قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفث: قتل عمال الإغاثة أمرا غير معقول    عثمان ميرغني يكتب: معركة خطرة وشيكة في السودان    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة "محمد عبدالفتاح البرهان"    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة "محمد" عبدالفتاح البرهان في تركيا    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالفيديو.. الفنانة شهد أزهري تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بنيولوك جديد وتقدم وصلة رقص مثيرة خلال حفل خاص بالسعودية على أنغام (دقستي ليه يا بليدة)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. (فضحتونا مع المصريين).. رجل سوداني يتعرض لسخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره داخل ركشة "توك توك" بمصر وهو يقلد نباح الكلاب    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسول في المساجد احتياج ام احتراف

ما أن يعلن الإمام الانتهاء من الصلاة وذلك بقوله ( السلام عليكم ورحمة الله) عن يمينه ويتبعها بأخرى عن يساره ، وقبل أن تنتهي من قولك (استغفر الله) ثلاث مرات، إلا وتجد شخصاً ينهض مسرعاً ويبدأ في مخاطبة المصلين ويطلب منهم المساعدة . ويختلف الخطاب لدى كل واحدٍ من هؤلاء فمنهم من تمرس في هذا العمل وأصبح خبيراً في اختيار العبارات الرقيقة التي تجذب عطف الناس إليه ويستخدم كل فنون الخطابة ، وبالمقابل يتدافع المصلون نحوه ويدفعون له الأموال .
وأحياناً كثيرة تجد أن عدداً من المتسولين وقفوا في مسجدٍ واحد وأصبح كل واحد منهم يعتمد على رفع صوته حتى يجذب أنظار الناس إليه ويحكي كيف أنه يعيش في مأساةٍ ، وترى كل واحد منهم ينظر إلى الآخر بطرف عينه ، وقد تستغرب جداً وأنت تنظر إلى بعض المتسولين وهم في مقتبل العمر وفي أتم الصحة والعافية ، وأحياناً أخرى تجدهم أطفالاً لم يبلغوا سن الرشد يدَّعى كل واحد منهم أن والده توفي وترك له مجموعة من البنات وهو الولد الوحيد .
هذا بخلاف الذين يجلسون خارج المسجد على الأبواب، الصامتون الذين لا يتكلمون، وكأن هؤلاء المصلين (الأغنياء) أتوا إلى المسجد لينفقوا أموالهم (الفائضة عن حاجتهم) .
في هذا التحقيق أردت تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي انتشرت في الآونة الآخيرة ، وكلنا يعلم أن الإنسان لم يولد متسولاً أو مجرماً أو لصاً وإنما هنالك دوافع وأسباب أدت إلى انتشار هذه الظاهرة ونموها فإلى مضابط التحقيق.
20 جنيهاً شهرياً
عمنا محمد آدم أحد المتسولين بالمساجد عندما سألناه عن سبب تسوله قال : ما عندي أي حاجة وجيت من البلد للعملية وقروشي كلها كملت ، والآن أريد فقط ما أعالج به نفسي وإذا وجدته سأترك التسول .
ألم يساعدك المسؤولون في المستشفى ؟ جزاهم الله خير وقالوا لي لا زم أجيب بطاقة تأمين صحي ، وذهبت لناس التأمين الصحي وأعطونى بطاقة علاجية ولكنها ليست مجانية ولا بد أن أدفع شهري وأنا لا أملك شيئاً .
أليس لك أهل وأرحام هنا ؟ لا ، كل أهلي تشردوا بسبب الحرب وحتى أولادي لم أجدهم .
أين تسكن ؟ في السوق وناس السوق بساعدوني في الاكل والشرب .
هل قلَّ الخير عند الناس
هكذا بدأ عمنا آدم وهو متسول أيضاً والتقيته في أحد المساجد وعندما سألته عن سبب سؤاله الناس بدأ بقوله : عندي زول عيان وداير حق العلاج وجميع ما عندنا نفذ في البداية ومريضنا لم يشف بعد ، تركنا الطبيب الأول وذهبنا إلى طبيب آخر وكانت المفاجأة أن التشخيص كان خطأ وكل ماصرفناه ذهب هباءً منثوراً وبدأنا رحلة العلاج من النقطة الأولى. أين الأهل والأرحام ؟ وقفوا معنا في البداية وبعد الخطأ في التشخيص لم يساعدنا أحد والحالة صعبة .
