك ما جاء على لسان رئيس الحركة الشعبية – قطاع الشمال مالك عقار بدعوته لدخول الحركة الشعبية لحلبه الانتخابات القادمة، وهذا ما يجعل لحديث مالك عقار والشفيع تأثيراً هائلاً إذا ما صدقت أفعالهم مع أقوالهم. أثر بالغ عطفاً على ما سبق، يقول اللواء أمن إبراهيم ضحوي الخبير في الشؤون الأمنية في حديث ل(الصيحة) إن التطورات والأوضاع الداخلية ل(الحركة) الشعبية – قطاع الشمال وما حدث والانقسام الذي حدث فيها جعلها مجموعات منقسمة بين مالك عقار – عبدالعزيز الحلو، وكان لذلك الأثر البالغ في مجموعة الخسائر التي انهالت على الحركة ميدانياً وسياسياً، ويمضي ضحوي أكثر مضيفاً بأن الضغوط الإقليمية والدولية من أطراف كالولاياتالمتحدةالأمريكية وبلدان الاتحاد الأوربي التي ترغب في التوصل إلى حل للقضية السودانية التي بات لها تأثير أبعد مما كان في السابق ودور كبير في التطورات الماثلة إزاء تصريحات بعض عتاة المعارضة المدنية والمسلحة، ويسترسل ضحوي بأن المؤثرات على الأوضاع بدولة كجنوب السودان وليبيا ومجموعة الحركات المسلحة الموجودة هناك التي تظل تقاتل جنباً إلى جنب مع الأطراف الليبية المناوئة لحكوماتها هناك وللحكومة السودانية أثر أكبر، بينما الحكومة السودانية هي الآن في أفضل حالاتها سياسياً حيث لديها تقارب كبير مع الأطراف الخليجية من دول الإمارات العربية – السعودية – قطر سيما وأن بعض الخلافات التي ماتزال قائمة مع مصر والعلاقة الآن أكثر من جيدة مع دول الاتحاد الأوربي والتقارب يسير بصورة مثلى مع الولاياتالمتحدةالأمريكية الأمر الذي يمنح مزيداً من الثقة والتخطيط الأمثل لبرامج الدولة في الحفاظ على الاستقرار المكتسب أمنياً وسياسياً لتجاوز المعضلة الاقتصادية. اقتراب الحل يؤكد مسؤول حكومي ضمن وفد المفاوضات من طرف الحكومة ل(الصيحة) فضَّل حجب اسمه أن مسأله التوصل لاتفاق مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال باتت قاب قوسين أو أدني وما يحدث بخلاف ذلك تحصيل حاصل. متوقع أن تكون جولة المفاوضات القادمة المزمع عقدها في يناير العام القادم سوف توقع الحكومة اتفاقاً مع الحركة بموجبها سيتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية والقضية الإنسانية وما يتصل بها خاصه عقب موافقة الحكومة على المبادرة الأمريكية. ويوضح المحلل وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري أزهري مكاوي ل(الصيحة) بأن مجمل المتغيرات داخلياً وخارجياً من شأنها الذهاب في ذات الاتجاه، لتؤكد أن احتمالات التوقيع على اتفاق بين الحكومة – الحركة الشعبية قطاع الشمال أمر وارد، ولكن يتبقى على الحكومة أيضاً تحديد مع من سوف تجلس بعدما تقسمت الحركة إلى تيارين "عقار – الحلو" ووضع في الحسابات من لديه السيطرة على الأرض "ميدانيا". وتوقع مكاوي أن تكون الجولة القادمة أسهل من سابقاتها بحيث أن كل طرف يعلم جيداً نقاط القوة والضعف التي يمتلكها والكروت الرابحة في يده، كذلك فإن الأطراف الإقليمية والدولية يبدو أن لها رغبة في إنهاء الحرب بالسودان، خاصة وأن مجموعة ك(الايقاد) بدت تقع عليها اللائمة في عدم القدرة على إحداث اختراق، حتى الآن على مستوى ملف مفاوضات أطراف النزاع في السودان ممثلة في الوسيط الأفريقي. اتفاق مرضٍ بالرغم مما سبق كان لتصريح الأمين العام ل(الحركة) الشعبية ياسر عرمان الأسبوع الماضي بأن لا مجال لاتفاق مع الحكومة دون حريات، وهو ما يعني مسارعة الحركة في وضع اشتراطات مسبقة مع توفير ضمانات الالتزام بها حال وافقت الحكومة عليها. ويشير رئيس مبادرة إسناد الحوار الوطني وعضو حزب المؤتمر الشعبي د. عمار السجاد في حديث ل(الصيحة) أن الحركة الشعبية عقب تصريحات رئيسها مالك عقار بخوض الانتخابات ربما تتجه إلى محاولة اقناع بقية الأحزاب والقوى السياسية المعارضة بجدوي الخطوة. ويضيف السجاد بأن ترتيب ذلك يتطلب التوقيع على اتفاق مع الحكومة وهو أيضاً ما يحاول حزب المؤتمر الشعبي من خلال لقائه بقيادات الحركات المسلحة بمدينة بون الألمانية لتعجيل تلك الخطوة، مبدياً تفاؤله التام بوجود تقارب عبر جولة المفاوضات القادمة التي تجمع الحكومة والحركة الشعبية، فضلاً عن مساعي المجتمع الدولي في ذلك بضرورة الخروج باتفاق مرضٍ لكافة الأطرف.