تناولنا بالامس مايعاني منه المهاجر السوداني من (فوضى وعشوائية وعدم ترتيب وتنظيم وتخطيط) ، (ومن اتكالية وحياة غير مدروسة وواقع مرير مؤلم بحق وحقيقة) حيث اننا كمهاجرين سودانيين لم نتعلم بالفعل ، ولم نستفد او نتعظ من أخطائنا ومن تجارب الجاليات الاخرى التي تشاركنا الاقامة في بلد الاغتراب – وعلى سبيل المثال لا الحصر لو نظرنا الى الجالية البنغلاديشية مثلا نجد انها جالية تمتهن المهن الهامشية (كاعمال النظافة والصيانة )ولكنها في الواقع أعظم جالية في فهم ماذا يعني الاغتراب ؟ ولماذا الهجرة من الوطن الام ؟ علما إني أطلق على ابناء هذه الجالية (ملح الارض) فهوم قوم أذكياء للغاية وعمليين والريال الواحد عندهم له قيمة مادية ومعنوية كبيرة جدا ودخول ريال الى محافظهم يعني عدم خروجه مرة أخرى ومشاهدته فقط في دكا – يسخرون منا ويتندرون علينا عندما نطلب منهم نقل وتحميل اثاثنا وأغراض منازلنا عند الانتقال من سكن لآخر بقولهم لم كل هذا الاثاث والعفش ؟ اليس من الاولى أن يكون كل هذا في بيتك بالسودان ؟ ولماذا تستأجر شقة في حدود 25 الى 30 الف ريال مثلا ؟ بينما يكفيك انت واولادك شقة في حدود 14 الف ريال ؟ لماذا تهدرون اموالكم وانتم في حاجة اليها بوطنكم ؟ هي جالية لاتشاهدها على الاطلاق في المولات الكبيرة والهايبر بندة بل في اماكن العمل والحراجات ونقل وتحميل وتفريغ الامتعة والبضائع والمحارق، كل واحد من ابناء هذه الجالية يمتهن ثلاثة او اربعة اعمال ومهن على الاقل ، ويعمل على مدار الساعة ، وعندما تساله ماذا تملك في وطنك ؟ يجيبك بكل فخر وثقة واعتزاز أملك منزلا او اثنين او ثلاثة، ومزرعة، ومتجر وتراكتور، وابنائي يدرسون في الجامعات – انهم باختصار قوم يحسنون التخطيط والترتيب ويحبون النظام،ويعرفون كيف يستفيدون من وقتهم وغربتهم مهما كانت مدد اغترابهم قصيرة أو طويلة فالهجرة عندهم وبمعاييرهم مرسومة بعناية في اطار محدد لامجال لتجاوزه،ولاغراض معينة لافكاك من تحقيقها وانجازها مهما كلفهم ذلك من تضحية ووقت وجهد. وفي سياق ذي صلة ونظرة الى اخواننا المهاجرين من الجالية المصرية وهم ايضا يعرفون معنى ومغزى الهجرة والاغتراب وأهدافه والغرض منه ياتي الواحد مهم الى بلد المهجر باولويات محددة (تملك شقة وتأثيثها واقتناء سيارة وتوفير معينات مهنته وعمله واكمال مراسم زواجه) وبمجرد تحقيق هذه الاولويات يعود سالما غانما الى موطنه للالتحاق بوظيفته الاولى التي أخذ إجازة بدون أجر مقابل سنة أو سنتي الغربة التي قضاها لتحقيق حلمه ومايعشم فيه ومن ثم فانهم لايقيمون بالسنوات الطويلة مثلنا وفي الوقت نفسه نجد باقي الجاليات الاخرى مثل الجالية (الهندية والفلبينية والباكستانية والنيبالية وخلافها) يعرفون جيدا مغزى الاغتراب ومعناه الحقيقي وأهدافه والغرض منها عكسنا نحن السودانيون ياتي الواحد منهم الى بلاد المهجر وفق خطة مدروسة بعناية فائقة ، وبرنامج محدد ، والى مدى