ينعقد بالخرطوم اليوم المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية السودانية والمؤتمر يأتى فى ظرف تاريخي مختلف إذ يشهد المؤتمر عدد من قادة جماعات العمل الاسلامى الذين يصلون الخرطوم حكاماً لدولهم بعد أن كانوا مطاردى الأمس وزيارة الخرطوم كانت تعنى عندهم المساءلة والتوقيف فى المطار لساعات طويلة بعد العودة.. والإسلاميون الذين يحكمون اليوم هم بين خطاب الهوية الذى دفع بهم الى السلطة من قبل جماهير لم تنتخبهم إلا لرغبتها فى الدفاع عن هويتها وإعادة دينها وتحقيق شعار «الإسلام هو الحل» وبين خطر هاوية الاستجابة لمطلوبات المجتمع الدولى حتى يسمح لسمكة حكمهم أن تعيش فى بحره المتلاطمة أمواجه و حركات العمل الإسلامى التى وصلت إلى الحكم أمام تحديات وعراقيل يسعى الغرب لوضعها أمام قطار الثورات العربية التى يخشى أن تتحول الى ثورات ربيع إسلامى يعيد الأمة إلى الشرع المنزل ودعونا نضع أخطر سيناريو يمكن أن يسلكه الغرب وهو يتعامل مع وصول الإسلاميين للحكم وأجده يتمثل فى ثلاثة محاور: أولا : إجراء بروسترويكا إسلامية!!: الشيوعية تم إسقاطها بإجراء تعديلات جوهرية داخلية عبر عميل السي آي إيه ميخائيل جورباتشوف داخل المنظومة الشيوعية. اليهود استطاعوا تغيير النصرانية عبر عميلهم مارتن لوثر بإجراء تعديلات داخل الديانة النصرانية أمريكا تبحث عن مارتن لوثر إسلامي تبحث عن جورباتشوف إسلامي لإجراء تعديلات داخل الفكرة الإسلامية إذا الأبعاد الإستراتيجية لهذه الخطة هي إجراء بروسترويكا إسلامية داخلياً لتحقيق هذا البُعد الإستراتيجي والوصول إلى هذه البروسترويكا لم تجعله أمريكا أمنية وإنما وضعت للدين الأمريكى الجديد عشرة معايير لهذا التغيير يأتي على أساسها تصنيف ما إذا كانت هذه الحركة معتدلة أم لا ؟! . وهذه المعايير التى وضعتها مؤسسة راند الامريكية لمعرفة ما إذا أصبح هذا المفكر وتلك الجماعة وذلكم المركز معتدلاً أم لا أعرضها عرضًا سريعًا: المؤشر الأول: هل تؤمن بالديمقراطية من غير استثناءات؟ الديمقراطية تعني حقوق الإنسان بمفهومها الغربى وحرية المرأة بمفهومها الغربى يعني تؤمن بكل الديمقراطية كما هى من غير استثناءات فلا تقول ديمقراطية إسلامية أو ديمقراطية بشروط أو ديمقراطية تتوافق مع ثقافتنا الخاصة هذا كله لا يعتبر اعتدالاً فالغرب يريد تطابقًا لا تقارباً!! المؤشر الثاني: هل تؤمن بتطبيق الشريعة هل أنت تؤمن بتطبيق الشريعة أي تقول يجب على المسلمين تطبيق الشريعة؟ أم لا تؤمن بتطبيق الشريعة أم تقصد بالشريعة غاياتها ومقاصدها دون أحكامها وشرائعها؟!!. المؤشر الثالث: هل تؤمن بحقوق المرأة بمفهومها الواسع بما فيه إلغاء قوامة الرجل عليها؟ ومساواتها مع الرجل فى كل شيء كل شيء؟!!. المؤشر الرابع: هل تدعم العنف أو سبق لك أن دعمته يوماً ما؟ انظر العنف هذا بالذات سألت عنه مؤسسة راند بأثر رجعي يعنى إذا كنت فى يوم ما تدعم العنف حتى لو بدلت رؤيتك في العنف وإن قلت أنا الآن ضد العنف هؤلاء الفقهاء فقهاء المراجعات الذين كتبوا مراجعاتهم في السجون لا يظنون أن أمريكا بذلك سترضى طالما أن إحدى صفحاتهم في يوم من الأيام كانت مكتوبة فيها كلمة عنف!! المؤشر الخامس: هل تؤمن بحقوق الإنسان بما فيها حقوق المثليين؟ حقوق أن يتزوج الرجل رجلاً؟ وأن تتزوج المرأة إمرأة؟ رغم أن هذه القضية ليس محل اتفاق فى الغرب نفسه إلا أن مؤسسة راند فى البرسترويكا الإسلامية تجعلها مؤشراً للاعتدال. المؤشر السادس: هل تؤمن بحرية التعبير وانه لا ثوابت ولا مقدسات إلا حقوق الإنسان نفسه؟ لا تقول نحن مع حرية التعبير لكن مع الحفاظ على المقدسات والثوابت لا لن تقبل مؤسسة راند هذا!! ؛ الثابت فقط هو عدم الإضرار بالآخرين فالإنسان هو المركز والمقدسات ثانوى !! المؤشر السابع: هل تؤمن بحق الإنسان في تغيير دينه؟ لكي تعرف أمريكا هل أنت مسلم معتدل أم لا؟ هل تؤمن بحد الردة؟ أم أنت مع من يرفع شعار من بدل دينه فاحترموه!! المؤشر الثامن: هل تؤمن بحق الأقليات غير المسلمة في تولي المناصب العليا بما فيها مناصب رئاسة الدولة؟ المؤشر التاسع: هل تؤمن بأن الدين ملهم للأخلاق على أساس شخصي وليس منظماً للحياة والقوانين؟ المؤشر العاشر: هل تؤمن بمبادئ دولة إسلامية أممية أم تؤمن بأن الدين شأن شخصى والدولة شأن وطنى قطرى؟!!. إذن البروسترويكا الإسلامية حددوا لها عشرة معايير تدبرها قارئي الكريم لتعلم ملامح وجه غرباتشوف ومارتن لوثر الجديد والحر تكفيه الإشارة ولا داعي للإثارة!! ثانيًا: ضرب جاذبية الخطاب الإسلامي بتعريضه للاختبار العملي في الحكم وتوحيله في وحل السلطة: الترحيب الأمريكى بوصول الإسلاميين إلى السلطة فى بعض البلدان أمريكا تريد منه بعداً استراتيجياً وهو الاختبار العملي للخطاب الإسلامي في الحكم في ظل ظروف دولية وإقليمية خانقة في ظل مكونات داخلية متناقضة هل سيغرق الاسلاميون في وحل السلطة وينسوا بريق خطابهم الإسلامي التعبوي؟!، هل سينحدر الخطاب من الدفاع عن الهوية إلي حفرة الهاوية؟!!. ثالثًا: تحويل الصراع إلى إسلامي - إسلامي هذه التنازلات التى يمكن أن يقدمها ما يعرف بالإسلام «المعتدل» ستجعله فى مواجهة فريق إسلامي آخر لا يرى فرقاً بين العلمانية وبين ما يتم باسم الإسلام من بروسترويكا فكرية خطيرة وعندئذٍ يتحول الصراع من صراع إسلامي علماني إلى صراع إسلامي إسلامي ويصبح المواطن البسيط الذى أيد الإسلاميين فى حيرة من أمره ويتربص العلمانيون خارج حلبة الصراع هذه ينتظرون أن يقضى الخصمان الجدد على بعضهما البعض. هذا بعض ما أردت تسجيله من قراءة للمشهد آمل أن يعى المؤتمرون وضيوفهم ما بين سطوره ليقدم السودان نموذجاً في انتقال الأمة من الشرع المؤول الى الشرع المنزل لا سيما والحركة الإسلامية فى السودان الأعرق فى الحكم وقد خبرت التعامل مع الغرب وأهدافه الأيدلوجية فى التطويع لكنها حتى الآن ما زالت تتعاطى مع هذا الاستهداف تعاطيًا لا يزيدها إلا رهقًا وبعداً عن شعارها المرفوع فهل يمكن أن تجعل مؤتمرها الثامن مغتسلاً للتوبة ومحطة للإحياء والاستمساك بالأمر الأول؟!