بقلم: د.محمد عبدالقادر هلال كانت تلك سنوات الشباب والأمل المتجدد والإنطلاق بسفينة الإبحار للعالم الجديد. تلك سنوات كان فيها التيار الفكري الإشتراكي في مقدمة التجديد للحياة السياسية والإجتماعية في السودان. كانت سيرة عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة من الأسماء التي ترن في الأسماع و التي شكلت وجداننا و دعمت أفكارنا المتطلعة إلي عالم جديد خالٍ من الظلم, مضطرم بالحرية والسلام, و رؤية مستقبل يضج بالصفاء والضياء والضحك. الآن و بعد مرور ثلاثة عقود علي رحيله, يصدر هذا الكتاب الذي قد يكون أصغر من عالم الوسيلة الشاسع. دخل الوسيلة الحرب ضد الروح الموروثة و ضد الجمود المتراكم في طبقات مجتمعنا, ثم دخل حرباً ضد كل ما يقتل الإنسان و يمرغ كرامته في وحل المضطهِدين والمستقلين. هنا كان الوسيلة هو الفارس الذي يقف علي حد السكين ليعبد طريقاً تقف عليه الأجيال القادمة و رؤوسها مرفوعة بإتجاه السماء. و قد إستطاع آنذاك أن يروي روح شعب السودان مقتحماً, بين تلك الكوكبة من الرجال الشرفاء:عبدالخالق محجوب و حسن الطاهر زروق و قاسم أمين و جوزيف قرنق و بقية ذلك الرهط من الرجال الشرفاء حيث مضي الوسيلة في الطريق الذي شقوه بالأظافر و بالمهج و الأرواح. لم يمتط جواد السياسة الرابح ولا الجواد المطلوب للانخراط في مسيرة المجد الشخصي حيث لا مجد يدوم غير مجد السنبلة. بل عرف ببصيرة المثقف العضوي أن التغيير الحتمي لابد أن يكون من أجل الإنسان. لم يكتفِ الوسيلة بإشاعة الفكر الماركسي الذي حمله, يجري مع دمه في الوريد و لم يحمله زعيقاً في فمه تذروه الرياح.تقدم الوسيلة في دروب النضال من أجل الإشتراكية من أوسع أبوابه و إقتحم مجال الترجمة و النثر و قدم روائع شكسبير و أراقون و نيرودا و لوركا و ايلوار و ناظم حكمت و غيرهم و قدم كل ما يشابههم لدي اللغات الأخري من شعر و مسرح و قصة, و كانت كتاباته أشبه بملحمة روحية أو فنار يتربع علي بحر لجي متلاطم الأمواج, من أجل إشاعة الثقافة الروحية المنافحة و كذلك من أجل ترقية الروح الأنسان في السودان و أملاً علي طريق التقدم والعدالة الإجتماعية و شاهداً من شهود عصرنا و آمال شعبنا الكبار. هذا هو الوسيلة مجسداً لروعة الإنسان الذي مضي في طريقه و لم يلتفت إلي الوراء و لم يوجد من يجبره علي ذلك. السلام عليه في الخالدين.