قبل أن نعقد مقارنتنا بين مصر والسودان في إطار الحياة الديمقراطية أمس واليوم، دعونا نعلّق على ما جاء في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية تعليقاً على فوز «إسلامي» برئاسة مصر، حيث قالت: « فوز مرسي يثير مشاعر الخوف والتوتر لدى الصهاينة».. وجاء فيها أيضاً أن وزير الدفاع الصهيوني إيهود باراك حمّل الرئيس الجديد لمصر مسؤولية الالتزام بكافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية مع إسرائيل بما في ذلك معاهدة كامب ديفيد.. أي أن الوزير اليهودي كأنه يخشى حتى من إلغاء «وعد بلفور» الذي بموجبه أسس اليهود دولتهم على أرض فلسطين غصباً عن أهلها. وهذا الخوف والتوتر يفسِّر أن اسرائيل تسوؤها بشدة الحياة الديمقراطية في الوطن العربي «الدول العربية».. وتحبذ أن تستمر فيها أنظمة القمع والقهر لصالحها باعتبار أن الشعوب لا تريد معها التطبيع ولا يسعها أن تعترف بها وهي على أرض عربية إسلامية محتلة من جانبها.. تريد إسرائيل حكومات عميلة حقيرة ليس لها أدنى ورع أو وازع ديني أو إيمان.. تريد حكومات عربية دكتاتورية تقهر الشعوب العربية وفي نفس الوقت ترحم بالتطبيع دولة الاحتلال اليهودي على أرض الوطن العربي.. وذلك لأن النظام الديمقراطي يعني التزام الحكّام بالرأي العام، ومعلوم هذا الرأي العام في الدول العربية تجاه إسرائيل واحتلالها للأرض وبطشها بشعب الأرض هذا البطش الذي وصل إلى درجة الرصاص المسكوب على أطفال ونساء قطاع غزة وفي نفس الوقت يرفرف العلم الإسرائيلي فوق السفارات الإسرائيلية في بعض الدول العربية، هكذا تريد إسرائيل أن تكون صورة العرب تحت الحكم الدكتاتوري الباطش مثل نظام حسني مبارك الذي كان مطلياً بطلاء ديمقراطي كذوب.. كان نظام مبارك يهمّه الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد ذات الملحقات السرية أكثر من دماء وجثث أطفال ونساط وشيوخ فلسطين.. كان نظام مبارك تهمه عودة سيناء والاستمرار في احتلال حلايب السودانية أكثر من عودة الأمن والاستقرار لقرى ومدن فلسطين.. لذلك كان هو النظام الدكتاتوري المناسب لإسرائيل ومصالحها التي تأتي دائماً على حساب شعب فلسطين.. إن الديمقراطية في الدول العربية هي الويل الذي يزحف نحو إسرائيل. ولا شيء يوقف زحفه إلا تغييب الحياة الديمقراطية فيها، والغريب أن يطلب وزير الدفاع الإسرائيلي من الرئيس المصري المنتخب أن يلتزم بالمعاهدات مع إسرائيل، وكأن هذه المعاهدات كانت قد مُرِّرت على الشعب من خلال البرلمان ووافق عليها بالأغلبية ولم يفرضها عليه نظام دكتاتوري قبيح تخلّص منه أبناء الشعب بعملية «المنصّة» النضالية. الآن ينبغي أن تُعرض كل هذه المعاهدات على البرلمان المصري ولو من أجل إرسال رسالة إلى العالم مفادها أن ما كان قد وقع بين القاهرة ودولة الكيان الصهيوني لم يكن برضاء الشعب أو أغلبه إذا كانت هناك «أقلية لا يعنيها ما يعني الشعب المصري المسلم، وإنما فرضه النظام الدكتاتوري البائد عليه ومن كانوا قد اعترضوا كممثلين للأغلبية كان مثواهم السجون بعد الطرد من مجلس الشعب الذي كانت وظيفته وقتها أن يؤيد فقط، وكان مرفوضاً فيه حتى ممارسة حق التحفظ، أي كأنه إدارة تابعة للجهاز التنفيذي وليس برلمانًا يعرب فيه الشعب عن مواقفه من خلال النواب الممثلين له. باختصار إسرائيل لا تريد إقامة ديمقراطية في مصر إذا كان النظام الدكتاتوري فيها يرعى مصالحها المضرّة بمصالح الشعب الفلسطيني.. أما من بين مصر والسودان في الإطار الديمقراطي، فإنه في الديمقراطية الثالثة في السودان قال وزير الإعلام الراحل محمد توفيق لنظيره المصري وقتها «عام 1986م» أثناء مرافقته للصادق المهدي رئيس الوزراء إلى مصر قال: «لأوّل مرة يلتقي السودان ومصر تحت حكم ديمقراطي واحد».. انتهى، أي أن الراحل محمد توفيق اعتبر نظام حسني مبارك ديمقراطي مثل نظام الصادق المهدي، مع أن نظام نميري كان أفضل من نظام حسني مبارك من ناحية احترام الشعب، لكن هل الآن سيقول مسؤول مصري لأول مرة تلتقي مصر والسودان تحت حكم ديمقراطي واحد؟! إن المطلوب من الصادق المهدي أن يعلّق، وإذا أنكر حياة ديمقراطية حالية في السودان فعليه أن يتذكر أنه لم يلتق السودان ومصر تحت حكم ديمقراطي عام 1986م.