لم تزل همسات الشارع السوداني ومكوناته السياسية، في حالة جمود بعد الحلقة المهمة و المفاجأة القوية التي أطلقها السيد رئيس الجمهورية، والتي نادت بمشاركة القوى السياسية في الحكم مع المؤتمر الوطني، لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة، أو الوصول لنقاط متفق بشأنها بين تلك المكونات، تقود إلى صنع نقلة حقيقية في الراهن السياسي، بتقريب الوجهات تارة وتارة أخرى بالمشاركة الجماعية في تنفيذ ما أتفق بشأنه من نقاط، في وقت سادت الساحة السياسية تربصات حقيقية وإرهاصات عن حقيقة ما يجري في كابينة القيادة، رغم أن الرئيس كشف في لقائه الشهير والمحضور عن الخطوات القادمة والتي لا تستثني أحداً. وكان البشير قد استبق لقاء أمس مع القوى السياسية، بلقاءات ثنائية مع قادة الأحزاب والعديد من القوى السياسية كلاً على حدة، ووصلت تلك اللقاءات لنقاط تفاهم بين الجانبين، وتشكلت الملاحظات التي خرجت بها في أجندة محتمل مناقشتها في هذا اللقاء، والذي يعد بأنه لقاء الفرصة الأخيرة، من بعض المتابعين للأوضاع والمراقبين عن كثب، ويعتبر لقاء الأمس كان الهدف منه هو الوصول لأرضية مشتركة، بين الأحزاب التي ألقت كلها ما في كنانتها في لقائها المشترك الثنائي بالبشير، في وقت وصلت فيه كل القوى السياسية إلى نقاط مشتركة، عُدت من قبل المتابعين «أنها قواسم وروابط مشتركة». حيث أجمع الكل على إطلاق الحريات، والعفو عن حاملي السلاح، لينخرطوا في العملية السلمية السياسية، وتشكيل حكومة انتقالية أو حكومة قومية، الغرض منها إعداد الدستور، وإقامة انتخابات 2015م، لاختيار الرئيس القادم عقب نفاد الفترة الممنوحة للبشير، وفقاً لقانون الانتخابات الأخيرة والتي جرت في العام 2010م وفاز بها المؤتمر الوطني بالأغلبية، ذلك رغم أن اللقاء مع القوى السياسية أعلن عنه المؤتمر الوطني، وأكد أنه لا يلقي بأية شروط للقوى السياسية، الشيء الذي تكامل مع مطالب القوى المختلفة، التي أعربت عن أملها في أن يكون اللقاء قاعدة ومنصة، ينطلق منها الجميع دون استثناء لأحد، نحو عملية الوفاق الوطني بأن الوطن يسع الجميع، والكل فيه سواسية في الحقوق والواجبات، وعليه فإن الهدف أيضاً يكون مشتركاً بين جميع المكونات السياسية، رغم أن هناك من الأحزاب التي تسلمت رقاع الدعوة لحضور لقاء الرئيس المهم، لها رأي في أن تكون هناك آلية محددة لإدارة عملية الحوار الوطني المعلن عنه، ورشحت العديد من الأسماء التي رأت أنها محايدة ، لتولي هذه المهمة في وقت لم تعر فيه بقية القوى هذه الخطوة. ويقول بعض المتابعين واللصيقين بالملف، إن الخطوة الأهم هي السؤال عن أنه هل يتفق الجميع على نوعية وشكلية الحكومة المنتظرة؟ بعد أن أدلى كل حزب برؤاه حول الكيفية التي يجب أن يتم بها تشكيل حكومة تسع الجميع، بيد أن اختلافات جوهرية طفت على السطح لجهة أن حديثاً كثيراً تم تداوله عن تلك الحكومة، فبينما هناك حديث عن القومية، يرى البعض أن تلك مرحلة متقدمة ولكنه يجب الوقوف الآن على نوعية الحكومة التي يجب تكوينها اليوم. وفي هذا يقول د. حسن الساعوري أستاذ العلوم السياسية ل«الإنتباهة»، إن الحوار في الأساس وسيلة للوصول لتوافق، وهذا في حد ذاته يقودنا إلى توافق في الدستور وتوافق أيضاً في الانتخابات وقانونها الجديد، وقال إذا حصل هذا التوافق، فإن الحكومة ستظل قائمة في السلطة، وسيظل المؤتمر الوطني في سدة الحكم قبل أن تنتهي المدة الدستورية الممنوحة له بنص قانون ودستور الانتخابات، لذلك فإن الحكومة ستكون حريصة على قيام الانتخابات في موعدها قبل أن تنفد فترتها وتواجه الصعاب محلياً ودولياً عن عدم شرعيتها، مؤكداً أن رفض الأحزاب السياسية لقيام الانتخابات، يكمن في أنها لم تكن جاهزة لأنهم ليس لديهم إمكانيات تنظيمية وشعبية ومن هذا المنطلق فإن أي نظام يقوم على التصويت ستقف الأحزاب ضده ويعترضونه، وربما أنهم سيستمرون في سلوكهم الرافض لصناديق الإقتراع، هذا حتى وإن اتفق الجميع على شكلية ونوعية الحكومة القادمة. وقال في هذه الخطوة تحديداً يكمن مربط الفرس، لأن الفرق بين الانتقالية التي تنادي بها بعض الأحزاب، والقومية المطلب الثاني للقوى السياسية خيط سميك، فالقومية تمثل كل الأمة، أما الانتقالية تمثل القوى السياسية بمعزل عن المؤتمر الوطني، بحسب مطلب القوى التي طالبت بهذا النوع من الانتخابات وهي لفترة ثلاث سنوات، وفي هذه الحال أن نظام الإنقاذ لا يجب أن يكون موجوداً، وهذا -بحسب حديث الساعوري مستحيل- لأن الإنقاذ لا يمكن أن توافق على نظام يفرض عليها الابتعاد ويعمل على إقصائها، وهي أيضاً لا يمكن أن تمنحهم هذه الفرصة ليذبحوها، وأية خطوة تحمل هذه الشعارات لا يمكن أن يوافق عليها الوطني، ومن هنا أنا أستبعد الموافقة على فكرة الحكومة الانتقالية، التي رفعها الحزب الشيوعي وحاول فرضها على بقية القوى السياسية. ويقول مراقبون أخرون إن العديد من الأسباب قد تؤدي إلى قيام الحوار الكبير، الذي أعلنه الوطني عبر اللقاء الجامع بينه وفرقائه من الأحزاب السياسية السودانية، للعبور بالبلاد إلى بر الأمان. وحال صحت هذه القراءة فإن قيام اللقاء الجامع لقوى الأحزاب السياسية المختلفة، يمينها ويسارها أمر ربما أعاد الكرة للملعب الصحيح الذي يجب أن تمارس فيه، وبالتالي سيجنّب ذلك البلاد مآلات كثيرة، قد لا يكون مفيداً التطرق إليها في ظل هذه التداعيات، رغم أن العديد من الأحزاب رفعت بعض الإشتراطات كشروط مسبقة للاتفاق على الحوار مع النظام، يأتي هذا في ظل إصرار الرئيس على عدم مبارحة قطار الحوار من دون أي من القوى السياسية مهما كان وزنها، أو حجمها من منطلق أنه ربما يكون الفرصة والسانحة التي تخرج البلاد من خلالها من أزماتها. فهل ستكون المخرجات داعمة لتلك التوجهات الرامية إلى إحداث خروقات جوهرية في أصل المسألة السودانية الحزبية؟ أم أن اللقاء الجامع سيظل سراباً تجري خلفه الإرادة الحزبية والسياسية دون أن تصل لمرافئه النائية والمستحيلة؟، لتتعمق بالتالي جراحات التوافق ، وحتى تلك اللحظة سيظل السؤال قائماً حول إمكانية التوافق على نوعية وشكلية الحكومة القادمة.