من المؤكد أن بلادنا موعودة بالخير الكثير خاصة في مجال الاستثمارات العربية، إذ أن الملتقى الاستثماري السوداني السعودي الذي انعقد بالرياض أخيراً كان أحد المؤشرات والدلالات على ما ذهبت إليه، فقد كان الملتقى أهم مؤشرعلى مدى أهمية التعاون الاقتصادي الإستراتيجي الذي يقود لآفاقٍ أرحب في شتى المجالات، والملتقى يؤطر إلى بُعد نظر القيادة السياسية في البلدين التي اعتمدت قيادتاها الحكيمتان ذلك كهدفٍ إستراتيجي، وبرعاية ملكية كريمة خاصة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين فكان الملتقى بداية لمرحلة سياسية أطرت لهذا التعاون الإستراتيجي على أسس متينة لينعكس ذلك بالضرورة على كل مجالات التعاون الإستراتيجي بين البلدين، فهناك قواسم مشتركة أزلية وتاريخية تربط قيادة وشعبي البلدين، وأهم هذه الروابط التي تربط بين السودان بالمملكة رابط الدين خاصة أن المملكة هي الراعي والخادم لمقدسات المسلمين لذلك فهي تحظى بتقدير خاص من قبل كل الشعوب وقيادات الدول العربية الإسلامية. ولأن المملكة هي مهوى أفئدتهم، كذلك البلدان يشتركان كدولتين عربيتين في التعاون الإستراتيجي لأمن البحر الأحمر، لذا فإن تبادل المنافع المرتبط برباط روحي عقدي قوي يؤطر لضمان الأمن المشترك للبلدين ويسهل تحرك رؤوس الأموال والاستثمارات دون قيود وبيروقراطية كانت دائماً ما تحول دون تأطير وتطوير العلاقات الإستراتيجية. وجذب الاستثمارات يحتاج لتوفير المناخ الملائم والمشجع والضمانات والتسهيلات التي تجذب الاستثمارات الخاصة من قطاع رجال الأعمال الذين يبحثون عن الفرص الربحية المأمونة التي تسمح بحرية إدخال وإخراج رؤوس الأعمال وأرباحها. إن العلاقة بين الدولة والمستثمرين يجب أن تبنى على أساس أن الطرفين رابحان(Win- Win) ، وهذه هي بداية بناء الثقة والمصداقية وبناء علاقة مصالح ندية متبادلة يجب ألا تُعرّض لتقلبات السياسات المالية. إن البيئة الصالحة والخصبة للاستثمار تستوجب توفير المعلومات للمستثمر بمنتهى الشفافية واليسر، ويعتبر التحول إلى الحكومة الإلكترونية أحد أهم المتطلبات التي تؤدي إلى تحسين التفاعل مع المستثمرين من خلال توفير الشفافية في الأداء وخفض النفقات وتبسيط الإجراءات، علماً بأن السودان من الدول المتقدمة في مجال قطاع الاتصالات الذي يوفر البنية التحتية التقنية لقيام الحكومة الإلكترونية. وحتى تكون صورة خريطة الاستثمارات واضحة فعلينا أن لا نغفل السالب منها مثلما أتينا على ذكر الموجب، هذا وقد نجحت مجموعة الدول النامية ودول الاقتصادات المتحولة في تصدير حوالي «30%» من التدفقات الصادرة عالميا حيث بلغت مستويات قياسية نحو «388» مليار دولار، وفيما يتعلق بإجمالي تدفق الاستثمارات الأجنبية الصادر من الدول العربية، فقد تراجع بشكل حاد ليصل إلى «14.6» مليار دولار في 2010 بعد أن كانت «27.3» مليار دولار في 2009 بنسبة انخفاض «46.6%»، واحتلت السعودية المكانة الأولى كأكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة بقيمة بلغت «3.9» مليار دولار وبحصة قدرها «26.8%» من الإجمالي العربي تلتها الكويت بقيمة «2.1» مليار دولار بحصة «14.2%» ثم الإمارات بقيمة ملياري دولار بحصة «13.8%». وذكر تقرير صادر عن الأممالمتحدة بالتعاون مع منظمة الاسكوا أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى منطقة جنوب شرق آسيا انخفضت من «67» مليار دولار عام 2009 إلى «57» مليار عام 2010 بمعدل انخفاض بلغ «15%»، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية الصادرة من منطقة الإسكوا بنسبة «51%» بين عامي «2009 2010» واحتلت السعودية صدارة الدول من حيث الاستثمارات في الخارج بحوالي «4» مليارات دولار، وأكثر من نصف استثمارات بلدان الإسكوا في الخارج يتجه إلى الدول المتقدمة مرتكزا على قطاعات الكيماويات والنقل والفنادق. يجب أن نعتمد على الأرقام والإحصائيات الموثوقة ودراسات الجدوى الدقيقة الكفؤة وتوحيد مصادر الحصول عليها مع الاختيار الدقيق للقائمين على تقديم هذه المعلومات، فلن يكفي أن تكون لديك بضاعة ممتازة ولكن الأهم كيف تروج لها وتقدمها للمشتري، فهذا بحد ذاته يحتاج لحذاقة وإجادة فنون التعامل والترويج ويجب القيام بتدريب هذه الشريحة، وأيضاً الاهتمام بالتدريب الإنعاشي وإجادة اللغات، فبمنتهى الأمانة كان لي شرف حضور بعض التجارب وهالني ما سمعت، فنحن نحتاج لتقديم أجود ما عندنا وليس أسوأه، فمثل هذه المهام تحتاج لشخصيات محترفة وذات كفاءة عالية ولباقة لأن جزءاً كبيراً منها يعتمد على حسن إدارة الحوار والعلاقات العامة!! إن الملتقى السوداني السعودي لآفاق الاستثمار، حظي بتوجيه رئاسي من الأخ الرئيس عمر البشير بتذليل العقبات التي تواجه الاستثمارات السعودية بالسودان، مؤكداً تميز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وانطلاقاً من هذا التوجيه يجب أن ندرك أهمية دور وعلاقات المملكة المتميزة مع السودان، وعليه يجب ينشط دور الأمن الاقتصادي في ملاحقة شياطين الأنس من الفسدة، رعاة السمسرة والتربح من الفاسدين حتى لا يفسدوا هذا الأنموذج الذي يؤطر لعلاقات إستراتيجية وتنسيق السياسات بين البلدين، إن نجاح هذا الأنموذج سيعتبر مرجعاً لكثير من الدول لدخول المعترك الاستثماري السوداني، كما أن الترويج للاستثمار هي عملية دائمة وقابلة للتطوير والتحسين المستمر، يجب أن ندرك دائماً بأننا في سنة أولى استثمار، حيث يبدأ الفشل باعتقادنا بأننا وصلنا للقمة، فمن نواميس الحياة أن يعقب وصول القمة الانحدار!!