أما وقد شرعتُ في جمع المقالات التي نشرتها في كلٍ من موقع "سودانيز أون لاين" وموقع "الراكوبة" تمهيداً لفرزها، وتعديلها، وتنقيحها، توطئةً لتضمينها في الجزء الثاني من كتابي "ذكريات وخواطر" - الذي صدر الجزء الأول منه في سبتمبر 2001 - رأيت لزاماً وواجباً عليّ – بعد فضل الله - أن أشير لهذين الموقعين اللذيْن لولاهما لما خطّت يميني حرفاً واحداً. إن الكتابة ليست بالشيء اليسير أو الأمر الهيِّن، وهذا لا يرجع لضعف في قدرات الكاتب، ولكن لأن الكتابة تحتاج باستمرار إلى حافزٍ أو جرعةٍ من الحماس لتمضي إلى غاياتها. وقد كانت تلك المواقع وما زالت تواصل رسالتها في ذلك الاتجاه، يعينها على ذلك تفاعل القُرّاء مع ما يُسطِّره أولئك الُكتّاب، وسواءً كان ذلك التفاعل في صورة تقريظ أو كان نقداً في مضمون ما أورده الكاتب من آراء، فانه في النهاية يصب في مصلحة الكاتب عندما يستفز دواخله فيُحرِّضه على مواصلة الكتابة. وعوْداً إلى أهمية تلك العوامل التحريضية أسرد في هذه الجزئية، مشواري مع الكتابة وكيف تأثّر سلباً أو إيجاباً في وجود تلك العوامل أو غيابها. في أكتوبر من عام 1988 خلال وجودي في "أبوظبي"، اقترح عليّ بعض الأصدقاء أن أسعى للعمل في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية. كانت تُهيمِن على تلك المؤسسة الصحفية- آنذاك- جنسيةٌ بعينها جعلت من الصحيفة قلعةً حصينة ليس من السهل اختراقها فمجرد أن ترصُد أجهزة "الرادار" خطوات زائر في الطريق حتى تشرع تلك المجموعة في شحذ أسلحتها ووضع كافة أنواع العراقيل و العقبات أمام الزائر إلى أن يصيبه اليأس و يُرَدّ على عقبيه خاسئاً وهو حسير. و قبل أن استطرد في الحديث عن كيفية اختراقي لذلك الحصن المنيع، أقول أنني قد تسللت إليه عبر بوابة مجلة "ماجد" للأطفال، إذ أنني قد عملت لفترة محررة بمجلة "الصبيان" التابعة لدار النشر التربوي بالخرطوم.. وهكذا تمكنت بما معي من شهادة خبرة و بمعاونة صديقة تعمل في المؤسسة .. تمكنت من "تسريب" قصة للأطفال اطَّلَع عليها رئيس تحرير المجلة و تمّ نشرها في موقع قصة العدد ...عاودت عن طريق تلك الصديقة " تسريب" قصةٍ أخرى أثارت انتباه و فضول الرجل فأرسل في طلبي. و بعد التحايا و السلام أخبرني انه عادةً لا يحرص على توظيف "الستات"، و لكنه سيتجاوز عن ذلك الشرط بالنسبة لشخصي. بعد عدة أيام اتصل رئيس تحرير المجلة ليبلغني أن المسئولين اعتذروا بحُجة أن ميزانية المجلة لا تسمح بتعيين محررين جدد، و لكن يمكنني أن أشارك بكتابة قصة العدد مقابل عائدٍ مادي مجزٍ. وفعلاً واظبت على كتابة قصة العدد في المجلة .. و لما كانت أطماع ابن آدم لا تقف عند حد، فقد تمكنتُ و عن طريق تلك الصديقة أيضاً من "تسريب" مقالة إلى الصحيفة الأم - جريدة "الاتحاد" الإماراتية- مع التأكيد "لأولي الأمر" أنني لا أبغي من وراء نشرها "جزاءً و لا شكوراً". وفعلاً اطلع عليها رئيس تحرير الصحيفة و"أفتى" بصلاحيتها. أرسلتُ مقالاً ثانياً تمّ على إثره إدراجي ضمن كُتّاب "واحة" صحيفة "الاتحاد" الإمارتية، و هم نخبة مختارة من الكُتّاب و الأدباء من مختلف البلدان العربية أمثال المرحوم الدكتور "نجيب الكيلاني" و الدكتور "الزين عباس عمارة" و الأستاذ "علي أبو الريش" و آخرون. و بما أنني كنت العنصر النسائي الوحيد وسط تلك المجموعة فقد أمدّني ذلك بطاقةٍ من الحماس يحتاجها من كان