التسول والإحتيال
حكى لي أحد الإخوة أنه ذات مرة وهو في مسجدٍ إذا بمجموعة من الرجال يحملون (جنازة) ويدخلون بها المسجد وما أن صلوا عليها حتى وقف أحد (أهل الميت) ، وبدأ يتحدث عن أن هذا (الميت) عليه ديون كثيرة ويجب علينا أن نقضي عليه دينه قبل أن ندفنه ، فما كان من المصلين إلا أن تدافعوا وساهموا بكل ما يملكون ، وبعد هدوء المسجد ومع الزحمة لم يجدوا أي أحد من الذين أتوا (بالجنازة) وبعد طول انتظار لم يجد المصلون بُداً من أن يدفنوا هذا (الميت) وبعد أن حملوه إكتشفوا بأنهم يحملون مجموعة من الكراتين والحطب والأقمشة البالية وهي ملفوفة بطريقه تجعلك لا تشك أدني شك بأنها ليست جنازة .
وفي ذات السياق يتحدث الأستاذ ربيع شوكت وهو يتبع للمعهد العالي لديوان الزكاة حيث قال إن هناك أسبابا كثيرة أدت لانتشار ظاهرة التسول ومنها :
أولاً : الفقر وهو عامل رئيسي للتسول في المساجد .
ثانياً : طيبة الشعب السوداني في مساعدة المساكين والفقراء .
هذه العادة انتشرت في الآونه الأخيرة وهناك قبائل بعينها امتهنت هذه الظاهرة ، بالإضافة إلى الأجانب الذين أصبحوا رقماً لا يمكن تجاوزه وقد استغلوا طيبة الشعب السوداني .
ويواصل الأستاذ ربيع قوله بأن هناك عملاً منظماً يقوم به أفراد لكي يجلبوا الأموال من التسول وخاصةً من المساجد ، وتجد الحجج التي يطرحونها قوية جداً ، ويستخدمون الطلاب والأطفال وفي نهاية اليوم (الدوام) يأتي المنظمون ويجتمعون بهؤلاء المساكين الذين يستخدمونهم كطعم لجمع المال ويلتقون بهم في مكان محدد ويجمع كل واحد ما تحصل عليه ثم يقوم المنظمون بإعطائهم 5 جنيهات والذي لم يجمع المال يُجلد جلداً مبرحاً .
هذه المجموعة لا يستهان بها وتعمل بنشاط وحيوية ومساحة واسعة ، ورغم هذا الانتشار الواسع لا يوجد تشريع واضح من الدولة لإيقاف هذه الظاهرة والذين يمتهنون التسول. وخسرت الدولة أكثر من مليار جنيه في إرجاع المتسولين الأجانب إلى بلدانهم . ديوان الزكاة له دور كبير في الحد من هذه الظاهرة ولكن المتسولين وضعوه في موضع التهمة . وقد كوَّن ديوان الزكاة لجاناً وسماها باللجان القاعدية حتى على مستوى الحي ، والذين يسجلون لديوان الزكاة في الأحياء قلة ، ولا يتسولون في نفس الحي الذي يسكنون فيه وإنما يذهبون إلى أحياء أخرى .
التسول وعلم النفس
انتشرت في الآونة الآخيرة بصورة مزعجة، هكذا ابتدر الدكتور مهيد محمد المصطفى أستاذ علم النفس التربوي بجامعة أم درمان الإسلامية حديثه عن التسول في المساجد وقال: من يتسول ويتخذ التسول مهنة فهذه مصيبة عظيمة بالنسبة له ، ويمكن أن نقول أنه قد تعطل نموه الأخلاقي في مرحلة مبكرة من عمره ، ويسمى بالشخصية ضد المجتمع وفي علم النفس تسمى هذه الشخصية بالسايكوباتية وربما يجد متعة ولذة في أنه يتحايل على الناس ويتكسب من ورائهم.
ويواصل الدكتور مهيد وهو أيضاً إمام مسجد بالحاج يوسف ومرت به العديد من حالات الذين يمتهنون التسول ولكن حدث ما لا يرغبونه وقصصهم كثيرة ويذكر منها أن جاء أحد المتسولين وادعى أن والدته قد عملت عمليه وهي بالمستشفى ويريد ما يُرجعه إلى بلده ، وقد تكفل أحد المصلين بما يوصله إلى بيته ، وكان هذا يوم الخميس وتفاجأ الرجل الذي تكفل للمتسول بكل ما يخص السفر يوم السبت بنفس الرجل يسأل في مسجد آخر بنفس مسألته ، وهذا دليل واضح على كذبهم.
وآخر أتى إلى المسجد وطلب مساعدته لإجراء عملية وكان يحمل معه مجموعة من الروشتات وأوراق مختومة من الأطباء بالمستشفى ، وبالتحري والدقة وجدنا أن لا علاقة لهذا الرجل مع أيٍ من هذه الروشتات والأوراق ، حيث يوجد اختلاف بين الأسماء التي ذكرها والتي على الروشتات وعندما سألناه اضطرب . أنا لا أمنع إعطاءهم ولكن يجب علينا أن نتحرى .
