أنا أيها الناس أتمتع بأمية قانونية مستفحلة. ربما أكبر من (أمية( الإدارة المركزية. وكل معلوماتي القانونية هي فقرة تقول: (راينولدز فيرساس فلتشر آند ليابيليتي فور فاير Reynolds vs Fletcher and liability for fire أو )دليقيتاس نن بوتاس دليقاري Delegatus non potest delegare). وهذه اللغة السريانية حفطتها من الأخ المرحوم الشيخ رحمة الله عندما كنا نسكن في داخلية بحر العرب وكان يعطيني كتاب القانون ليسمع لي ما حفظه. هذا باختصار هو كل حظي من القانون مع إنني كنت من المواظبين لجلساتهم التي يمثل فيها الترافع في بعض القضايا الإخوة علي سليمان ومحمد يوسف أبوحريرة و الجيلي عبدالمنعم ومحمد الفاتح سكرية وغيرهم من طلاب القانون في ذلك الزمن. وقبل سنوات حضرت إجتماعاً عقد بمدارس المليك بأم درمان ترأسه الأخ المحامي الضليع كمال الجزولي وكان من ضمن أهدافه إزالة الأمية القانونية وتبصرة المواطنين بحقوقهم التي كفلها لهم القانون فأنا مثلاً لو جاءني شرطي لا قدر الله يحمل أمر قبض على حضرتنا لا أدري ماذا أفعل .. هل أذهب معه أم أتصل بصديق أم أسأل الجمهور والذي هو نفسه لا يدري. وإذا حدث أن أخذ مني بوليس المرور رخصة القيادة هل أتركها عنده؟ أم أصر على أخذ رخصتي؟ وهل من حقه الإحتفاظ بها؟ ماذا تفعل أيها المواطن الأمي وأنت لا تدري حقوقك القانونية؟. لقد ذكرت من قبل أنني وقعت في جدول حفرته سوداتل أمام منزل الأخ الفنان التشكيلي راشد دياب وهو الذي إنتشلني من ذلك الجدول.وأصبت بجرح غائر في ساقي لازالت آثاره باقية لليوم. فماذا كنت أفعل ولمن أتجه بشكوتي وأين ستنظر الدعوى؟. ولم تكن هناك جهة معلومة لرفع شكوى لها. بالرغم من وجود سابقة قانونية مثبتة فى كتاب الأستاذ هنري رياض المحامي (أشهر القضايا السودانية) وقد نشرت حيثياتها من قبل وقد كانت تتعلق بالشكوى التي رفعها القاضي ميشيل قطران على سلطات البلدية عندما وقع في مجرى وانكسرت رجله وكانت المحكمة برئاسة القاضي المرحوم أبورنات فحكم له بتعويض معتبر). وأنت كمواطن كل الذي تعرفه هو واجباتك تجاه الدولة والدولة لا تغفل عن تذكيرك بتلك الواجبات والتي هي عبارة عن رسوم تتحصلها منك طوعاً أو كرهاً ولكنك لا تعرف ما هي حقوقك لأنه لا أحد يهتم بذلك. والغريب في الأمر أننا اعتدنا أن نسمع عبارة (الجهل بالقانون لا يعفيك من المساءلة) و (القانون لا يحمي المغفلين) ولكننا لم نسمع بعبارة تقول: (الجهل بحقوقك لا يعفي المسؤولين من الإيفاء بها) وقد شكوت هذه المسألة لصديقي الأستاذ خالد التجاني الذي كان المستشار القانوني لشركة سابحات وقد مارس مهنة القضاء يوماً ما.. فأمن على ملاحظتي بل وأمدني بمقال قيم نشرته يوم أن نظمنا (مسابقة العلماء المسلمين والعرب) في رمضان من عام مضى وكانت تتعلق بالناحية القانونية للوعد بجائزة وقد كان لها صداها وسط الأميين أمثالي حيث إننا لا نعرف ما الذي يترتب قانونياً على منظمي الجوائز إن هم أخلوا بالشروط أو الوعد الذي قطعوه للمشتركين الفائزين في المسابقات. كما أنني أسمع كثيراً بهذه المقولة تتردد.. وأن هناك هامشاً من الحريات إنبسط علينا وعلينا أن ننبسط أيما إنبساط ونعد ذلك من المحاسن التي يحتفى بها. ولنختبر هذه العبارة بشئ من التدقيق: يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟) و لم يقل: (لم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم ومعهم هامش حرياتهم). إذن فالأصل هو الحرية. ويحق لنا إذا توصلنا لهذه الحقيقة أن نطرح سؤالاً مهماً : هل الحرية حق أم منحة؟ فإذا كانت الحرية حقا من الحقوق التي كفلها الله لعباده فيجب أن تثبت في الدستور على هذا الوضع وتسقط دعوى الهامش أما إن كانت منحة من الحاكم لرعاياه هنا ندخل في جدل فقهي قانوني عن مساحة ذلك الهامش ومدى إتساعه أو ضيقه وكيفية التعامل معه. وفي هذه الحالة يتحدث الناس عن الحرية بدلاً عن التصرف بحرية. وأنا لا أدري ما هو المثبت في صلب دستور السودان الذي نحكم به الآن والآخر الذي نعد له العدة. ولكن في اعتقادي أن الهامش ليس هو المتن. بل هو شئ يخضع في مساحته لمزاج السلطة الحاكمة وخاصة إذا تعددت مصادر القرارات. ومن هنا نعود للحديث عن الحقوق في ظل هامش هلامي لا يدرك أحد حدوده. ومدد يا أبو هامش. الصحافة