مشهد أضحى متكررًا على أبواب المساجد وفي تقاطعات الشوارع وأماكن العمل والمواصلات العامة، والمشهد هو أن يأتي شخص يحمل في يده ورقة مهترئة أكل الدهر عليها وشرب ويقوم بعرضها على الناس بعد خطبة عصماء بحجة أن هنالك مسجدًا تحت التشييد ويحتاج للدعم أو بغرض ستر جنازة تمّ احتجازها بالمستشفى أو روشتة عاجلة بها أدوية منقذة للحياة.. إلخ من الحيل والابتكارات، أو أن يأتي إليك شخص في كامل هندامه ويطلب منك مبلغًا ماليًا وهو يقول على استحياء «نسيت جزلاني في البيت» وبالطبع هذا الشخص يتكرر عليك مرارًا وتكرارًا وبنفس الحجة فهل ياترى هو يوميًا ينسى حافظة نقوده بالمنزل؟ أم أن الأمر برمته عبارة عن احتيال ونصب عن طريق التسول؟. «الإنتباهة» عرضت بعض الحالات عن النصب والاحتيال كما استعنّا بالطب النفسي ليتحدث لنا عن خطورة هذا الأمر. كتبت: سحر بشير سالم أذكر أن تلك القصة حدثت بمدينة القضارف حيث اعتاد متسول أن يطوف على المساجد ويحتال باسم جثمان تمّ احتجازه بالمستشفى لعدم سداد الرسوم وأن أسرة المتوفى أسرة فقيرة ولا تقوى على منصرفات العزاء، فيطلب من المصلين الدعاء للمتوفى بالرحمة ثم يطلب منهم المساعدة المالية وبطبيعة السودانيين لا يتوانون في مثل هذه المواقف، وشاءت الأقدار أن يصلى أحد المصلين الذين كانوا شهودًا على ذلك المتسول، شاءت أن يصلي في مسجد آخر غير مسجد الحي فتصادف وجود نفس المتسول وكان هذا المصلي تاجر صاحب محل للبيع بالجملة فاستقل سيارته البوكس برفقة الشخص المحتال وقال له: فلنذهب سويًا للمستشفى لتسديد الرسوم ومن ثمّ إيصال الجثمان، وأعلن عن تبرعه بكل منصرفات العزاء، فما كان من الشخص المحتال إلا أن طلب من التاجر أن يدخل للعنبر مكان وجود الجثمان واستغل المتسول فرصة انشغال التاجر بالتلفت يمنة ويسرة في العنبر ولاذ بالفرار. شخص آخر في كامل هندامه تعوّد أن يأتي للمركبات العامة ويطلب «حق المواصلات» ويقول بحياء مصطنع أنه نسي حافظة نقوده بالمنزل ويريد الذهاب لجهة معينة فيتعاطف معه الركاب «ويديهو الفيها النصيب» ولكن مع كثرة تكرار المشهد تصدى له أحد الركاب قائلاً: «انت من السنة الفاتت ما وصلت محل ماشي؟!» فتوارى المتسول المحتال خجلاً ولم يعد يظهر في تلك المحطة. قصه أخرى لأمرأة متوسطة العمر اعتادت التسول بروشتة قديمة مهترئة قائلة «كتبوا لي روشتة لي عويناتي ديل مايشوفن» وبالتأكيد يتعاطف مع الناس وفي يوم ما طلبت منها إحدى السيدات أن تقوم بصرف الروشتة نيابة عنها فرفضت المتسولة في البداية ولكن مع إصرار السيدة تبين أن الروشتة منذ العام «2009م»! ورواية أخرى عن ذلك المحتال الذي اعتاد أن يحمل ورقة ويصعد للمركبات العامة ويلقي خطبة عصماء عن فضل إعمار بيوت الله وبناء المساجد ثم يجمع المال من الركاب مع الدعاء لهم بالبركة وهكذا يدور على كل المركبات ولكن بعد سنوات من التسول تبين لهم أن ما يحمله في يده عبارة عن «شخبطة» لا علاقة لها بخارطة مسجد تحت التشييد. وذلك المتسول النصّاب الذي كان يدّعي عدم القدرة على الحركة ويزحف على ركبتيه بين السيارات وإشارات المرور لاستدرار عطف الناس ولكن في يوم ما حدث حادث تصادم بين سيارتين وبدون وعي منه قام يجري على رجليه! ومن يومها لم يشاهده أحد في المكان المعتاد لوجوده لأن حيلته قد انكشفت. الطبيب النفسي الدكتور عمرو إبراهيم مصطفى طرحنا عليه الموضوع حيث أفادنا قائلاً: أي