زمني معروف ، كيفون اوضاعهم الحياتية في الغربة تكييفا تاما بما يتفق مع تحقيق اغراضهم والوصول لغاياتهم ، عكسنا نحن السودانيين الذين تطول فترة اغترابنا لسنوات بلا هدف او رؤية محددة مع فقدان تام لبوصلة التوجه ان الناظر بتمعن الى اوضاع تلك الجاليات التي ذكرتها في مطارات بلاد الغربة وهم عائدون الى بلادهم يتأكد له صدق ماذكرت فقط ( كرتونة مربوطة بعناية فائقة ومحكمة للجالية البنغالية ) وفي حدود الوزن المسموح به ، وحقائب سامسنوياتت انيقة وصغيرة للجاليتين الهندية والفلبينية، بالاضافة لسلاسل من الذهب على الاعناق ، لاوة على الازدحام والصفوف المتراصة في البنوك وشركات تحويل الاموال والويسترن يونيون على مدار العام ، انهم قوم لايترددون في تحويل مبلغ عشرة ريالات فقط بينما نحن نستحي من ذلك . رغم اننا نعيش بين هولاء القوم وفي وسطهم ونخالطهم ونجالسهم ونعمل معهم الا اننا للاسف لم نتعلم من تجاربهم في كيف تكون الغربة الحقيقية ؟؟ لم نتعلم منهم ماذا يعني ترك وهجر الاهل والاحبة والعشيرة ؟ وانقضاء اجمل سنوات العمر واهدار ريعان الصبا وزهرة الشباب . لقد مضت بالفعل ايام واروع ايام العمر في غربة طاحنة لاترحم ورغما عن ذلك لايزال المغترب السوداني يعاني ويجتر المعاناة واحدة تلو الاخرى، فهو من جهة مهموم بتعليم ابنائه وتلك المعادلة الغريبة الظالمة المجحفة التي تصر عليها وزارة التعليم العالي في بلادنا ، ومن جهة اخرى يفكر في اقتناء سيارة لتعينه في تحركاته داخل الوطن الا ان هناك العديد من القيود الثقيلة والرسوم الجمركية الباهظة التي تلجم هذا المشروع الصغير ، بالاضافة لرغبته في ادخار مبلغ مالي عن طريق شراء اسهم في احدى شركات المغتربين التي اثبتت التجارب فشلها الذريع نتيجة عدم اهتمام الدولة بها وعدم منحها موطئ قدم في السوق السوداني الغريب ، وقد يجنح المغترب السوداني احيانا الى تبني مشروع استثماري ناجح بكافة المقاييس من خلال دراسة جدواه ولكنه سرعان مايقرر تجاهله نتيجة الاتاوات والرشاوي والبيروقراطية الادارية القاتلة والضرائب الباهظة التي يطالب بها كل من له صلة بالمشروع احباط كامل في كل شي ، وانعدام رؤية حقيقية ، وعدم وجود أي تيرمومتر أو مؤشر ايجابي يساعد المغترب السوداني بالاضافة للتجاهل التام من قبل الدولة واجهزتها التنفيذية لهذه الشريحة الفاعلة والمؤثرة ، زائدا الغياب الكامل لجهاز المغتربين المناط به تحقيق الحماية المطلوبة للمغترب السوداني وانتزاع حقوقه المهدرة لسنين طويلة انتزاعا . علينا كمهاجرين سودانيين اخترنا خيار الغربة والبعد عن الوطن والاهل والاحبة والعشيرة خلال ماتبقى من اعمارنا ان مد الله في العمر ، واستشرافا لمستقبل واعد لابنائنا ان نقاتل بشراسة وضراوة عبر جالياتنا ولجاننا الثقافية والعلمية والاجتماعية وروابطنا المهنية والجهوية خلال الفترة القادمة لانتزاع حقوقنا المهدرة والسليبة انتزاعا، فالحق لايهادن فيه