أجراه أحمد طه صديق تصوير: متوكل البجاوي شهدت السنوات القليلة الماضية العديد من حوادث الطيران، مما يلقي سيلاً من التساؤلات حول تدابير السلامة المتبعة، سيما أن تلك الإسقاطات السلبية وغيرها قادت إلى حظر الطيران السوداني إلى أوربا ، «الإنتباهة» التقت بالمهندس محمد صالح محمد الأمين الكناني منسق الطيران السوداني السابق مع المنظمة العالمية للطيران المدني في كند ا بهيئة الطيران المدني، فيما يتعلق بشؤون السلامة الجوية سيما أن المهندس الكناني خبير في الطيران خارج الهيئة يستطيع أن يقدم لنا رؤية علمية وواقعية عن موقف السلامة الجوية الآن في السودان، وعن مطلوباتها المفقودة وعن الجهود التي بذلت سابقاً، وكيف سارت وفي أي المحطات فرملت. وقد عمد المهندس كناني في هذا الحوار أن يتحدث بصراحة وحرقة عن ما يراه الآن من سلبيات يعتقد أنها من الممكن أن تقود الطيران السوداني إلى نفق مظلم يفقد البلاد سمعتها في هذا المجال، ويحرمها من مبالغ طائلة كان من الممكن تحقيقها للبلاد. وتحدث عن خبير أجنبي من دولة عربية يتقاضى آلاف الدولارات شهرياً، في حين أن خبراته حسب ما يعلم، بعيدة عن هذا المجال في وقت تعج البلاد بالكوادر المؤهلة، وفند الكناني حديث مدير الطيران المدني بأن نسبة السلامة الجوية في السودان قد ارتفعت في أعقاب زيارة وفد المنظمة العالمية للطيران ( الإيكاو) فهو ينفي إبتداء هذه الزيارة، ويبرز لنا المستندات المتعلقة بهذا الأمر وننشر صورة منها في هذا الحوار. لكن المفاجأة الأخرى كانت تأكيده أن مطار الخرطوم لم يتم ترخيصه دولياً حتى الآن، وأن خطوات كان قد بدأها عندما كان في الخدمة لكنها وئدت بعدم تنفيذ البرنامج الذي وضعه خبير أجنبي. فإلي وقائع الحوار: كيف ترى موقف السلامة الجوية في السودان الآن ؟ للاجابة عن هذا السؤال ينبغي العودة الى الوراء قليلاً، فقد اعتادت المنظمة العالمية للطيران المدني( الإيكاو) على عقد سنمارات سنوية منذ انشائها في العام 1944 عن السلامة الجوية، وذلك من أجل تقليل الحوادث والمحافظة على سلامة الركاب وذلك حتى عام 2000 ثم بدأت تقوم بزيارات ميدانية للدول عبر ما يمكن تسميته مجازاً بالإمتحان الموحد شاملاً لكل عناصر السلامة الجوية الثمانية، وكانت تتفق مع الدول التي تسلمها برنامج التدقيق الشامل (usoap)على أن يعمل فريق المنظمة بعد عامين من تسليم الدولة البرنامج، وقد تم تسليم البرنامج للطيران المدني السوداني في نوفبر عام 2004 على أن يعمل الفريق في نوفير 2006 و في أول زيارة لوفد المنظمة يتم إرسال الأجوبة التي تطلبها المنظمة عن طريق البريد الإلكتروني، وتقوم بإعطاء نسبة مئوية عن كل سؤال، وبالفعل قام الوفد بزيارة السودان في 18 -11 -2011 وقبل هذه الزيارة طلب مني الأخ أبو بكر جعفر المدير العام الأسبق لهيئة الطيران أن أتولى مسؤولية برنامج التدقيق الشامل وقبلت التحدي ،رغم أن الفترة كانت ضيقة جدا حوالي خمسة أشهر وكان المطلوب سودنة كل الملاحق الخاصة بمنظمة الطيران الدولية وفورا لجأت الى أصدقائنا في الطيران المدني الكويتي وطلبت منهم إعطاءنا اللوائح التي قاموا بها حتى نقوم بسودنتها إذ أن عملها يكلفك كثيرا. فالكويت كلفتها مبلغ خمسة ملايين دولار وبعد ثلاثة أشهر تمت عملية السودنة واسميتها ( سوكار). وقد أشاد رئيس وفد منظمة الطيران العالمية بهذا العمل، وبعد ثلاثة أشهر أرسلت المنظمة تقريرها حيث قفزت نسبة السودان في السلامة الجوية من(5% ) الى(50% ) وبعد الزيارة الثانية لمنظمة الطيران العالمية ( الإيكاو) أوضحت في تقريرها أنه تم التدقيق على( 62) دولة في خمسة من عناصر السلامة الثمانية، وأن نسبة متوسط السودان في هذه العناصرأسوأ من متوسط الدول ال(62)، أما العناصر التي كان السودان جيداً فيها فقد شملت قانون الطيران ولائحة السوكار وطرق التطبيق التابعة للسوكار أي اللائحة التي قمنا بسودنتها، أما العناصر السلبية فقد شملت هي عدم فصل السلطة من الخدمات، وترخيص مطار الخرطوم، بالإضافة الى ثلاث ولايات أخرى بحسب متطلبات المنظمة الدولية للطيران. وهل مطار الخرطوم غير مرخص حتى الآن وما هي مطلوبات الترخيص التي حالت دون ذلك؟ لم يرخص حتى الآن وبذلنا مساعي جادة في هذا الأمر في نهاية يونيو 2008 حيث قمت ومعي المهندس أمين آدم بزيارة للطيران الأردني وقابلنا المسؤولين هناك وأرسلوا لنا أحد المختصين عن ترخيص المطارات وقام في وقت وجيز بتجهيز كل اللوائح المتعلقة بترخيص المطار وتم تسليمها للسيد المدير العام وكان من المفترض أن يتم العمل الميداني للتنفيذ لكن لم يتم ذلك حتى الآن. وهل الأمر صعب إلى الحد الذي أدى إلى تأجيله حتى الآن؟ هو يتطلب فقط أن يكون طول المدرج إلى 3 5 كيلو متر من 95 2 الحالية بجانب عمل 500 كيلو متر على جانبي المدرج بنفس المواصفات حتى تحمي الطائرة في حالة انحرافها من المدرج إضافة إلى عمل مداخل بمواصفات معينة وكذلك موقف الطائرات وتحديث الأجهزة الملاحية بل حتى الرادار الموجود الآن بمطار الخرطوم طلبت المنظمة من كل الدول الأعضاء استبدال هذه النوعية بأخري حديثة إضافة إلى توفير الكوادر المؤهلة؟ وهل تملك الهيئة الآن الكوادر المؤهلة؟ الهيئة فقدت العديد من كوادرها المؤهلة بعد تقديم نظام الإغراءات المالية لتسوية حقوق العاملين في حالة تركهم للخدمة. إذن كيف وصل حال مستوى السلامة الجوية لدينا وماهي مآلات ذلك على صعيد التعامل الدولي؟ المستوى الآن مازال حرجًا ويحتاج إلى جهد كبير، ويكفي أن نعلم أن الدول الأوربية ال «27» منعت الطيران السوداني من التحليق في سمائها وهذا الحظر كان من المفترض أن يكون في العام «2009» لكني اتصلت بمسؤولة السلامة بالمنظمة وتدعى أولكا وطلبت منها أعطاءنا فرصة ووافقت لكنها أوضحت لي أنهم بصدد اتخاذ إجراءات صعبة في حالة عدم التقيد بمطلوبات السلامة. مدير الطيران المدني عقد مؤتمرًا صحفيًا قبل فترة قريبة وأكد أن وفدًا من منظمة الطيران العالمية زار السودان وتم رفع مستوى تقييم مستوى السلامة.. كيف تقيم هذا الحديث؟ اتصلت شخصيًا بمسؤولين من منظمة الطيران العالمية وأرسلوا إليّ أميلات أكدوا أن آخر زيارة للمنظمة كانت في نوفير «2011» كما أرسلت لي جدول زيارتهم لدول العالم وفيه آخر زيارة للسودان في التاريخ المشار إليه كما ترى الآن من هذه الوثائق، ولهذا فإن رفع مستوى السلامة الجوية في السودان بواسطة الإيكاو ليس صحيحاً. إذن ما هو المخرج؟ المخرج تطبيق مطلوبات السلامة التي ذكرناها سابقًا إضافة إلى توفير الكوادر المؤهلة ومعالجة كل السلبيات وعدم التعامل مع خبراء لا علاقة لهم بالطيران ومنهم خبير عربي يتقاضى الآن من هيئة الطيران المدني آلاف الدولارات شهريًا. أخيراً ما هي برأيك أسباب سقوط الطائرات في السودان؟ الأسباب عديدة لكن أيًا كانت نوعية الطائرة فلن تكون هناك مشكلة إذا وجدت المتابعة الجادة لبرامج الصيانة الموجودة في كتيب الطائرة لكل شركات الطيران العاملة وتحديث الأجهزة الملاحية في المطارات حتى تواكب الأجهزة الموجودة في الطائرات، كذلك على كل طيار أن يضع برنامجاً للرحلة قبل الإقلاع حتى يعرف موقف صلاحية المطار الذي سيذهب إليه، وعلى الطيران المدني أن يهتم بهذا الجانب إضافة إلى ضرورة مراقبة برامج تدريب الطيارين التي تتطلب تدريبًا كل ستة أشهر لكل طيار والتأكد من كفاءة وإمكانات الشركات العاملة.