دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عوض الحسن النور: صدى القرار الجمهوري 508/ 2018 وهيكلة الأجهزة العدلية
نشر في رماة الحدق يوم 30 - 09 - 2018

اتصل بي أحد الأصدقاء بعد الاطلاع على مقالي السابق مَِمّن طاله سيف الإحالة إلى الصالح العام في أول الإنقاذ بهذه العبارات: بأنه كان لا بُدّ من تضمين فقرة في إنصاف القضاة الذين شَملهم الفصل في هذا العهد، خَاصّةً وأنّ ذلك قد شَمَلَ عَزل العلماء الحقيقيين من أساطين المحكمة العُليا ولا يلزم ذكر أسماء منهم في هذا غير كونه إنصافاً لهم يكسب المقال مصداقية مهنية حتى لا ينسحب ما ورد في مقالك على قُضاة من بينهم كثيرون تقاعسوا وصمتوا وصُنِّفوا كمُوالين للنظام.
كان المقال قد سُلِّم للصحيفة ورددت عليه بأنّ الكمال لله تعالى، إلا أن تعليقه قد دفعني لكتابة هذا المقال. وأبدأ بإحساس الظلم الذي يعيشه الإنسان وخَاصّةً القاضي المُؤتمن على العدالة وأثره إذا امتد لثلاثين عاماً. وأذكر في ذاك التاريخ 1989 وكُنت في إجازة بدبي في ضيافة صديق العمر رحمه الله الأستاذ سيد صديق الحسين المحامي والنائب العام السابق لإمارة دبي، كما التقيت هناك بصديقي القاضي السابق عبد القادر محمد أحمد وزميلي بالخرطوم شمال في دولة الإمارات العربية واحتفى بنا قُضاة السودان هناك خاصّةً القاضي جلال الدين محمد عثمان كان مُعاراً هناك قبل عودته ليكون أميناً عاماً لمجلس القضاء العالي ثُمّ رئيساً للقضاء، والقاضي السابق عمر الصديق البشير وغيرهم. صدر ونحن هناك أول قرار بإحالة أكثر من 50 قاضياً من جميع الدرجات إلى الصالح العام، وقد كان قراراً صادماً لشموله عدداً من العلماء القضاة في المحكمة العليا والاستئناف والزملاء، أذكر منهم القاضي العالم عبد الوهاب المبارك قاضي المحكمة العليا رحمه الله رحمةً واسعةً، حيث تم تكريمه في رمضان قبل الماضي من قبل رئيس الجمهورية، والذي رغم إعاقته وصُعوبة حركته كان ينقل المعرفة والعلم ويكتب الأحكام بلغة رفيعة، يتلقّى الأسئلة والمعضلات القانونية التي تعترينا كقضاة أقل خبرةً وفيهم القاضي بابكر أحمد القرّاي رحمه الله رحمةً واسعةً والذي تعلّمنا منه ونحن مُساعدون قضائيون في أول السلّم ومن الزملاء القضاة في محكمة عطبرة، أدب القضاء والتقاضي وصناعته، فالقضاء صنعة تعلّم من شيوخها. منذ الوهلة الأولى كان الأخ عبد القادر يرى وُجُوب اتّخاذ موقف ضد هذا القرار بتقديم استقالات جماعية وكان رأيي أنّ النظام عسكري وفي بدايته ويصعب مُقاومة قراراته وجمع القضاة على رأي.
وحضرنا إلى السودان ووجدت تعييني نائباً لأحكام محكمة الاستئناف العسكرية برئاسة الفريق إبراهيم الرشيد هو وزملاؤه كتابٌ طيِّب السيرة أرجو أن أجد الوقت للكتابة عن تجربة العمل معهم والقضايا التي نظرت أمامهم وكيف كانوا يحترمون مبدأ سيادة حكم القانون، ولم أجد وللتاريخ أيّة عقبة في سبيل إبداء الرأي الذي أراه صحيحاً. في هذا الوقت سعى عددٌ من القضاة لجمع استقالات جماعية وعند عدم التوفيق وبعد تسليم هؤلاء المُحالين للصالح العام من الإخوة القضاة سيرة ذاتية من واقع الملفات والتي تُنبئ عن سيرةٍ طيبةٍ، رأي القاضي عبد القادر ولأسبابٍ أخرى أن يتقدّم باستقالته مسبّبة وحزنّا جداً لفقدان قاضٍ مُستقلٍ نزيهٍ وشجاعٍ ولم يبلغنا بذلك لإثنائه. وهذا أيضاً للتاريخ أرجو أن يكتب عبد القادر عنها وخاصة عندما التقى بالسجن بمن حكم هو عليهم بالإعدام وحبس معهم، ومنهم نادر المُدان في قضية فندق أراك، حيث كان المُدان وهو طالبٌ بالهند قد أحكم خطته باتخاذ فندق أراك نزلاً له واستدرج أحد تُجّار العملة للفندق وبعد أن أحضر له المَبلغ في غُرفته أصابه في مَقتلٍ ثُمّ حاول إخفاء الجريمة بنقل الجثة إلى أحد الطوابق العلوية وبمُجرّد خُرُوجه من السجن حضر لي عبد القادر وحكى عن حالة المُتّهم النفسية السيئة من طول انتظاره تأييد الحكم أو البراءة فطلب مني مُتابعة القضية فذهبت لمكتب رئيس القضاء وعلمت بتنفيذ حكم الإعدام عليه في اليوم السابق.
