فى ظل الواقع السياسى والاجتماعى الراهن الذى يعيشه السودان حالياً والذى يتمظهر فى اشتعال فتيلة الحرب فى جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق ( جنوب السودان الحالى) اضافة دارفور التى ظلت مشتعلة بها ومنذ مايفوق العشرة اعوام وللفشل البائن لحكومة المؤتمر الوطنى فى ادارة البلاد فى كافة النواحى وخصوصا الجانب التنموى وخلقها لعلاقات مميزة مع دولة جنوب السودان مما ادى الى وقف تدفق النفط والذى يعتبر العمود الفقرى للاقتصاد السودانى والذى قاد الى ارتفاع اسعار فى كافة السلع والمواد فى الاسواق السودانية والذى قاد بدوره الى خروج الالاف من السودانيين فى احتجاجات فى معظم المدن الكبيرة بما فيها الخرطوم والذى عبر عنه البعض بأعتباره بداية للربيع السودانى الذى سينتهى بسقوط نظام الانقاذ على وتيرة الربيع العربى الذى اجتاح الدول العربية ونتج منه التغيير فى دولتين مجاورتين للسودان وهما مصر وليبيا . أن هذه الاحتجاجات فى راينا هى استمرار طبيعى للاحتجاجات التى ظل العديد من السودانيين يقومون بها وذلك على مستوى الداخل وخارج السودان طلباً الى تغيير الاوضاع فى الدولة السودانية بزوال نظام الانقاذ ولكن وقبل التعبير عن مدى تضامناً او ابدائنا للملاحظات حول هذه الاحتجاجات المدنية فأنه لابد من أن نعى أن المسألة ليست هى تغيير نظام الانقاذ على مستوى السلطة فقط فالازمة السودانية ازمة متجزرة وذات بعد تاريخى يتجاوز ماقبل مجى المؤتمر الوطنى الى السلطة فالسياسات المركزية التى استنها المستعمر ومن ثم اورثها للحكومات السودانية منذ الاستقلال سوى ان كانت حكومات عسكرية او مدنية (نتاج ديمقراطية مشوهة) فقد ظلت هذه الحكومات منحازة فى سياساتها الى المكون الاجتماعى الاسلاموعروبى فى السودان متجاهلة كل التكوينات الاجتماعية الاخرى فى السودان مما قاد الى احادية فى التوجهات ادت الى الفشل الزريع فى ادارة التنوع الاثنى والدينى والجهوى فى السودان و فى راينا أن التغيير لايأتى الا بأحداث نقلة حقيقية فى وعى المجتمع وتنظيماته السياسية والمدنية بهذا التنوع العرقى والدينى والجهوى واستيعابه فى استراتيجيات ادارة الدولة السودانية الا وكان الفشل هو نتاج حتمى لاى ادارة للدولة وان لم يكن المؤتمر الوطنى جزء منها . إن الحركة الشعبية لتحرير السودان لاتعدو أن تكون نتاج موضوعى لهذا الفشل التاريخى فى ادارة تنوع الدولة السودانية وظلت ومنذ تأسيسها تنأى عن اعادة انتاج هذه الازمة المعقدة الجوانب وعملت على تقديم نفسها فى اطار فكرى وتنظيمى مغاير لتلك الوضعية المأزومة وقد تلخصت رؤيتها فى بناء سودان جديد علمانى موحد على اسس جديدة تستوعب التنوع التاريخى والمعاصر للسودان وقد عملت طوال مايربو الى الثلاثة قرون على تكوين كيان سودانى ملم بجوهر الازمة السودانية وقد خلقت العديد من التحالفات فى هذا الاطار سوى أن كانت فى اطار احادى مع القوى السياسية السودانية او على مستوى اشمل تمثل فى التجمع الوطنى الديمقراطى( ميثاق اسمرا للقضايا المصيرية1995م) و من ثم تحالف كاودا واحاليا ميثاق الفجر الجديد وبغض النظر عن مدى نجاح هذه التحالفات او فشلها فأن التغيير لابد أن يستصحب حتمية مشاركة القوى الاجتماعية والسياسية والنقابية المختلفة وذلك لمواجهة حكم الانقاذ الذى عمل على تسريع وتيرة الاحادية الاثنية والدينية منذ وصوله للسلطة فى انقلاب 3062012م فقد اضحت القبلية و الفساد الادارى والمالى والمحسوبية وتفكك مؤسسات الدولة وانهيار القيم الاخلاقية وتفشى الفقر وانتهاك حقوق الانسان و اشتعال الحروب الاهلية مما ادى الى موت وتشرد ونزوح الملايين من السودانيين و سوء العلاقات الخارجية هى السمات المميزة للسودان حتى اضحى بلدنا من الدول التى تصنف فى اوائل قوائم انتهاك حقوق الانسان والفساد بكل انواعه وعليه فأن رؤية السودان الجديد وبما تحمله من عمق معرفى يستوعب التنوع التاريخى والمعاصر للكيان السودانى تعتبر المشروع الاكثر جدية فى اطار البحث عن طوق نجاة ينتشل الشعب السودانى من دوامة الفشل التى ظل يعيشها منذ استقلال السودان والى الان وقد كان من الحتمى أن يتم تطوير تلك الرؤية و ذلك بتفصيلها الى برامج ومشاريع واقعية قابلة للتفيذ و عاملة على بث الوعى والتبصير بالازمة السودانية مع طرح الحلول لها وذلك وفق منهج علمى احترافى يساهم فيه الجميع بما يمتلكون من زخائر معرفية لمختلف العلوم فقد حاولنا بقدر الامكان تلمس الجوانب المختلفة للازمة السودانية وافاق حلولها لتخضع للنقاش والذى ينبغى النظر اليه كجزء من التغيير الجارى الان فى الساحة السياسية والاجتماعية السودانية الراهنة و الذي أهم أولوياته الفكاك من قبضة الإنقاذ إنما هو تأكيد إلى أنه لا يوجد افق لتغيير سياسي أوإجتماعي يفضي إلى سلامة واستمرارية ما تبقي من الدولة السودانية في ظل قيام دولة الإنقاذ ونحن معنيين تماماً بالتغيير بل نحن نخوض حرباً شرسة فقدنا فيها الكثير من الأرواح الطاهرة وخلقت واقعاً إنسانياً مأساوياً من أجل التغيير، ولأن تجربتنا علمتنا انه قبل المسير التفكير ورسم المسارات وحشد القدرات نرجو أن يأتي هذا الحوار محاولة لمراجعة المسيرة ولحشد طاقات وامكانياتنا جميع الوطنيين الجادين لإحداث تغيير هيكلي يمنح بلادنا فرصة للبقاء والأستمرار المزدهر . ونواصل [email protected]