لم يمت أحد من الجوع
ومواصلة للموضوع يقول المهندس أنس عبد المطلب إن الظاهرة أصبحت منتشرة بصورة غير حميدة حتى أن بعض الناس أصبحوا يمتهنونها كمهنة وهناك عصابات ، وأنا لا أحبِّذ هذه الظاهره وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : (يأتي السائل يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم ) وكذلك (من يستعفف يعفه الله) ، والإنسان عليه أن يستعفف ورزقه لا محالة آتي ، (وما في زول مات من الجوع) ، وهناك بعض الناس يستغل الدين في أمور التسول كأن يقول أريد دعماً لخلوة ، أو يقول إنه يدرس في خلوة ولا يملك ما يوصله ، وكذلك لا نستطيع أن نُميِّز بين المحتاج وغير المحتاج .
وكذلك التقينا بالشيخ ساتي صديق الداعية المعروف وسألناه عن الجانب الشرعي لعملية التسول في المساجد فقال : التسول عموماً ممنوع ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إلا لثلاثة : رجلٌ تحمل حمالة ، فحلَّت له المسألة حتى يصيبها ، ثم يمسك . ورجل أصابته جارحة ، اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش . ورجل أصابته فاقة حتى يصيب قواماً من عيش . وهذا الحديث في شأن المتسول وليس المنفق . إذاً فالمسألة عموماً لا تجوز إلا لهذه الأصناف الثلاثة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم .
والمساجد بُنيت لذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال سبحانه وتعالى في سورة النور : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ) ، والمساجد هي مكان إصلاح المجتمع من ناحية تربوية ومن ناحية أخلاقية وسلوكية ، وكذلك المسجد هو مأوى الفقراء والمساكين كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصُفَّة الذين كانوا يسكنون في المسجد وهم الفقراء من الصحابة عليهم رضوان الله ، كانوا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن كانوا في المسجد من غير مسألة أي لا يسألون الناس ، والصحابة عليهم رضوان الله لا يسألون الناس ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف فالصحابة مع أنهم كانوا فقراء لم يُمدُّوا أيديهم إلى الناس في بيت الله سبحانه وتعالى لأنه علمهم النبي صلى الله عليه وسلم عدم سؤال الناس ، وكذلك عدم إنشاد الضالة في المسجد ، ويفهم من هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم منع كل ما من شأنه أن يدخل الإنسان في أمور الدنيا ، ويقول عليه الصلاة والسلام وكره لكم ثلاثة :( قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ) فشاهدنا كثرة السؤال وسؤال الناس ممنوع أصلاً وبالذات إذا كان في ناحية الكثرة ، كما جاء في الأثر : ( ما فتح رجل على نفسه باب مسألة يسأل الناس إلا فتح الله عليه باب فقر ) ، وهؤلاء الناس يدخلون بيت الله عز وجل فرغم أن الأفضل لهم أن يسألوا الله عز وجل لكنهم يسألون خلقه وهذا من أكبر العيب عليهم ، والانسان إذا أراد أن يسأل شخصاً يذهب له في داره أو مكان عمله ويسأله ، فكيف بهؤلاء يأتون إلى بيت الله سبحانه وتعالى ويسألون غيره ، ومن الأفضل على المسلمين في المساجد أن لا يُحوِّجوا هؤلاء الناس إلى السؤال فالمصلون إذا تعاونوا وتعاضدوا على هؤلاء المساكين ووقفوا معهم في محنهم مثل أن يكون الانسان مريضاً أو ألمَّت به جارحة فساعدوهم من دون أن يسألوا الناس فيكونون قد حققوا التكافل والتعاون الاجتماعي المطلوب بين المسلمين فاليد العليا خير من اليد السفلى .
وأما السائل فلا تنهر
يواصل الشيخ ساتي صديق ويقول : يجب عدم نَهر واحتقار من يسأل الناس لقول الله تعالى : (وأما السائل فلا تنهر). والسائل نوعان : أولاً الذي يسأل في أمور دينه فلا ينهر مهما كان السؤال ، وذلك لما جاء الأعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتولى عنه أنزل الله سورة عبس ، وثانياً السائل الذي يسأل الناس من المال فلا ينهر وإنما يعلم ويؤدب وينصح ويرفق به ، وإن كان أخرقاً لا عمل له نوجهه إلى أماكن العمل .