شخص يسلك هذا السلوك يسمى شخصية معتمدة ولا يقوى على خدمة نفسه وإنما يعيش دائمًا على حساب استغلال الآخرين ولا يحب التعب والضغط وبالتعوّد على هذا السلوك ينمو معه ويكبر وتنمو معه مهارات استدرار عطف الناس وكيف يختار ضحاياه بعناية، ومما ساعد على انتشار هذه الظاهرة طيبة وسماحة الشعب السوداني وكانت دافعًا للمواصلة وتحصيل المبالغ المالية دون أدنى تعب وهؤلاء المتسولون المحتالون قد يقوق دخلهم رواتب العاملين بوظائف ثابتة وهذا بدوره يساعد على انتشار الظاهرة «قروش بدون تعب» وأصبحت مهنة مبنية على الاحتيال والنصب أكثر مما هي حاجة للمساعدة. وأغلب هؤلاء الموجودين من المتسولين هم من الأجانب وقد قامت السلطات قبل ثلاث سنوات بترحيل ما يقارب الخمسمائة متسول إلى دولهم، وقبل «4» إلى «5» أشهر خلت تمّ ترحيل «250» متسولاً إلى دولهم. وبحسبة بسيطة لو فرضنا أن المتسول الواحد يجمع في العام مثلاً مليون جنيه فحاصل ضرب هذا المبلغ في عدد المتسولين يساوي مبالغ طائلة يتم إيداعها في بنوك خارج السودان مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد القومي. وهنالك آثار اجتماعية سلبية كثيرة تترتب على هذه الظاهرة وهي أن المواطن أصبح لا يفرق بين المحتال والمحتاج مما حدا بالبعض أن يقول إن الشخصية السودانية فقدت المروءة والشهامة. والشخص الذي يتصف بصفة الاتكالية والاعتماد على غيره يكون دائمًا ما اكتسب تلك الصفة الذميمة وهذا السلوك غير القويم من الأسرة التي نشأ وترعرع في كنفها. ولو ألقينا نظرة خاطفة على وجوه المتسولين الذين يتسولون بحجة المرض أو بناء مسجد أو سترة جنازة لو ألقينا نظرة عليهم لرأينا وجوهًا متكررة والسؤال الذي يطرح نفسه لم لا يذهب هذا المتسول إلى تنفيذ الغرض الذي من أجله تسوّل بعد أن يتحصل على النقود؟! وهذا دليل واضح على أنهم محتالون ونصابون. وعبركم أوجه رسالة إلى ديوان الزكاة لحصر المحتاجين وصرف نفقة شهرية بواسطة الصراف الآلي لتفادي الازدحام في مباني الزكاة، كما يجب عليهم تمليك الأسر المحتاجة بالفعل لأكشاك صغيرة تساعدهم في المصروفات اليومية بدلاً من التسول وعلى الشرطة اتخاذ قوانين رادعة للتعامل مع هؤلاء المحتالين وتكثيف التحري حولهم وعن أماكن وجودهم والجهات التي يتبعون لها حتى يكونوا عظة وعبرة لكل من تسوّل له نفسه الإتيان بمثل هذا السلوك. فعمل هؤلاء المحتالين هو عمل منظم يتم عبر أصابع خفية ومن خلال عملنا علمنا أن هنالك جهات مسؤولة عن انتشار هذا النوع من الاحتيال ويؤتى بالمتسولين المحتالين بعربة دفار من منطقة بعينها ويتمّ إنزالهم في نقطة معينة وبعدها يباشرون أعمالهم كل في المكان المحدد لهم وفي آخر النهار يعودون أدراجهم لتوريد المبالغ التي تحصلوا عليها للشخص المسؤول عنهم. ومن الآثار السلبية على الدين هنالك نساء يلبسن النقاب خاصة في الشوارع قرب المستشفيات ويتسولن ويدعين المرض وعدم قدرتهن على صرف الروشتات التي عادة ما تكون مغلفة خشية التلف من كثرة تداولها مما يرسخ في أذهان الناس صورة مشوهة عن النقاب والتديُّن وبالطبع هنَّ يرتدين النقاب بغرض إخفاء وجوههنَّ حتى لا تُحفظ ملامحهنَّ وليس الغرض إسلاميًا ولا دينيًا. وعلى جميع الجهات المختصة متمثلة في الزكاة والشرطة ووزارة الشؤون الاجتماعية والمواطن نفسه العمل بصورة متكاملة من أجل التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.