يطول التفكير في كيف يتحمّل المظلوم هذا الظلم ولم يطرق أحد باباً للقضاء لإلغاء هذا القرار! نعم ما دور القضاء العادي في تطبيق النصوص الدستورية؟ والرضاء في المُجتمع السوداني وعدم اللجوء عادةً من القضاة للمحاكم الإدارية أو الدستورية، وكما أنّ الدستور يغل يد الأطراف في اللجوء للمحكمة الدستورية لتفسير النّص كما قعدت المحكمة العليا عَن تَفسير هذه الحُقُوق وسَلبت من نفسها ذلك.
وفي تقديري أنّ عدم تطبيق القضاء العادي للنصوص الدستورية أحد الأسباب التي أقعدت المحكمة العليا وجعلت أحكامها عرضةً للمُراجعة بواسطة قضاة قبلوا نظر قضايا سبق لهم نظرها من قبل (لم اطّلع عمن اعتذر أو دفع بهذا الرأي في حكمه؟) أو قامت المحكمة الدستورية ورغم قصر اختصاصها على مَسائل وردت على سبيل الحصر بإلغاء أحكامها. ومَا دَفَعَني لذلك هو تَجارب العَالم في أمر عَزل القضاة أو إحالتهم للصالح العام أو كيفية تطبيق القضاء العادي للدستور.
وكما يقول أحد فقهاء القانون الدستوري عن نجاح الدساتير لا يُقاس بمَدَى أناقتها وجاذبية المبادئ التي تضمّنتها، وإنّما يُقاس بكيفية تطبيقها وطريقة تنفيذ ما احتوت من قواعد. ويَضيف كم من دستورٍ مُنظّمٍ ومُنمّقٍ لم ينل من الحظ سوى حبر الطباعة والورق الذي كُتب به فاُنتهكت مبادؤه شر انتهاك، وكم من دستورٍ مُقتضبٍ أو عرفي لا يثير في ذاته التفاتاً كان مضرب الأمثال في تطبيقه من حيث الديمقراطية وكفاءة التنظيم. ففي مصر وفي عام 1969 تمّ عزل 127 من رجال القضاء والنيابة، إلا أنّ هؤلاء المعزولين لم يرضوا إلا إصراراً على المُطالبة بحُقُوقهم واستعادتها، فسُرعان ما تَصَدّت محكمة النقض للقرار وانتهت إلى أنّ هذا القرار بقانون لا يقوم على أساسٍ من المشروعية بقانون التفويض، وإنّما مُخالفته لأحكام الدستور إنّما على سبيل التأكيد لا التّأسيس، ثُمّ حكمت بإلغائه والقرارات المُنفّذة له فصدر قانونٌ نَصّ على أعضاء الهيئات القضائية الذين اُعتبروا مُحالين إلى المعاش أو نُقلوا إلى وظائف أُخرى بالحكومة أو القطاع العام بجواز إعادتهم إلى وظائفهم السابقة ما لم يكونوا قد بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا القانون.
