ما زال الباب مواربًا أمام حالات استغلال النفوذ من قبل المسؤولين في الدولة، فما إن تم الإفصاح عن جهة حكومية تستغل نفوذها تُححب المعلومات وتحاط بسياج من السرية والتكتم وتظل التوجيهات التي تطلقها وزارة العدل في سبيل تفعيل آليات محاربة الفساد والمفسدين والمتلاعبين بالمال العام بطيئة، فبالرغم من توجيه وزير العدل محمد بشارة دوسة للنيابات ذات الصلة بمتابعة وملاحقة القضايا المفتوحة، إلا أن ذلك لم يُحدث أثراً واضحاً للعيان ولم يتم الكشف والإعلان عن نتائج تلك المحاكمات وسير إجراءاتها، ولم تزل الرؤية معتمة في هذه القضايا الحساسة، وفي الوقت الذي تُبذل فيه الجهود لمحاربة الفساد عبر تكوين مفوضية يأتي في المقابل تقرير المراجع العام كل عام أكثر خيبة مما سبقه بعدد من حالات الفساد المتنوعة، بحسب برلمانيين.. ففي تقريره الأخير الذي أُودع منضدة البرلمان الأسبوع المنصرم كشف عن مسؤولين بالدولة بلغ عددهم «40» استغلوا نفوذهم في معاملات مالية لبنوك ووزارات وهيئات حكومية وأفراد وشركات خاصة تتبع لها، وبالرغم من انتقاد المراجع العام في تقريره التفصيلي الذي سلمه للمجلس الوطني لتلك المعاملات قبل أن يصفها بالمنحرفة، إلا أنه لم يفصح عن أسماء تلك الجهات الحكومية التي غلَّبت المصلحة الشخصية على المصلحة العامة أو طبيعة العلاقات الخاصة وتفاصيل المعاملة المالية. إذ تطرق التقرير لتعدُّد عمليات التمويل رغم التعثر في عمليات سابقة، والكشف عن مجموعة من المخالفات من بينها عملية إرساء عطاءات لشركات ذات علاقة مباشرة بأسعار تفوق الأسعار السائدة، ومخالفات رُصدت بتحويل اختصاصات وحدات حكومية إلى شركات خاصة مملوكة لمسؤولين بالوحدات الحكومية، بجانب تلقي شركة حكومية لعمولة «رشوة» بلغت «172» ألف جنيه من شركة أجنبية لتوريد مواد للبلاد.. «الإنتباهة» وفي سبيل معرفة حالات استغلال النفوذ المال العام طرقت باب نيابة المال العام لمعرفة الجهات الحكومية والمسؤولون المتورطون بها في الاعتداء على المال العام غير أن رئيس نيابة المال العام مولانا هشام عثمان قال إنه لم يتسلم أي تقرير عن حالات استغلال النفوذ للمال العام من قبل المراجع العام، مشيرًا إلى أن حالات الاعتداء على المال العام التي حدثت في أجهزة الدولة لعام «2012» نحو «42» حالة أوردها المراجع العام للبرلمان اتخذت فيها النيابة إجراءات بنسبة «100%» منوهًا بإحالة معظمها للمحاكم، وصدرت في حقها أحكام نهائية بالإدانة وبعضها لا يزال قيد النظر أمام المحاكم، موضحًا لم يتبقَّ أمام نيابة المال العام بالخرطوم والولايات من بين ال«42» حالة إلا خمس فقط، وهناك ست حالات جارٍ البحث فيها أمام المتهمين بواسطة الشرطة، ويؤكد هشام أن الحالات التي استغلت النفوذ لم تتسلم النيابة أي حالة منها حتى الآن، وكشف هشام عن مخاطبة المراجع العام عبر مكتوب رسمي لمدهم بالمعلومات الكاملة والاطلاع عليها حتى تتمكن نيابة المال العام من اتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهة من تثبت إدانتهم، غير أن مراقبين يرون أن استغلال النفوذ فعل شيء غير مطابق للوائح والقوانين وتسخير كل ما يندرج من إمكانات لتحقيق هذا الغرض وتطويع القوانين في مختلف المعاملات المالية، وأن هذا النوع من الفساد مستحدَث ولم يكن مطروقاً ومألوفاً في السابق وإن كان الناس يدركون مسألة تجنيب الأموال والتعدي على المال العام والاختلاس وغيرها من أوجه الفساد، وعلى المراجع العام أن يتوقف عن إصدار هذه التقارير المحبطة فى ظل عجزه عن استرداد هذه الأموال وعدم قدرة الحكومة على محاسبة المعتدين وازدياد المعدلات في كل سنة أكثر من التي قبلها.