التأمت بالعاصمة المغربية الرباط، خلال الفترة من 15 17 أكتوبر، ندوة الإقليمية بعنوان «الإعلام العربي في زمن التحولات.. هل انتصر للمهنية أم أجج الفتن؟» ونظم الندوة مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان، وهو مؤسسة مغربية ناشطة في هذه المجالات، بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» ومقرها الرباط. وشاركت في هذه الندوة نخبة من القيادات الإعلامية والسياسية والفكرية العربية، خاصة من دول الربيع العربي تونس ومصر وليبيا واليمن ودول مغاربية مثل الجزائر والمغرب وموريتانيا، بالإضافة لممثلين عن مؤسسات إعلامية من الخليج العربي وقنوات فضائية وفي مقدمته قناتا «الجزيرة» و «العربية» اللتان أتخذتا في الندوة أنموذجاً للقياس عليه باقتران مع عنوانها.. وشارك من السودان في هذه الندوة بدعوة من مركز الشروق للإعلام كل من رئيس تحرير صحيفة «الإنتباهة»، والأخ محمد أحمد إبراهيم دنقل المدير العام للمركز السوداني للخدمات الصحفية (SMC)، وجاء من بلجيكا الأخ والصديق العزيز الصادق البديري الذي يراسل عدة قنوات ووكالات من بينهما قناة «النيل الأزرق»، وكان هناك مراسل لقناة «الشروق». فعاليات الندوة: انطلقت فعاليات الندوة مساء يوم 15/10/2012م بمقر الإيسيسكو بالرباط في القاعة الرئيسة للمؤمرات في مقر المنظمة، وكان هناك لفيف من المفكرين والأكاديميين والإعلاميين والصحافيين المغاربة وموظفي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، يستقبلون ضيوف الندوة بترحاب مغربي عربي أصيل. وحضر الندوة وخاطبها مفتتحاً إياها، السيد مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، وهو وزير شاب في الثلاثينيات من عمره، انتقل للوزارة من عالم الصحافة، وكان مديراً لتحرير صحيفة مغربية.. وفي كلمته تحدث عن القضية الإعلامية في العالم العربي والربيع الديمقراطي الذي شهدته البلدان العربية ودلالاته في تحرير الشعوب وزيادة الوعي والتحول نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، واستعرض الأداء الإعلامي العربي خلال الثورات العربية، وتوقف عند الوضع في بلاده المغرب، ونادى بضرورة النظر بعمق في العمل السياسي السلمي المغربي وما نتج عنه، وقال إن هناك تشريعات تؤسس لحرية الإعلام والصحافة في المغرب ستصدر لتنظيم الأداء الإعلامي دون المساس بالحريات. الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، قدم كلمة رصينة في فاتحة أعمال الندوة أشار فيها إلى «اللجنة العلمية للحوار والتشاور حول قوانين الصحافة» في المغرب التي تزامن إنشاؤها مع قيام الندوة، مشيراً لوجود إرادة سياسية تعم الوطن العربي والعالم الإسلامي للنهوض بقطاع الإعلام والصحافة، وتناول التطور في تقانات المعلومات الذي يشهده العالم وتكنولوجيا الإعلام التي باتت توسع دوائر الحوار والتفاعل بين الشعوب والانخراط في عالم المعرفة، وقال إن جملة من التحديات القانونية والتنظيمية والاقتصادية والمهنية والعلمية والثقافية تواجه الإعلام العربي وتحول دون مساهمته في التنمية المستدامة، ودعا لبناء مجتمع المعلومات والمعرفة.. ثم استعرض جوانب من خطة الإيسيسكو للاعوام 2010 2012م في هذا الصدد. الأستاذ والوزير السابق والإعلامي المغربي المعروف محمد أوجار المدير العام لمركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان المنظم للندوة، تناول في كلمته الافتتاحية دواعي الندوة وأهميتها، ورحب بالوفود التي جاءت من الدول العربية، وقدم شكراً خاصاً لوفد السودان، وأعلن أن انطلاق الندوة يأتي في وقت بدأ فيه العالم العربي ينظر في مسار ثورات الربيع العربي ونتائجها وأثر الإعلام في مساراتها. وتليت في الجلسة الافتتاحية كلمة عبد الرحمن الراشد المدير العام لقناة «العربية» الذي تعذر حضوره وألقاها ممثل عنه.. ثم قدم الدكتور مصطفى سواق الإعلامي والأكاديمي الجزائري الذي تولى قبل أشهر منصب المدير العام لقناة «الجزيرة» كلمة ضافية وعلمية وعميقة للإجابة عن تساؤل الندوة الرئيس حول الإعلام العربي هل انتصر للمهنية أم أجج الفتن؟.. وكانت كلمته محاضرة علمية بديعة، خاصة أن الرجل أكاديمي عمل في عدد من الجامعات البريطانية، إضافة لخبرته الطويلة في هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C). وقدم السيد حسن الراشدي من مركز الدوحة لحرية الإعلام كلمة في الجلسة الافتتاحة تناولت جوانب مفاهمية وعملية حول الحرية الإعلامية في العالم العربي، وما يواجه الإعلام والصحافيون من صعوبات وتحديات. وتم في نهاية الجلسة الافتتاحية تكريم عدد من الرموز السياسية والإعلامية العربية من مصر وتونس. وخلال اليومين الثاني والثالث للندوة عقدت جلسات صباحية امتدت حتى الظهر، وجلسات مسائية بدأت بعد المغرب لمدة ساعتين ونصف، تناولت الموضوعات التالية: كيف تفاعل الإعلاميون العرب مع ثورات وحراك الشارع العربي؟ مستقبل وآفاق التعاطي مع نتائج الثورات والحراك الشعبي في المنطقة العربية. واعتبر المحوران أساس النقاشات في الندوة، وتوزعت إدارة الندوات والمداخلات فيها بين حضور الندوة، فمن مصر كان هناك عدد من السياسيين المصريين من حركة كفاية «جورج إسحاق وجمال فهمي» والوزير السابق محمد فائق ونبيل سليمان، ومن ليبيا السفير السابق شرف الدين الفيتوري، ومن تونس الخبير الإعلامي الكبير كمال العبيدي وعبد الباسط بن حسن وآسيا عتروس الصحافية في دار الصباح التونسية، ومن الجزائر السيد محيي الدين اعميميور وهو مستشار سباق لرئيس الجمهورية الجزائري، ورزقي شريف رئيس تحرير صحيفة «الخبر»الجزائرية، وجاء حسن مصطفى من قناة «العربية» بالإضافة للإعلاميين من مؤسسات وقنوات عربية، الإعلاميوون المغاربة، وعدد من الأكاديميين في مجالات الفلسفة والإعلام وعلم الاجتماع السياسي في مقدمتهم أحمد أخشيشين الوزير السابق والإعلامي المعروف، وعبد الله ساعف وعلي كريمي ود. توفيق بن عشرين ونور الدين مفتاح ومحمد برادة وعبد الوهاب الرمي ومليكة مالكا وعبد الله البقالي نقيب الصحافيين المغاربة السابق وغيرهم. تباينات واختلافات: وسرعان ما تباينت الآراء خلال الجلسات التي استمرت حتى الخميس ، وبدا التيار العلماني العربي أو ما يسمى «الحداثي» في نقاشاته بالندوة غير راض عما تخمض عن الثورات التي رفعت الحركات الإسلامية في مصر وليبيا وتونس والمغرب ودول عربية أخرى إلى سدة الحكم، وظهر تخوف حقيقي من تجربة حكم الإسلاميين ومواقفهم من الحريات الإعلامية والصحفية وحرية التعبير، وهو فزع متوهم ومبالغ فيه، بينما اصطف تيار آخر خلال أيام الندوة لمقارعة حجج التيار الآخر خاصة من جانبنا نحن وفد السودان. ومثلت محاور النقاش والحوار في الندوة التي اعتمدت طريقة النقاشات المفتوحة دون أوراق معدة، والكلمتان الافتتاحيتان للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» والأخرى للأستاذ الإعلامي والوزير السابق محمد أوجار رئيس مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان، مثلت المحاور والكلمتان، منطلقات جيدة للحوار الجاد والصريح بين المشاركين خلال الجلسات اليومية التي تنفق فيها سحابة النهار وآناء الليل. وأتيحت فرصة للإعلاميين والصحافيين العرب المشاركين خلال هذه الندوة، لمناقشة تبايناتهم السياسية والفكرية والمهنية بشكل لم يكن مسبوقاً من قبل، فمستويات الحوار في عالمنا العربي كانت تتم وفق صيرورة الظرف السياسي المحيط بكل الأطراف والوسائل الإعلامية والمتاح من الحريات حتى في زمن الربيع العربي. وكان المشهد الإعلامي العربي مثخناً بجراح التعارضات والتمحورات السياسية، وهو جزء مما حدث في المشهد السياسي العربي المنقسم بين تيارات علمانية تتحسر على عقود طويلة عاثت فيها باسم السلطة منذ خروج المستعمرين حتى سقوطها تحت زخات الربيع العربي، وبين التيار الإسلامي الصاعد وهو يريد بناء نفق ومستقبل جديد. التوصيات: تم إعداد توصيات الندوة بعد جلساتها الطويلة، وتم نقاشها، وتتلخص في ضرورة التزام الإعلام العربي بالحد الأقصى من المهنية المسؤولة واستقلالية الإعلام، والحكومات بتوسيع الحريات والديمقراطية وحرية الوصول للمعلومات وتمكين الإعلاميين من تحسين شروط عملهم، وإعادة هيكلة المنابر الإعلامية العربية لتواكب زمن التحولات والتغيير، وبناء القدرات واعتماد مواثيق شرف وخلق إعلام متعدد ومتنوع يجسد مكونات المجتمعات العربية، وضرورة توطين الديمقراطية وتربية الإعلام على المواطنة وحقوق الإنسان، كما أوصت الندوة باستحداث مرصد عربي لانتهاكات وخروقات حرية الإعلام في العالم العربي، وإعداد ميثاق شرف يحدد الممارسة الإعلامية في الوطن العربي، والاهتمام بالتربية الإعلامية. على هامش الندوة: دارت على هامش الندوة في الجلسات غير الرسمية وفي الدعوات التي قدمت للمشاركين في الندوة، نقاشات بيننا بوصفنا وفداً سودانياً مع المدير العام لقناة «الجزيرة» وممثل قناة «العربية» والصحافة المغاربية خاصة المغربية والتونسيةوالجزائرية، عن الشأن السوداني والتغطية الإعلامية لما يدور في السودان، وكانت الأوضاع في بلادنا محط اهتمام كبير من الإعلاميين العرب الذين كانوا يطمعون في المزيد من المعلومات، وبعضهم له ذكريات في السودان من خلال عمله مراسلاً صحفياً أو موفداً من مؤسسة إعلامية دولية وعربية.