1-
ما زلت أذكر ذلك الراديو، أو ( الرّادي)كما كان كبارنا يختصرون اسمه، ماركة ( فيلبس)، وكيف كان والدي يجلس قربه، محركاً مؤشره، متنقلاً بين إذاعة لندن و إذاعة أم درمان. علبة سحرية بأزرارها الكبيرة، وقماشتها السميكة، وخشبها البني المصقول، والشاشة (...)
بابكر محمود النور من الذين أصطفيهم، لأني أجد عنده لذة العقل والقلب وأيضاً لذة الآذن لان حديثه وكتابته تعجب وتطرب . فهو جماع ثقافات وموسوعة معارف ، وكيف لا وهو الملم بالدراسات الشرقية حيث كان تعليمه ، والباحث في أدب الفرنجة بجميع مدارسهم نهل من كل (...)
سلاماً أيها النحيل الطويل، الطويل كعمود من الدخان ... الباسق... السامق ... الوافر الظل والعطاء كالنخل العراقي ... ها أنا ذا دفنت أغنياتي الخضراء في جحيم جوفي وبكيت. ما أبطأ الليل يذر الوقت مثل قطع الزجاج في العيون . مثل الملح في الجراح ... الله يا (...)
1-
أحدث بابكر، نقلة نوعية في محتوى النشرة الأسبوعية، التي كانت تصدر من مكتب الثقافة والإعلام، وأخرجها من دوامة الرتابة المملة إلى رحابٍ أشمل، باستحداث صفحة فيها بعنوان ( الناس والمدينة)، يتلمس من خلالها نبض الشارع، ويسلط الضوء على الممارسات الخاطئة، (...)
1-
لا تَأْتِي الْرِّيَاح بِمَا يَشْتَهِي السَّفِنُ. عاد بابكر إلى أرض الوطن حاملاً شهاداته الأكاديمية ومعها طموحاته الشخصية، آملاً إحداث نقلة نوعية في تخصصه (الإخراج التلفزيوني ).
قدم أوراقه لوزارة الثقافة والإعلام، التي كانت حينها معنية بأمر (...)
بابكر محمود النور – الرحيل بصمت 4-6
1-
فترة دراسة بابكر بجامعة موسكو، تميزت بالكثير من الحراك الثقافي، والاحتكاك بالعديد من المبدعين السودانيين والعرب، وهذا هو المناخ الذي يحبه ويعشقه. بابكر يعرف تماما كيف يقرأ، منذ صغره كان أسلوبه في القراءة (...)
بابكر محمود النور – مثلما جاء رحل 3-6
(الاستعداد للسفر يحتاج إلى إظهار درجة مقدرة من الحزم، هذا ما أجدته لئلاً ينهار تماسكي (الهش) أمام الحشد المتواضع الذي جاء لوداعي بعيون علقت دموعها على محاجرها وفاض بعضها مع فيض الدعاء والأمنيات بالسفر الموفق (...)
– 1
جاء بابكر، ابن الصول محمود النور، إلى الدنيا بهدوء، وغادرها بهدوء. وبين المجيء والمغادرة، عاش حياة مليئة بالمفارقات. لعب فيها طموحه دوراً مؤثراً، أطّر لمسيرة حياته فيما بعد. سكن مدناً مختلفة، وسكنته مدينة واحدة، عشقها عشقاً خرافياً. خاف عليها من (...)
1-
هكذا بدأ الأمر، ثم تدرج حتى إذ بلغ منتهاه، كان في مجمله درساً بليغاً لا ينسى.
ذلك اليوم، وخز قلبي طبيب القومسيون الطبي بكلمتين، أحسست بعدهما بأني على وشك الانهيار:
- نظرك ضعيف
ورفض التوقيع على أوراق صلاحيتي للوظيفة، التي عانيت ما عانيت لأظفر بها، (...)
1-
إن دَعَاكَ العميد لمشاهدة فيلم سينمائي، فلا تعتقد أن الأمر سينتهي بمجرد خروجكما من دار السينما، بعد الاستمتاع بمشاهدة الفيلم. فالعميد يختار الأفلام التي يذهب لمشاهدتها بعنايةٍ فائقة، وفي دور عرضٍ محددة،
( سينما النيل الأزرق، أو صالة العرض، بقاعة (...)
السينما الشرقية- فرح البداية وتراجيديا النهاية
البداية
1-
أطلق إنشاء السينما بمدينة كسلا في نهاية الأربعينات, صافرة النهاية لعقودٍ من الانغلاق, وانعدام وسائل الترفيه, و(النوم من المغرب), حيث كانت التسلية المتاحة حكايات(الزير سالم)و(عنترة) و(ابوزيد (...)