مثلي ممن يميلون إلى الكسل و يفضّلون الجلوس في شُرفة القُرّاء .. وهكذا واصلت الكتابة في مجلة "ماجد" وفى صحيفة "الاتحاد" الإماراتية لمدة عامين إلى أن قام "صدام حسين" بغزوه المفاجئ لدولة "الكويت" في عام 1990، فتغيّر تبويب الجريدة تبعاً لمستجدات الحرب و توقفت"واحة" صحيفة الاتحاد نهائياً. ترك توقف "واحة" صحيفة "الاتحاد" أثراً سلبياً على رغبتي في الكتابة بوجهٍ عام، فتوقفتُ أيضاً عن المشاركة بكتابة قصة العدد لمجلة "ماجد" للأطفال رغم محاولات رئيس التحرير المتكررة في أن أواصل معهم و لكنني كنت قد فقدتُ حماسي و ركنت إلى الكسل. و بهذه المناسبة سأظل اذكر دوماً و بكثيرٍ من الشكر و الامتنان فضل الأخ الكريم "محمود صالح عثمان صالح" راعي مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي الذي شجّعني على جمع مقالاتي المنشورة في كلٍ من صحيفة "الاتحاد" الإماراتية و صحيفة "الخرطوم" و تكفّل المركز بنشرها في كتاب تحت عنوان "ذكريات و خواطر" كما نشر لي المركز أيضاً كتاباً للأطفال بعنوان "القافلة" تضمَّن مجموعة القصص التي نشرتها بمجلة "ماجد" للأطفال. الصحيفة الثانية التي مارستُ فيها الكتابة مجدداً كانت جريدة "الخرطوم"، فعندما التحق اثنان من أبنائي في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، قررتُ و زوجي أن أبقى معهما لبعض الوقت إلى أن تستقيم أمورهما. و لما كانت جريدة "الخرطوم" في ذلك الوقت تصدر من "القاهرة" فقد حملت معي تجربتي المبتسرة في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية إلى أستاذنا "السر قدور" لتبدأ مسيرتي الثانية في صحبة الكلمة، فداومت على الكتابة منذ أكتوبر 1997 وحتى يوليو 1999 إلى أن جاء الحدث الذي جعلني أتوقف عن الكتابة. في مساء يوم الخميس الموافق للثلاثين من سبتمبر من عام 1999 وصلتُ "القاهرة" بكامل صحتي و موفور عافيتي-علماً بأنني لم أشكو أو أعاني من أي مرضٍ أو عارضٍ صحي طوال حياتي - وغادرتها إلى "أبو ظبي" صباح الأحد على كرسيٍّ متحرك بعد أن هبط عليّ فجأة و بدون سابق إنذار مرضٌ نادر يُطلَق عليه متلازمة "جليان-باري" على اسم مكتشفيه الفرنسيين....هذا المرض يسببه فيروس يتسلل إلى الجسم عن طريق نزلة برد أو بعد عملية جراحية و ثبتت إصابات لبعض النساء بعد عملية الولادة إلى جانب أسباب أخرى لا تزال مجهولة كما في حالتي. هذا الفيروس يصيب أعصاب الجسم بالتلف و يؤثر بالتالي على العضلات فيضعفها ثم يشلها. والحمد لله الذي حباني برحمة من لدنه فأنعم عليّ بالشفاء التام خلال عامٍ واحد، ولم يتبقّ لي من تلك التجربة سوى أطيافٍ من ذكرى باهتة. نشرتُ تفاصيل تجربتي المرضية تلك في كتاب بعنوان "في نفقٍ مظلم بين الحياة و الموت"، كما نُشِر أيضاً في بعض المواقع الإلكترونية العامة و المواقع الطبية تحت عنوان "قصتي مع مرضٍ نادر و قاتل". وهكذا توقفت عن الكتابة للمرة "الثانية" التي حسبتها ستكون الأخيرة ! وأخيراً أتقدم بالشكر نيابةً عن القُرّاء لجميع كُتّاب تلك المواقع وهم يرفدون الساحة بمختلف الآراء و الأفكار في كافة المجالات. مرةً أخرى الشكر أجزله ل"بكرى أبو بكر" صاحب موقع "سودانيز أون لاين" ومثله للقائمين على موقع "الراكوبة" ولكل القُرّاء في مشارق الأرض ومغاربها. وحتى نلتقي لكم مني جميعاً أطيب التحايا وأصدقها. بدور عبدالمنعم عبداللطيف [email protected]