التعاون السوداني السعودي يمكن وصفه بأنه متعدد المجالات، خاصة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، على أن التعاون الأمني له الأولوية لأنه الأكثر قيمة وأهمية لعلاقته الإستراتيجية، بالبيئة المناسبة لأي مجهود سياسي أو نشاط اقتصادي لكل جانب، أو للجانبين معًا، وكمثال لذلك، أذكر أن اتفاقًا ثنائيًا أبرم عام 1974 بين جمهورية السودان والمملكة العربية السعودية على إنشاء ما سميت ب (الهيئة السعودية السودانية المشتركة لاستغلال كنز معادن البحر الأحمر) وهذه الهيئة بتسميتها هذه، تبدو ظاهرياً هيئة اقتصادية للاستفادة تجاريًا من ذلك الكنز الغارق في أعماق المياه الإقليمية للبلدين في البحر الأحمر، أو بحر القلزم كما سماه العرب الأقدمون (موجودات الكنز المعدني الغارق في أعماق البحر في أحد شهور عام 1974، بعد إبرام الخرطوم والرياض اتفاقية إنشاء تلك الهيئة برئاسة سعودي، وأمانة سوداني، دعيت مع مجموعة محدودة من الصحفيين، والعلماء الجيولوجيين والمائيين، أذكر منهم العالم الجيولوجي الدكتور الربيعة من جامعة الخرطوم لزيارة بورتسودان والقيام برحلة بحرية بباخرة تم تجهيزها بتقنية ألمانية لتحليل الرواسب الطينية التي سوف تستخرج من عمق ميلين تحت قاع البحر لمعرفة (أنواع المعادن) التي تحتوي عليها تلك الرواسب، والتي تمثل في مجموعها (الكنز المفقود)! وقد شهدت وزملائي الصحفيون تلك التجربة المثيرة، بعد أن أنزل سلك طويل إلى مسافة ألفي كيلو متر بواسطة (بكرة) ثم سحب السلك وهو يحمل كميات كبيرة من طين الرواسب البحرية، وبعد عملية التحليل لذلك الطين أعلن الفريق العلمي وجود كميات تجارية من المعادن وهي: 1 الحديد 2 الكروم 3 النحاس4 الزنك 5 الفضة 6 الذهب التقدير الأولي لقيمة ثروة الكنز بالدولار. وصدرت تصريحات سعودية تقول إن القيمة المالية لمعادن كنز البحر الأحمر تقدر مبدئيًا بعشرة مليارات دولار أمريكي بأسعار ذلك الوقت/ وقد وافق السودان بتصريحات ماثلة على هذا التقدير للقيمة المالية للكنز. سعودياً، قال د. أمين ساعاتي: (نحن السعوديين نشعر بالقلق الشديد حينما نستمع إلى السؤال المستفز القائل: ماذا نفعل بعد نضوب البترول؟ ومن أين نأتي بالموارد المالية كي نغذي بنود ميزانية الدولة لكي نحافظ على مستوى المعيشة المرتفع، وكذلك نستمر في تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة؟! ويضيف: سؤال قلق ولا سيما أن مشاريع تنويع مصادر الدخل بدأت لتوها تجاوز أهداف خطة التنمية الأولى التي صدرت في عام 1970، أي أننا بدأنا بالنسبة لتنويع مصادر الدخل نخرج من المربع الأول ونحصد أهدافًا بديلة واعدة). وقال: (أذكر بهذه المناسبة أن وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي إبراهيم النعيمي أنهى مؤخرًا زيارة قام بها إلى السودان لحضور الاجتماع السادس للجنة الدائمة السعودية السودانية المشتركة والمعنية بالاستغلال المشترك للثروة الطبيعية الموجودة في قاع البحر الأحمر وبعد الاجتماع أعرب وزير البترول عن تفاؤله بنتائج هذا الاجتماع في استمرار تطوير العمل المشترك في مجال الاستثمارات التعدينية بالاستخدام الأمثل لثرواتنا المعدنية المشتركة، وكذلك تدريب وتطوير القوى البشرية الفنية في البلدين في مجال التعدين البحري). وأضاف الوزير النعيمي قائلاً: (إن رخصة التعدين التي تم إصدارها من قبل الجانبين السعودي والسوداني قبل نحو عامين لاستغلال الثروات الكامنة في قاع البحر الأحمر من ذهب وفضة ونحاس وزنك وغيرها، تعد خطوة رائدة في مجال التعدين على المستوى العالمي، وستكون انطلاقة إلى مزيد من أعمال الكشف والاستغلال لباقي الأعماق المعدنية في المنطقة المشتركة في البحر الأحمر، وسنعمل سويًا لتشجيع ومساندة الأعمال والدراسات الخاصة بالاحتياطيات التي يمكن تعدينها في البحر الأحمر مما يسهم في تحقيق عائد اقتصادي للبلدين وخلق فرص عمل للكوادر السعودية والسودانية ونقل التقنية وتحقيق القيمة المضافة من استغلال الخامات المعدنية).