في السودان، عالج المُحالون أمرهم سياسياً عن طريق اتفاقية السلام الشامل ودستور السودان لسنة 2005، وتَشَكّلَت لجانٌ بالجهات الحُكوميّة ومنها القضاء وتمّت إعادة البعض للعمل وتَعويض الآخرين. كما نجد قاضياً قد بدأ دعواه الإدارية بإحالته للمعاش أمام الدائرة بالمحكمة الإدارية وفي انتظار قرارها العادل. أما أصدقائي الذين أُلغيت تَعاقداتهم ومُعظمهم من جيلي، فيبدو أنّ منهم مَن يَنتظر إعَادة التّعيين بوعدٍ أو من حَمَدَ الله على إعفائه من هذه الهُمُوم ولزم داره. وأذكر عند إنشاء معهد التدريب والإصلاح القانوني في 1995 - 1996 قال الشيخ حسن الترابي رحمه الله إنّ القضاة والمُستشارين عندما يتقاعدون بالخدمة المعاشية لا يَستطيع كَثيرٌ منهم مُمارسة المُحاماة لاختلاف طبيعتها، وكثيرٌ منهم يَحمل من التّجارب التي تُفيد الشباب وعلى المعهد أن يجعل لهؤلاء الشيوخ من المعهد مَقرّاً لهم يُعلِّمون طلابه ودارسيه وينالون بعض ما يعينهم على ضنك الحياة، رغم أنّه بعد الإنقاذ فقد تحسّن معاشات رئيس القضاة ورؤساء القضاة السابقين ونُوّابهم وبعض التّحسُّن في مَعاشات قُضاة المحكمة العليا.
وعلى كُلٍّ لن ينالوا ما ناله رؤساء قضاة وقضاة المحكمة العليا ضنكاً أمثال القاضي العالم عثمان الطيب والذي مثل أمامي شاهداً لتَعرُّضه للنشل داخل حافلة عبّر عن حاله مولانا سيف الدولة حمدنا بالقول: (واقع العسر الذي كان يعيشه رئيس القضاء الأسبق مولانا عثمان الطيب وجعله يستقل المُواصلات العَامّة، كان تاجاً على رأسه يشهد على نظافة يده وعِفّة نفسه التي جعلته يخرج من منصب بذلك المقام بالحال التي دَخل بها عليه دُون أن يشتكي حاله لأحدٍ، بعد أن أفنى زهرة عُمره في خدمة العدالة في بلده ....)، لم أكن قد التقيته رغم أنّي استندت وأنا قاضٍ بعطبرة وبربر على أحكامه في مجال قانون الأراضي والجنايات وأبحاثه، وعبّرت عن أسفي لتطلعاتنا كقضاة صغار في العمل لبلوغ هذا المنصب وما أصابني من إحباطٍ، وأذكر قبل وفاته رحمه الله كان إماماً لمسجد الموردة وسعيت مع الأعلام خلف الله الرشيد ومولانا دفع الله الرضي وأحمد أمين صالح رحمهم الله جميعاً بالمعهد طباعة خطبه للجمعة!!!
قرارات جديدة بتوصية من السيد رئيس القضاء بإحالة القاضي محجوب الأمين نائب رئيس القضاء والقاضي سر الختم صالح أيضاً للتقاعد بالمعاش، كما صدرت قرارات من السيد رئيس القضاء وليس رئيس الجمهورية بتعيين باحثين بمعهد العلوم القضائية والقانونية قضاة خبرات، كما عيّن قُضاة خبرات وقُضاة وقاضيات خبرات بمحاكم السودان المُختلفة، كَمَا صدر تَوجيه من الأخ أبو قردة بكيفية تنفيذ القرار وتضمن استثناء السيد الرئيس لأساتذة الجامعات والذي وَجَدَ صدىً طيِّباً لدى الأساتذة والطلاب وغيرهم.
