لعبت دولة قطر دوراً فاعلاً ومهماً في أزمة دارفور منذ اندلاعها في فبراير «2003» وبحسب مراقبين فإن هذا الدور اتسم بالفعالية والمرونة والانفتاح على كل مكونات المجتمع الدارفوري والسعي في الوصول إلى تسوية سياسية شاملة لحل الأزمة. واتضح ذلك جلياً في ما قامت به فعلياً من تحركات ملموسة لتجميع الحركات المسلحة وتوحيدها في كيان واحد وتسهيل دور الوساطة بفعالية وفتح منابر التفاوض دون شروط أو ضغوط، وتوجت تلك الجهود أخيراً بالتوصل إلى توقيع وثيقة الدوحة لسلام دارفور بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة بقيادة رئيسها د. تجاني سيسي التي ضمت أكثر من «14» فصيلاً مسلحاً، وانضمت إليها مؤخراً حركة العدل والمساواة فصيل بخيت دبجو، وقد حظي منبر الدوحة بإجماع محلي وإقليمي ودولي لا نظير له، ويشير مراقبون إلى أن نجاح قطر يكمن في بلورتها لرؤية جامعة حول اتفاقية الدوحة من جانب بالإضافة إلى أنها استطاعت توحيد أكثر من «14» فصيلاً في جسم واحد تحت مسمى حركة التحرير والعدالة. ومنذ توقيع الوثيقة أعلنت الحكومة أن منبر الدوحة آخر منابر التفاوض وظلت تعلن تمسكها بالوثيقة ورفض فكرة إنشاء منبر رديف أو بديل لمنبر الدوحة برغم إقرار المجتمع الدولي بفشلها في حل الأزمة أو التوصل إلى اتفاق بين الحركات المسلحة. وقد أثارت كلمة مندوبة الولاياتالمتحدةالأمريكية في مجلس الأمن سامنثا باور بشأن اتفاقية الدوحة لسلام دارفور والتي وصفت الددوحة بأنها انتهى دورها ويجب البحث عن منبر جديد غضب الحكومة ووصفت حديث باور بأنه يشجع الفصائل المتمردة على عدم التفاوض ووجهت باور انتقادات لاذعة لاتفاقية الدوحة وطالبت أعضاء الاتحاد الإفريقي بالبحث عن منبر جديد لحل قضية دارفور باعتبار أن اتفاق الدوحة لم يعد فاعلاً في حل مشكلة دارفور وقالت إن وثيقة الدوحة عفا عليها الزمن وأصبحت لا يعتمد عليها. ووصفت الحكومة الرفض المتكرر من قبل واشنطن لوثيقة الدوحة بأنه محاولة للتشكيك في الوثيقة وسعيها لإحداث ربكة في مساعي السلام بالتشكيك في نجاح الوثيقة. ومؤخراً كشفت حركة العدل والمساواة عن مشاورات بين الحركات المسلحة والمجتمع الدولي لإيجاد وسيط ومنبر جديدين لحل أزمة دارفور، واستنكر مسؤول التفاوض بحركة العدل أحمد تقد لسان تمسك الحكومة بمنبر الدوحة وقال إن المنبر فشل في تحقيق السلام بدارفور ولم يعالج القضايا الأساسية بل استوعب أشخاصاً في وظائف مؤكداً أنهم لن يذهبوا للدوحة مرة أخرى، وأضاف أن المشاورات حول الوسيط ومكان التفاوض القادم لا زالت جارية وأن أديس أبابا من ضمن الخيارات المطروحة. وتأتي هذه التصريحات بمثابة قصم لظهر الحكومة التي أطلقت مبادرة الحوار الوطني الذي دعت له كل القوى السياسية بما فيها الحركات المسلحة. ويرى محللون أن دعوة الحكومة للحوار الوطني من شأنها أن تجعل من اتفاقية الدوحة خارج إطار السياق التاريخي باعتبار أن هذا الحوار يشمل كل القوى السياسية والفصائل المسلحة في دارفور الأمر الذي يقود إلى إسقاط معطيات وثيقة الدوحة. وأكد العميد حسن بيومي ل (الإنتباهة) أن الحركات المسلحة والأحزاب عليها الانضمام للحوار الوطني الذي دعا له الرئيس مؤكداً أنه الحل لكل مشكلات البلاد وهو المنبر الوطني الوحيد الذي يستوعب كل الأطراف، مطالباً بضرورة إقناع الأطراف بالضمانات التي طرحتها الدولة والتي بموجبها عاد مبارك الفاضل لأرض الوطن. فيما قال المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر إن الوساطة القطرية هي من ضمن الوساطة الدولية لحل أزمة دارفور فقد استطاعت أن تنجز إنجازاً كبيراً بالتوقيع على وثيقة الدوحة والتي فتحت الطريق لغير الموقعين على الاتفاقية للمشاركة، وقال إن العدل والمساواة أنفسهم كانوا جزءاً من إعلان المبادئ وهي حريصة على وجود مكتسبات نوعية لدارفور حتى لو في منبر آخر، موضحاً أن المجتمع الدولي يعمل اليوم على إيجاد منبر دائم في أديس أبابا تعرض فيه كل مشكلات البلاد، وحول مطالبة العدل والمساواة بمنبر بديل أكد خاطر أن الخطوة تأتي في إطار تأكيدها على الحقوق الممكنة والإضافية لأهل دارفور. ونفى أن يكون منبر الدوحة فاشلاً مشيراً إلى التطورات النوعية والأمنية التي تعيشها دارفور وختم حديثه بأن الأمريكان والمجتمع الدولي موجودين في الوثيقة. إذا كانت الحكومة قد سبق لها أن أجرت مفاوضات مع فصيل منشق عن حركة العدل والمساواة بالعاصمة القطرية وأسفر ذلك عن توقيع اتفاق سلام في «2012» على أساس وثيقة الدوحة للسلام فهل يمكن أن تتراجع عن موقفها مرة أخرى بقيام منبر جديد بديل للدوحة؟ هذا ما ستكشف عنه مقبل الأيام.