بل يؤخذ بالقوة وان تتوحد صفوفنا ، ونتوادد ونتراحم ونتعاطف (مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). علينا العمل بكل صدق وجد واجتهاد لترتيب اوضاعنا وبيتنا الداخلي وتنظيم صفوفنا من جديد استعدادا للمعركة الاخيرة الفاصلة بيننا وبين يعمل على الغاء دورنا كشريحة عظيمة فاعلة اسهمت في نهضة الوطن وازدهاره الاقتصادي والاجتماعي منذ سنين عديدة، ومنذ ان عرف الناس الهجرة ، ولتكن ضربة البداية بتوحيد جالياتنا ، وتوفيق اوضاعنا الداخلية ، والاتفاق على خارطة طريق واضحة المعالم لامكان فيها لغير صوت ومعاناة المغترب ، وليس ببعيد عن الاذهان ماتناقلته الاخبار والمجالس عن ماحدث مؤخرا بقنصلية جدة بين مكونات جالية المنطقة الغربية وهذا بالطبع نموذج لايشرفنا ولايشبهنا ونتمنى عدم تكراره مرة أخرى أن حقوقنا ومطالبنا بسيطة للغاية وعادلة وسهلة ومقدور عليها في الوقت نفسه وتتمثل على سبيل المثال لا الحصر في : 1. الغاء معادلة تعليم ابنائنا المجحفة والاستعاضة عنها بالبديل المناسب. 2. تمليك اي مغترب قطعة ارض بسعر تشجيعي رمزي. 3. تمكين اي مغترب من ادخال سيارة مُعفاة من الجمارك اي موديل وكافة مدخلات الانتاج الصناعي والزراعي. 4. تسهيل اجراءات تاشيرة الخروج عبر نافذة اليكترونية واحدة. 5. توظيف الخبرات والكفاءات المهاجرة والاستفادة منها بالداخل ونقل المعرفة والتقنية. 6. دعم شركات المغتربين وتمكينها من العمل وايجاد موطئ قدم لها بالسوق السوداني وانشاء شركة مساهمة عامة للمغتربين. 7. اطلاق برنامج وطني لدعم الثقة بين المغترب والدولة ورفع معدل الوعي لصناع القرار بالداخل. 8. اطلاق حزم الدعم والتحفيز اللازمة تحقيقا للفائدة والمصلحة المشتركة. 9. توسيع حصص المغتربين في التعليم والرعاية الصحية والدعم والتمويل والاعفاءات. 10. رعاية السفارات والملحقيات السودانية بالخارج للوجود السوداني والعمل على حل كافة مايجابهم من عقبات ومشاكل 11. بناء المدن والوحدات السكنية للمغتربين وتمليكها لهم باقساط مريحة. نأمل تفهم السلطات المختصة ببلادنا لمطالب المهاجرين السودانيين العادلة والمشروعة ، وان يتفهم صناع القرار بالوطن ومؤسساته الاقتصادية هذه المطالب بوعي عالي ، فهي مطالب عادلة ومشروعة وبسيطة في الوقت نفسه ، وقد صرح فخامة الرئيس من جدة مؤخرا لدى التقاءه بابناء الجالية بدعم الدولة الكامل للمغترب السوداني ، واشاد بدوره التاريخي المتعاظم ونأمل قيام جهاز المغتربين بترجمة ماصرخ به الرئيس الى واقع معاش، واعداد منظومة متكاملة متطورة تعمل على تبني هذه المطالب وتحقيقها ، وتعزيز الثقة بين المهاجر والدولة ومؤسساتها الاقتصادية ، حيث ان حجم الاقتصاد المهاجر ووزنه الفعلي والعلمي والاجتماعي والثقافي والفكري المهول جدا كفيل بوضع هذه المطالب موضع التنفيذ المباشر والفوري، وكفيل بضرورة استفادة اقتصادنا الوطني بدلا من السوق الموازي. [email protected]