أكثر من وجه للمقارنة بين اعتقال الإمام الصادق المهدي ورئيس حزب المؤتمر السودني ابراهيم الشيخ، ومن ذلك طبيعة الاتهام لكليهما بسبب انتقاد قوات الدعم السريع.. ومثلما تم الافراج عن المهدي فإن الانظار تتجه إلى النهود حيث يعتقل ابراهيم الشيخ الذي يرفض حزبه الوساطة للافراج عنه ويتمسك باجراء المحاكمة. وتشمل المقارنة ظروف اعتقال الرجلين، ففي حين لم نسمع من المقربين من الصادق أنه اعتقل في مكان غير لائق، فقد سمعنا من ابراهيم الشيخ نفسه، ساعة اعتقاله، أنه وضع في حجرة واحدة ضمته مع 12 آخرين.. وتختلف أوضاع الرجلين في مناح عدة، فالسيد الصادق المهدي ذهب إلى سجن كوبر وظهره محمي، بوجود ابنه في رئاسة الجمهورية، على الرغم من محاولات المهدي النأي بحزبه عن هذه العلاقة مع الحكومة،بينما أرادت السلطة ردع مناهضيها بالقول أنه لا كبير على القانون. وقد خرج المهدي من دائرة الحوار إلى السجن وها هو يعود مرة أخرى إلى ذات الدائرة وبتصريحات جاء فيها: الحوار أو النار.. ومن الواضح ان التعامل مع رجل ارتضى الحوار مع السلطة يختلف عن التعامل مع ابراهيم الشيخ الرافض للحوار والمغضوب عليه والذي تتجاوز دعوته السلمية للتغيير مجرد الخرطوم إلى مناطق التماس وما وراء خطوط التماس.. وعلى الرغم من حالة التعتيم فقد نحجت وسائط الإعلام الحديثة في نقل مستجدات وتداعيات اعتقال رئيس حزب المؤتمر السوداني حية على الهواء من النهود، بينما لاحقت أجهزة الأمن الصحفيين الذي هرعوا لمتابعة الأحداث في تلك المدينة الواقعة في ولاية غرب كردفان واعتقلت الصحفي حسن اسحق.. وأثار اعتقال الشيخ وما يحيط به علامات استفهام جمة، أولها لماذا تم الاعتقال في النهود خاصة وأن التهمة، وهي انتقاد قوات الدعم السريع، كانت قد توفرت مسبقا في الخرطوم وتحديدا في ندوة القوى الاشتراكية بالبراري والتي تحدث فيها الشيخ عن تلك القوات.. ووضع الاعتقال النهود في دائرة الضوء، وانفتحت خطوط عدة بينها والعاصمة تحمل الأخبار والتعليقات والتوقعات والتنديدات، وانبرى لمهمة الدفاع نحو 75 محاميا من جميع أنحاء السودان بقيادة فاروق أبو عيسى، وبينهم أسماء لامعة مثل كمال الجزولي وساطع الحاج ، وقد وصل بعض من هؤلاء بالفعل إلى النهود للدفاع عن هذا السياسي الذي بات يشكل قلقا مضاعفا للنظام، فهو ضد الحوار الواهن الذي نفض بعض الذين ايدوه ايديهم منه بسبب سياسات النظام غير المواتية لهذا الأمر. وكان ابراهيم الشيخ رفض لقاء على عثمان طه النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، في اطار السعي لدعوة أحزاب المعارضة للحوار، كما أن الشيخ ينادي باقتلاع النظام من جذوره لأنه فشل في ادارة البلاد وبات يشكل خطرا على وحدة ما تبقى منها.. وسخر من حوار يتناول موضوع الحريات وقال عن ذلك في لقاء صحفي: كيف نتحاور حول الحريات وهي منصوص عليها في الدستور؟ ويواجه ابراهيم الشيخ عقوبة الاعدام، وهي ذات العقوبة التي كانت تنتظر المهدي قبل شطب البلاغ ضده والافراج عنه، واستند كل من الإمام والشيخ في جانب من نقدهما للدعم السريع إلى ما قام به والي شمال كردفان أحمد هارون الذي تجاوز مجرد انتقاد قوات الدعم السريع إلى طردها من ولايته بعد امهالها 72 ساعة للمغادرة مستجيبا بذلك لضغوط شديدة من مواطني الأبيض الذين طالبوا باخراج تلك القوات من مدينتهم لارتكابها انتهاكات صارخة بحقهم. ويبقى هارون خارج دائرة التحقيق، ولا مجال هنا للتساؤل عما إذا كان سيواجه عقوبة الإعدم، لكن هل سيطال الحكم تلك الآلاف من أبناء الأبيض، الذين تظاهروا ضد الدعم السريع؟ وقد اعتقل ابراهيم الشيخ في مسقط رأسه الذي يحظى فيه بتأييد كبير ليس فقط من قاعدته الحزبية ولكن أيضا من الكثيرين من أبناء المنطقة، فهو دائم التواجد بينهم بما أتاح له موقعا متفردا مقارنة بالزعماء السياسيين الآخرين، فالرجل يتوفر على طاقة سياسية فاعلة وعلى نشاط جم يتمظهر في الانتقال إلى مختلف أنحاء السودان، وكانت هناك زيارة مشهودة له لولاية غرب دارفور. ويقدر أهل كردفان لابراهيم الشيخ، بصفه خاصة، مسارعته في تلبية بعض احتياجاتهم وتتعلق في الغالب بالمياه والتعليم والصحة.. وتتمثل فاعليته السياسية من جانب آخر في حضوره الدائم للندوات السياسية والتظاهرات خاصة في هبة سبتمبر حيث كان وسط الشباب المتظاهرين، ورأي بأم عينيه القمع الشديد الذي افضى إلى استشهاد أكثر من مائتي من الشباب، وقد تم يومها اعتقاله .. لهذا ولغيره فإن انتقاد الدعم السريع أريد له أن يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فنهاك تربص واضح بالرجل، خاصة وأن هذه الحيوية السياسية التي يتمتع بها رئيس المؤتمر السوداني تشكل سيلا جارفا أمام نظام يتهاوى بالفعل،ويجيئ الاعتقال والتلويح بالاعدام في اطار السعي للحد من هذه الموجات العاتية للمعارضة السلمية للنظام.. عبد الرحمن زروق [email protected]