بدأت هجرة أساتذة الجامعات تتصاعد خلال السنوات الماضية بدرجة كبيرة، مما يشكل تهديدا مباشرا لقطاع التعليم العالي، حيث فقد عدد كبير من الجامعات خبرة كوادرها المدربة، حيث بلغ عدد المهاجرين من أساتذة الجامعات خلال الخمس سنوات الأخيرة ألفاً و859 أستاذاً لمختلف الدول. فقد هاجر إلى المملكة العربية السعودية فقط 1988 أستاذا خلال عام 2012 مقارنة ب 21 أستاذاً عام 2008م. وحول هجرة الكفاءات وسياسات التعليم العالي التي تناولها البروفيسور حسن محمد صالح بمركز دراسات المجتمع في تقرير له موضحاً أن التعليم العالي بالسودان يعاني من هجرة أعضاء هيئة التدريس للعمل بالبلاد العربية والنفطية، وتعزى هذه الهجرة لتدني الرواتب والمستوى المعيشي لأساتذة الجامعات، وفي بعض الأحيان تكون الهجرة بدوافع علمية وبحثية لا تتوفر في السودان وتتاح للباحثين في دول أخرى. وبالرغم من محاولات تحسين الوضع المعيشي للأساتذة والعمل على تهيئة البيئة الجامعية والبحثية عموماً لكنها لا تزال دون الطموح، ولقد كانت الهجرة في السابق للمراتب العلمية العليا بالجامعات لكنها الآن تشمل كل أعضاء هيئة التدريس، بل أنها أصبحت تطال مساعدي التدريس الذين يعتبرون الرافد المستقبلي لضمان عمل الجامعات واستمراريتها. وأشار التقرير إلى الدراسة التي أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العام 2003م بعنوان نحو تأهيل أكاديمي لأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بالجامعات السودانية، وقد أكدت تلك الدراسة على النقص الحاد في أعضاء هيئة التدريس المؤهلين الذين يمكن أن يتولوا مهمة التدريس والبحث العلمي، وقدرت تلك الدراسة نسبة من يحملون درجة الدكتوراه بحوالي 29% من جملة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السودانية، ومن بين هؤلاء نسبة 30% وصلوا إلى مرحلة سن التقاعد، وبذلك يتضح أن التعليم العالي يعاني من الهجرة والإحالة للمعاش، حيث سيؤثر الهيكل العمري لهيئة التدريس على توفير العدد المطلوب من أعضاء هيئة التدريس المؤهلين في المستقبل القريب. وحول الوضع الراهن من حيث التوسع والانتشار للجامعات في مختلف الولايات، ولتطوير الأداء والمواكبة يدعمه فى ذلك أن التعليم العالي يحظى بمكانة اجتماعية عالية، وزيادة في الطلب المجتمعي عليه، رغم عدم عمل الخريجين وارث من هيئة التدريس من ذوي المقدرة والتميز العلمي ووجود طاقات علمية وبحثية يمكن استغلالها أفضل استغلال، بجانب وجود عدد من المراكز والمعاهد البحثية المتخصصة تربط الجامعات بمؤسسات الإنتاج والخدمات. والانتشار الجغرافي لمؤسسات التعليم العالي في كل إنحاء البلاد مما يمكنها من الإسهام في تنمية البيئة المحيطة بها إضافة إلى التحديد في نظم التعليم الجامعي بإدخال نظم الانتساب والتعليم عن بعد التعليم الافتراضي والمفتوح وتوفير نواة للتجهيزات التقنية الحديثة وشبكة معلومات مؤسسات التعليم العالي تتيح أنماط وأساليب متطورة لتقديم التعليم العالي. ومن الفرص المتاحة التي تمكن من إصلاح شأن التعليم العالي والنهوض به، التطور الكبير الذي شهده السودان في مجالات الاتصالات والقرار برفع سن المعاش لأعضاء هيئة التدريس إلى 65% عاماً يساعد في الإبقاء على كبار الأساتذة بالجامعات للتدريس والتدريب على البحث العلمي والإشراف على الدراسات العليا. وكذلك تحف عملية إصلاح التعليم العالي العديد من المخاطر والمهددات التي يجب التحوط منها، واتخاذ ما يلزم لتفاديها، وهي محدودية التمويل الحكومي في تلبية الاحتياجات في حدها الأدنى، وعدم وجود مصادر تمويل إضافية ثابتة وكافية، والمقاطعة الخارجية والضغوط التي تمارس ضد السودان لا تمكنه من الاستفادة من دعم المنظمات الدولية في مجال التعليم العالي. وتعتبر أهم المباديء التي حكمت صياغة السياسات في مجال التعليم العالي في السودان هي توطين التعليم وتأصيله بحيث يكون معبراً عن توجهات الأمة وأصلوها العقائدية والثقافية والحضارية.