بابكر محمود النور من الذين أصطفيهم، لأني أجد عنده لذة العقل والقلب وأيضاً لذة الآذن لان حديثه وكتابته تعجب وتطرب . فهو جماع ثقافات وموسوعة معارف ، وكيف لا وهو الملم بالدراسات الشرقية حيث كان تعليمه ، والباحث في أدب الفرنجة بجميع مدارسهم نهل من كل ذلك ما شاء له أن ينهل فتلاقح مجموع ذلك وصنع منه المثقف الممتد ، فلم تستلبه تلك الثقافات كما فعلت بآخرين حينما لبسوا لبوس الغرب فكراً وسلوكاً بل ظل هو ابن شرق السودان يحدثك عن فيكتور هيجو وبوشكين ودستوفيسكى كما يحدثك عن كجراى وأبو أمنة حامد و حسان أبو عاقلة في تواضع هو شيمة العلماء . لم يبطره علمه الغزير الذي تزين به ولم يسرج معارفه لتكون وسيلة كذب دنيوي. فكان أبيا لا يطمع فيما يطمع فيه أهل هذا الزمان لأنه صاحب رأي ومذهب ، لذا لم نجده صاحب تهالك على المنافع العاجلة التي يتهالك عليها أيسر الناس أمراً وأهونهم شأناً فلم يورث عقبه داراً أو عقاراً ولا ساقية ولا راغية بل ورث مجتمعه من المعارف والفضائل . رحم الله بابكر محمود النور وأحسن إليه . جاء القضارف موظفاً في الإعلام فصار من أعلام القضارف . أدار وظيفته بمهنية عالية وراقية ، ودخل قلوب الجميع لارتياده لمجالس المدينة وأنديتها فوجد قبولاً ، لأنه من أقل الناس عبئاً على جلاسه أو ثقلاً على مقاعديه فهو من رهط كريم لا يصدر منه إلا القول الصالح والعمل الصالح . رحم الله أبو فاطمة ما كان يحتوى على قبيح وحتى الذين يبغضونه (كان حالهم حال المجمعين على الحمد). عاش بسيطاً ومات كبيراً ، عزت حياته فتدهورت وفاته . ابتلي في أخريات أيامه في جسمه فصبر . اللهم أنه جاءك لا قوي لينتصر ولا بريء ليتعذر ولا مستكبر بل مستغفر فهو الضعيف إلى رحمتك وأنت الغنى عن عذابه . اللهم أجرنا في مصابه . (بابكرميرغنى الماحى) ****** كَلِمَة \عَبْد الْمُنْعِم أَحْمَد بَله-مُدِير الإدَارَة الْعَامَّة لِلْحُكْم الْمَحَلِّي ––الْقضَارِف –فِي حَفْل تَأْبِين الْمَرْحُوم بَابكر مَحْمُوْد النَّور الَّذِي أَقَامَه مُنْتَدَى شُرُوق الْثَّقَافِي بِالْقضَارِف: (أَبْدَأ حَدِيْثِي بِكَلِمَات قَالَهَا الْشَّاعِر السوري الْمُنَاضِل أَيْمَن أَبُو شعْر حُلُم الْثَّائِر لَيْس زُجَاجَة عِطْر أَو مَفَاتِن سَهْرَة حُلُم الْثَّائِر أَن يَتَخَيَّل شَمْسَا أَن يَتَخَيَّل دُوْن الْشَّمْس سَيَبْنِي قَبْره أفهم شَيْئا أَن رِجَال الْمَبْدَأ مَثَل الْصَّخْرَة أفهم شَيْئا أَن الْبَطَل يُنَاضِل حَتَّى آَخِر قَطْرَه . أَسْتَلْهِم الْرَّاحِل هَذِه الْمَعَانِي وَكَانَت خِيَارَاتِه تُمَثِّل الْخُطُوط الأسَاسِيَّة لإسِهَامَاتِه الْمُتَعَدِّدَة فِي الْعَمَل الْثَّقَافِي وَالْفِكْرِي وَالتَوْثِيْقي . عَرَفْنَاه فِي مَدِينَة القضارف مُشَارِكَا فِي الأفْرَاح وَالأتْرَاح يَتَقَدَّم الآخِرِين ، كَان يَمْلِك فِكرَاً وَدُعَابَة تَعْلُو وَجْهَه الابْتِسَامَة فِي أَحْلَك الْظُّرُوف وَالأوْقَات َلم يَكُن كَآخَرِين (رِجَال لِكُل الْمَوَائِد) ، بَل كَانَت مائدته وَاحِدَة . كَان عَزِيز النّفس وَكَانَت الْدُّنْيَا عِنْدَه تَسَاوَى قَبْض الْرِّيح . سَمِعْتُه ذَات مَرَّة يَرد عَلَي سُؤَال مِن يُدَاعِبُه: (أَنْت تُمَثِّل قَامَة سَامِقَة فِي الْتَّأْهِيل وَالْفِكْر وَالأدَب ......كَيْف تُطِيق صُحْبَة مَن هُو أَدْنَي مِنْك قَامَة فِي الْتَّأْهِيل وَالْمَعْرِفَة ؟) وَكَان رَده بِأَرْيحيتِه الْمَعْهُودَة (هَذَا الْشِّبْل مِن ذَاك الأسْد) وَأَحْيَانا (لَمّا يِجِي الْزَّمَن الْفلانِي). رَأَيْنَاه وَهو الْمُوَظَّف الْكَبِير كَان َفِي تَوَاضع الْعُلَمَاء، يَرْكَب الْمُوَاصَلات لِجَمْع الْمَعْلُومَات الْمُكَلَّف بِهَا دُونَمَا مَلَل وَدُونَمَا تُبرَم أَو ضيق ، كَان مِن ظُرَفَاء الْمَدِينَة يُوَزِّع الْفَرَح وَالابْتِسَامَات فِي كُل الْمَوَاقِع فِي الْبَيْت.. فِي الْشَّارِع ... فِي الْمَكْتَب ... فِي مَكْتَبَة الْمَجْذُوب أَو أَمَام كُشْك الْجَرَائِد .. انَّه رَجُل مِن الْزَّمَن الجمِيل ... وَلَعَل الْرَّائِع الْقَاص الأسْتَاذ مُبَارَك الْصَّادِق كَان يَعْنِي أمثاله فِي قِصَّتِه الْصَّغِيْرَة (رَجُل مِن ذَلِك الْزَّمَن) لَقَد كَان الْعَزِيز الْرَّاحِل رَائِدَا مِن رُوَّاد الْفِكْر وَالاسْتِنَارة ، وَكَان مَهْمُومِا بِحَق حُرِّيَّة الْتَعْبِير ، وَكَان يَتَوَقَّف كَثِيْرَا عِنْد الْرَّأْى الْقَائِل: (أَن الْتَّعْبِيْر الْخَاص بِإِثَارَة الْكَرَاهِيَة أَيَا كَان لا يَدْخُل إِطْلاقا فِي حُرِّيَة الْتَّعْبيْر الْمَنْصُوص عَنْهَا فِي الإعلان الْعَالَمِي لِحُقُوق الإنسان ) وَلَكُم أَن تَتَأَمَّلُوْا عُمْق هَذَا الْحَدِيْث. أَتَرَحَّم عَلَي الْفَقِيد وَأَدْعُو الْحَاضِرِين إِلَي تَّأْسِيس مَرْكَز الْمَرْحُوم بَابكر مَحْمُود الْنُّور لِلاسْتِنَارَة بِالْقضَارِف. ) الطيب محمود النور [email protected]