عندما دفعت أول شركة بإنتاجها من المصاعد (الأسانسيرات) الكهربائية إلى السوق.. اشتكى البعض من البطء في حركتها.. ولم تكن التكنلوجيا تسمح للشركة المنتجة أن تزيد سرعة المصعد أكثر من ذلك.. فاحتارت ماذا تفعل.. أحد مهندسي الشركة وجد الحل.. (تركيب مرآة داخل المصعد).. كلما دخل إلى المصعد راكب انشغل بالنظر في المرآة وإصلاح هندامه ومظهره فلا يحس بالزمن إلى أن يجد الباب مفتوحاً للخروج.. فأصبحت عادة لشركات إنتاج المصاعد تركيب مرآة كبيرة ومن جميع الزوايا.. هذا الحل الذي توصلت إليه شركة إنتاج المصاعد يشبه الحال الماثل في السودان.. عانى الناس من انقطاع الكهرباء ورصيفتها الماء.. وكلما تضجر الناس ورفعوا أصواتهم بالشكاوى زادت ساعات (البرمجة) وتقاربت.. وقضى الناس أشق صيام في رمضان.. في الصيف القائظ بالحرارة.. لكن يبدو أن الجهات المسؤولة عن الكهرباء توصلت إلى نفس فكرة شركة المصاعد.. وضع (المراية) داخل المصعد لينشغل الراكب حتى يصل. فجأة ومن بين براثن المشهد الصعب كشفت وزارة الكهرباء عن نيتها رفع سعر الاستهلاك.. ولم تنتظر هيئة المياه هي الأخرى وقالت وبالفم المفتوح على مصراعيه (زيادتنا 100%).. وبسرعة تحول الناس للنظر في (المرآة).. تحولت المعركة من القطوعات والبرمجة إلى (الفاتورة)!! وبدلاً من رجاء رفع قطوعات الكهرباء تحول المشهد السياسي إلى استجداء الإبقاء على (الفاتورة).. وأغلب ظني أن الشعب السوداني سيفوز في النهاية ليس بإحدى الحسنيين؛ انتهاء برمجة القطوعات والإبقاء على السعر كماهو.. بل بكلتا السيئتين استمرار برمجة القطوعات مع رفع سعر الاستهلاك (الفاتورة).. والسبب!! لأن الحكومة في حالة انفراد كامل بالشعب.. وما اختلت الحكومة بالشعب إلا كان الشيطان ثالثهما.. غياب المنافسة السياسية.. وسكون الليل في المشهد السياسي كل ذلك من محبطات الهمة وموجبات تعطل روح التحدي أو حتى روح الإحساس ب(الخطر) من الأزمات.. والمؤتمر الوطني من فرط احتكاره للحركة والسكون في البلاد.. وضعف الحالة السياسية المنافسة له.. تحول إلى مجرد كائن حي يقتات من (اليوميات) روتين وعمل سياسي وتنفيذي بأقل همة غير محفز بروح التحدي ومجباهة التنافس.. مع غياب النشاط السياسي الجاد بدأت أخبار الأزمات تطفو.. وبدلاً من أثير سوداني يفيض بالحيوية.. راجت أحاديث الإحباط المفضي لليأس.. وأصبح إدمان التسلي بالفواجع هو الخطر الماثل المحيق الحقيقي. ركود المشهد السياسي ليس دليل عافية.. هو برهان على توقف الذهن السياسي السوداني ورفع يديه عالياً لإشهار حالة (العطل) الكامل. قرابة المائة حزب في السودان ومع ذلك لا ندوة سياسية واحدة ولا ورشة عمل ولا مؤتمر ولا .. ولا.. فقط هي تلك التصريحات السهلة الباردة التي تطلق (أرض-أرض) من منصات الإعلام المجاني في الصحف وغيرها من الوسائط.. وكلها تدور في ساقية فارغة ما عاد الشعب قادراً على ضجرها ومللها المقيت. المشكلة ليس في انقطاع الكهرباء.. بل في انقطاع الرجاء.. التيار