حياة الترحال الفصلية، ما بين شمال الإقليم وجنوبه صيفاً وخريفاً، اضطرت الرشايدة لإيجاد محطاتٍ في طريق ترحالهم، يستريحون فيها من عناء السفر، ويتزودون فيها بما يكفيهم لمواصلة رحلتهم. وكان حوش الزبيدية بمدينة كسلا، أهم هذه المحطات.
كان موقع الحوش، في (...)
كانت الخلاوي منتشرة في أحياء المدينة، يرتادها صغار الصبية وكبارهم, بعضها يشرف عليها (مشايخ) مؤهلين، متمكنين. والقليل منها أُبتلي بمشايخ كل مؤهلاتهم حفظهم لبعض السور, وعصا غليظة.
كل ذلك لا يهم بالنسبة لأولياء الأمور، المهم إيجاد مكان لإيواء الصبية (...)
1-
والوكالة بمدينةكسلا، مبنى طيني بمساحة كبيرة، تواجه من جهة الشرق، مبنى المجلس البلدي (المحلية)، بناها قبل خمسة أو ستة عقود، رجلٌ من أهل شندي، مناصفة مع السادة المراغنة.
بُنيت الوكالة في شكل مستطيل بجناحين، شمالي وجنوبي، تفصل بينهما ساحة واسعة، (...)
الغنيمة..رغيف الاسبتالية
تغمرنا السعادة، حين نسمع كبارنا يقولون:
- فلان الليلة رقدوه اسبتالية (مستشفى)، أو استبالية كما تقول جدتي.
وكلمة اسبتالية، كلمة انجليزية استخدمها أهلنا كما هي، ولمدة من الزمن صعُبت عليهم كلمة مستشفى، فأمعنوا فيها تقديماً (...)
وأم نِويوِيرة ، هي علبة من الصفيح صغيرة الحجم، برع في صناعتها مشاهير السمكرية في المدينة، أمثال الأسطىى ( خليل كوم اللوم)، الذي يتسلطن وهو يقوم بعمله، فيردد بصوته الجميل القوي المتفرد :
فيك صور المحاسن ظهرت لي عيان
موسيقي حديثك مع سحر البيان
وإذا (...)
- الما أكل نيفة عطا المنان ..نص عمرو ضايع.
مقولة يرددها ود بخيتة وهو (يكركع) عبَّار المريسة، ليهضم به رأس النيفة الحار، الذي استأثر به لوحده.
كان ذلك في غابر الأزمان، تحديداً بداية خمسينات القرن الماضي.
الآن، وأنا أعبر الطريق من أمام مدرسة الشيماء (...)
بيت النَّمِل – أيام مضت
– 1
أولئك النفر من شباب حلتنا، بحركةِ دخولهم وخروجهم الدائبة، من مغيبِ الشمس حتى ما قبل منتصف الليل، من والى ذلك البيت الطيني المتهالِك، في بداية شارع بيتنا من ناحية الغرب، والذي هو أشبه بالجحر، والمكوّن من غرفة منخفضة السقف، (...)
1-
بعد تخرجه من المعهد، وبطبيعته المنحازة إلى عالم الأضواء والحفلات وميله للحياة الراقية، متسلحاً بأناقة يحرص عليها كل الحرص، صار فتحي يقضي جلَّ عطلته الصيفية بالخرطوم. يرافق فرق الجاز التي ظهرت آنذاك، مقدمة عروضها الموسيقية الراقصة بصالات العاصمة (...)
مأساة الأستاذ فتحي -1
-1
حين لطمني (أزهرى)، ابن خالته، بالخبر المُفجِع، زُلزلَت دواخلي، وأصابني ما يشبه الإغماء، وتقزَّمت أمام عيني البنايات الشاهقة، وبدت لي أصوات البشر وأبواق السيارات، وكأنها تأتي من غورٍ سحيق:
- فتحي اتوفى
- كيف ؟ مالو ؟ كان عيان (...)
- 1
حين أصادفه داخل كنتين (اليماني)، عصر كل يوم، وهو يشتري سجائره بالجملة، ويدفع الثمن نقداً، كنت أَعجَبُ من نوعية ملابسه الفاخرة، والعطر الباريسي الذي يفوح من أردانه، ونظارة البيرسول المظلّلة، ومبسم السيجار، والخواتم الذهبية التي تزين أصابع يديه، (...)