يختلف موضوع القاضيين أعلاهما عن إنهاء تعاقد 35 قاضياً من قُضاة المحكمة العُليا، كما أنّ تعيين قضاة خبرات بعُقُود مُحدّدة يعيد البحث في مَدَى دستورية هذه القرارات؟ وقد التقيت بمولانا محجوب قبل يومٍ من قراره وهو مُتعبٌ وعندما سألته فقال إنّ مكتبه ملأ بقضايا الزملاء الذين تمّت إنهاء تَعاقداتهم ويقوم هو بتعديل وإعادة تشكيل الدّوائر لكل هذه المئات من القضايا، فطلبت منه لماذا لا تُشكِّلون دوائر ثَابتة وترأس أنتَ الدائرة الأولى وتُوزِّع القضايا كَمَا في العَالم على الدوائر إلكترونياً بالأرقام، بل يُعتبر في العالم تَوزيع القضايا بالطريقة التقليدية السودانية تأثيراً على سير العدالة فوعدني خيراً. وأرجو أن يعذرني السّادة القُرّاء لإتاحة الفُرصة لآخرين من القانونيين لتفسير المادة 74 من قانون السُّلطة القضائية وإحالة القضاة في الخدمة المعاشية بدون طلبهم للتقاعد بالمعاش وهل هو عزل؟ عملاً بنصيحة الكاتب الرائع محمد محمد خير، حيث أعيش عنوان مقاله المنشور الجمعة الماضية بصحيفة (السوداني) تحت عنوان أزمة كاتب حيث لا أود أن تكون كتابتي مُثيرةً بأن لا بُدّ أن تكون نتيجتها ستكون لصالح طرف، ولا بُدّ من أن الكاتب سيخسر الطرف المُتضرِّر. وأنّ الكاتب سيصبح في نظر الطرف المُستفيد هو الأبلغ والأزهى والأفصح والمُبين فيما يتقاصر في نظر الطرف الآخر وقد لخّص الأمر في: ستكون النتيجة أنّه أعظم كاتب وأتفه كاتب في نفس الوقت، وهذا ما يتعارض جذرياً مع الجوهر الذي تَنعقد عَليه مُهِمّة الكِتَابَة، إذ أنّها رِسَالة تَنوير ومُثاقفة وحوار صافٍ وأسئلة تكتسب الصفاء من المشروعية التي تستوجب الأسئلة. ولا أكون كمن قال فيهم قاسم أمين أعرف قُضاة حكموا بين الناس بالظلم ليشتهروا بالعدل أو ليسمع الحُضُور يَهتفون في حَال البَراءة يحيا العدل. كما أنّ ما يدور الآن في الولايات المتحدة لمرشح الرئيس ترمب القاضي بريت كافانو (وهو قَاضٍ بمحكمة الاستئناف رشّحه الرئيس للمحكمة العليا والتي تُشكّل من تسعة أشخاص فقط، وبدأ الأمر مثالياً في البداية حتى طُرحت اتهامات من الدكتورة كريستين بلاسي فورد وهي أستاذة جامعية أنّ كافانو وصديقاً له (وهم طلاب) حبساها في غرفة نوم خلال حفل صغير في إحدى ضواحي واشنطن في صيف 1982 قبل 36 سنة وأنّ هذا الاعتداء المزعوم أثّر على حياتها بشكلٍ كبيرٍ. وحيث قامت اللجنة القضائية بمجلس الشُّيوخ وهي التي تَدرس التّرشيح بالاستماع للمُدعية واتّفقت أعضاء اللجنة القضائية من الحزبين تأجيل التصويت لمدة أسبوع والاستعانة بالتحقيقات المركزية أف بي آي، وأمر الرئيس ترمب بإجراء تحقيقٍ في مزاعم سُوء السُّلوك الجنسي ضد مرشحه وحاولت المُقارنة بالجرح والتعديل في الشريعة وما توصّل إليه العالم عملاً به في طريق العدالة وتعيين القضاة.
وما سبق يدعوني للحديث مُجَدّدَاً عن القَرار الجَمهوري 508/ 2018 والذي أصبَحَ واقعاً بالقضاء ووزارة العدل، حُيث أُحيل ثلاثة من رؤساء القطاعات رغم التجديد لهم بمُوجب قانون تنظيم وزارة العدل والمُستشارين والذي تَتَحَدّث سيرتهم الذاتية عن خبراتهم ومقدراتهم وأذكرهم بالاسم، هم أيضاً من جيلي وهم: الدكتور عبد المنعم عثمان محمد طه وهو من المُتخصِّصين في القانون الدُّولي والتِّجاري كَمَا مولانا إبراهيم هارون وهو من فقهاء القانون في مَجَالاتٍ مُتعَدِّدةٍ وخَاصّةً في البنوك والتجاري والجنائي وكان محامياً عاماً، وكذلك الأخت نعيمة محمد الحسن من أهل التشريع ويُشار إليها بالبنان مع آخرين في وزارة العدل في أمر صناعة القوانين والوقوف ضد تفصيلها أو مُخالفتها للدستور أو القوانين. ولا أنسى من شُيُوخ وزارة العدل من أدعو له بطول العُمر المستشار عبد الحافظ يوسف ولن أنسى موقفه في 1996 عندما قرّر المجلس العلمي للمعهد تدريس مادة الصياغة القانونية وتحديده لرئيس لإدارة التشريع، ذهبت إليه وفي مكتبٍ يعج بالمعاجم والمَراجع ومشروعات قوانين وأقلام رصاص وألتقيه لأوّل مرّة وعرّفته بنفسي وطلبت منه المُوافقة لتدريس المادة بالمعهد، رفض بعُنفٍ، وقال: التشريع يُعلّم ولا يُدرّس ومن تريدون تدريسه يحضر إلى مكتبه ليتعلّم وهذا ما كان! أليس الأولى الاستفادة من هؤلاء القُضاة السّابقين ومن أُحيلوا للصالح العام القادرين منهم بلجانٍ مُقتدرة، وعن طريق المفوضية رفد المحكمة العليا والنيابة بمن يضفي قيم العدل والتسبيب قُضاة وفقاً للدستور.