التسول منافٍ للأخلاق
ويواصل الشيخ ساتي صديق حديثه عن التسول ويقول : التسول منافٍ للأخلاق والأخلاق معنى كبير ومن الأخلاق المنح والإعطاء والانفاق في سبيل الله وليس سؤال الناس، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ) ، والسؤال فيه ذل وإهانة وفيه الكذب أحياناً والطمع والجشع ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (وازهد فيما عند الناس ؛ يحبك الناس) ، وكذلك فيه القنوط من رحمة الله عز وجل لأن هذا السائل كان الأولى به أن يصبر ، وقد يظن أن الله سبحانه وتعالى لا يعطيه إلا عن طريق السؤال ، وقد يكون له أسباب كأن يكون رجلا أعمى أو مريضا مرضاً يمنعه من العمل وحتى هذا يكون حقيراً أمام الناس ولا يشبع من المال مهما أعطي، وسيسأل الله عز وجل يوم القيامة أي شخص من ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه .
هل أصبح التسول مهنة ؟
يجيب على هذا السؤال الشيخ ساتي صديق بقوله : نعم بعض الناس امتهنوا التسول ، ونقول لهم إن هذا المال ليس مالك وإنما مال أخيك وأخذته منه بطريق غير شرعي ، وذلك عندما تمد يدك إليه ويظن أنك فقيرا وأنك محتاج ويعطيك المال وأنت غير محتاج وغير فقير ، وكذلك يُعلم الناس الكسل والخمول فبدل أن يعمل ويكد ويتعب يذهب إلى المسجد ويكذب حتى يلفت أنظار الناس فيعطوه من غير أن يتعب أو يكد ، ويكون قد تعود على الكسل والخمول وإذا لم يعطه الناس يفكر في طرق أخرى كالسرقة وخداع الناس والأخذ بالقوة لأنه فقط يفكر في المال الذي عند الناس .
كذلك كثرة التسول تعلِّم المحسنين عدم الانفاق وذلك بكثرة تردد وجه المتسول مرات عديدة ، ولا يفرق المحسن بين الصادق والكاذب لذلك لا ينفق ماله. لا يتطلب على المنفق أن يتفحَّص المتسول إذا كان مسلماً أو غير مسلم لأن الاسلام ليس في وجهه وإنما في طبعه وحتى إذا لم يكن مسلماً فإنه في النهاية إنسان وقد يكون سبباً لدخوله الاسلام .
للفائدة
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه المسألة فأجاب بما نصه : أصل المسألة محرم في المسجد وغير المسجد إلا للضرورة ، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحداً بتخطيه رقاب الناس ، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ، ولم يجهر جهراً يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب ، أو هم يسمعون علماً يشغلهم به ، ونحو ذلك جاز والله أعلم .
وفي الختام نقرأ قوله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (215) سورة البقرة ، وبالرجوع إلى تفسير الشيخ السعدي - رحمه الله - يقول : أي يسألونك عن النفقة ، وهذا يعم السؤال عن المنفق والمنفق عليه ، فأجابهم بقوله :( قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ ) أي مال قليل أو كثير ، فأولى الناس به ، وأحقهم بالتقديم ، أعظمهم حقاً عليك ، وهما الوالدان الواجب برهما ، والمحرم عقوقهما . ومن أعظم برهما النفقة عليهما ، ومن أعظم العقوق ترك الإنفاق عليهما ، ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة ، على الولد الموسر . ومن بعد الوالدين ، الأقربون على اختلاف طبقاتهم ، الأقرب فالأقرب ، على حسب القرب والحاجة ، فالإنفاق عليهم صدقة وصلة رحم . ثم (وَالْيَتَامَى) وهم الصغار الذين لا كاسب لهم ، فهم في مظنة الحاجة ، لعدم قيامهم بمصالح أنفسهم ، وفقد الكاسب ، فوصى الله بهم العباد ، رحمة بهم ولطفاً . ثم (وَالْمَسَاكِينِ) وهم أهل الحاجات ، وأرباب الضرورات الذين أسكنتهم الحاجة ، فينفق عليهم لدفع حاجاتهم وإغنائهم . ثم (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي الغريب المنقطع به في غير بلده ، فيعان على سفره بالنفقة التي توصله إلى مقصده .
ولمَّا خصّص الله تعالى هؤلاء الأصناف ، لشدة الحاجة ، عمم تعالى ، فقال : (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ ) على هؤلاء وغيرهم ، بل ومن جميع أنواع الطاعات والقربات ، لأنها تدخل في إسم الخير . ( فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) ، فيجازيكم عليه ، ويحفظه لكم ، كل على حسب نيته وإخلاصه ، وكثرة نفقته وقلتها ، وشدة الحاجة إليها ، وعظم وقعها ونفعها . إنتهى كلامه رحمه الله .
فلننظر أخي القارئ كيف درَّج الله سبحانه وتعالى المستحقين لهذه النفقة ، والواجب علينا أن نسير بهذا التدرج فبعد أن نكفي حاجة الوالدين ، ونكفي حاجة الأقربين ، ونكفي حاجة اليتامى ، نبحث بعد ذلك عن المساكين وابن السبيل وغيرهم من أصحاب الحاجات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.