هيكلة الأجهزة العدلية
يَنص القرار الجمهوري رقم 508/ 2018 في ديباجته على.... وفي إطار إعادة هيكلة الدولة وترشيد الإنفاق.... مِمّا يعني بتفسيره العمل على تحقيق الغرض منه وما سبق أخذ كثيراً من الوقت مِمّا يدعوني فقط للتساؤل والدولة مقدمة عَلى وَضع دستورٍ بالنظر بعمقٍ، وبعد المُحاولات غير المُوفّقَة أيضاً من الدولة كمؤتمر العَدل والإصلاح القانوني وما يدور من صراعٍ بين الأجهزة العدلية التي تعيش في جُزرٍ مُنعزلةٍ والفشل في تطبيق النصوص القانونية والتي تُحاول التّنسيق بينها وما رصدته الدولة في سبيل التدريب وإصلاح القوانين والأسئلة:
1: والدولة تتحدّث عن الإنفاق، أليس من الأوفق أن تكون النيابة سُلطة قضائية ويكون مجلسٌ واحدٌ للقضاء والنيابة وما يتعلّق باستقلالهما من نقلٍ وعزلٍ وتنقلات فقط بواسطة رئيسها ومن يمثلونهم في المَجلس وبَحث القضاء الفدرالي وإلغاء الوظائف كمساعد قضائي ومساعد مستشار يكون الرافد الأساسي للنيابة والعدل، ثُمّ المُحاماة وتدرج الظهور والتدريب والسلوك حتى يكون الرافد الأساس كما العالم وإلغاء الدرجات الهلامية قاضي درجة ثالثة وثانية وأولى، وتكون الدرجات قاضٍ ثُمّ استئناف ثُمّ عليا وفي النيابة والعدل تُحسّن أوضاعهم المالية وتُوفّر لهم فُرص التدريب المُتخصِّص داخلياً وخارجياً. فقد اُستحدثت تلك الدرجات لسُوء الفهم من أنّ القضاة كغيرهم يبدأون بالدرجة التاسعة.
2: معهد العلوم القضائية والقانونية وتكرار ضياعه رغم استقلاليته وتبعيته والذي لم يُؤمن بفكرته سوى قلة بعد وفاة مولانا حافظ الشيخ الزاكي رحمه الله تعالى، أليس الأولى أن يعود للتعليم العالي أو يكلف رئيس الجمهورية من الخبرات القانونيّة بدراسة المدرسة الفرنسية للقضاء وسُبُل تأهيل القانونيين في أوروبا وتركيا وأمريكا وآسيا والجامعة العربية، وواضحٌ أنّ اجتماع وزراء العدل العرب سيكون بالسودان في هذه الدورة.
3: وتكليفهم أيضاً كيفية عمل مفوضيات إصلاح القوانين؟
4: القوانين التي صَدرت ومنها مَجلس تَنسيق الأجهزة العدلية لسنة 2017 ولم ينعقد مجلس العدل والذي يرأسه السيد رئيس الجمهورية ومقرره وزير العدل وعضوية كل الأجهزة العدلية حتى الآن.
5: قانون الخبرة لسنة 2017 ولم يُشكِّل مجلس الخبرة بوزارة العدل بقرارٍ من مجلس الوزراء حتّى الآن.
6: قانون التحكيم ودور وزارة العدل في تسجيل مراكز التحكيم وتشكيل لجنة لتعديل القانون فيما كان مُختلفاً عليه كَمَا اُتّفق عليه في البرلمان.
أم أنّ مؤتمراً للعدل والإصلاح القانوني 2، على رئاسة الجمهورية تبنيه من مُتجرّدين يدرسون حال هذه الأجهزة تطورها وما عليها وما لها الأوفق قضاء مركزي أم فدرالي، محكمة دستورية مُستقلة ومُنفصلة أم محكمة عليا كما في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا؟ وغير ذلك من القضايا.
وأرجو ألا تكون كثرة الموضوعات قد أفقد المقال تماسكه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.