في الشأن العام بسم الله الرحمن الرحيم د. سعاد إبراهيم عيسى فكرة مقاطعة الانتخابات التي تبنتها أحزاب المعارضة والكثير من المواطنين,لا زالت تثير الكثير من الزوابع والأعاصير التي تحجب الرؤية التصحيحية والحقيقية للفكرة ودوافعها, الأمر الذى جعل الكثير من قيادات الحزب الحاكم يناطحون طواحين الهواء بناء على تخيلات لا تمت للواقع والحقيقة بصلة. وكلما اقترب موعد إجراء تلك الانتخابات كلما ازدادت وتيرة توتر تلك القيادات وانعكاساتها السالبة على المعارضين لها. الذين اتخذوا قرارهم بمقاطعة هذه الانتخابات, فعلوا ذلك لقناعتهم بأنها لن تخدم غرضها الأساسي في اتجاه تداول السلطة, لذلك قرروا الوقوف بمعزل عنها, والتزموا الحدود القانونية في سعيهم للتبشير بفكرتهم التي لخصوها في كلمة واحدة أسموها ( أرحل), لكن الحزب الحاكم ورغم ثقته ويقينه الكامل بأنه لن يرحل, فان كل ذلك لم يمنعه من محاربة ومحاصرة أصحاب الدعوة من ان يبشروا بها, رغم انه حق أصيل يمنحهم له الدستور. لعلكم لاحظتم ان كل قيادات المؤتمر الوطني بلا استثناء, تتحدث عن هذه الانتخابات وكأنها وسيلة لتبادل السلطة, وهى متاحة للجميع للمنافسة عليها, بينما لم يلتفت أي منهم إلى أهم شروط ذلك التبادل الذى يتمثل في تحديد سقف عمري يسمح لأي حزب ان يظل حاكما فيه ولا يتعداه. ولا يمنع ذلك من ان يعود اى حزب الى سدة الحكم أكثر من مرة متى التزم بالسير على الطرق القويمة. وبالنظر إلى تصريحات بعض من تلك القيادات تتضح تماما رؤيتهم لمفهوم تبادل السلطة الذى لا تخرج عن السعي لتكريسها بيد حزبهم دون غيره.. الأستاذ الحاج ادم له تفسيره الخاص للتداول السلمي للسلطة. حيث يقول ( قد تكون هنالك أحزاب لم تشارك في الانتخابات السابقة وتشارك اليوم, وهى مهمة لتطبيق مبدأ التداول السلمي للسلطة. إذ لا سبيل إلى بقاء شخص أو حزب, كائنا من كان في السلطة, الا بتجديد ثقة الشعب) أولا فان مشاركة الأحزاب في الانتخابات, حتى ان كانت مائة وعشرين حزبا كالتي يفاخر بها حزبه, فإنها لن تصبح دليلا على تداول سلمى للسلطة. ,ورغم ان سيادته يستنكر بقاء شخص أو حزب, كائنا من كان في السلطة, إلا بعد كسبه لثقة الجماهير. فذلك يعنى انه من الممكن ان يظل الشخص أو الحزب في السلطة للأبد مادام حصل على ثقة الجماهير. وأمام سيادته الانتخابات الحالية التي تقاطعها الكثير من قطاعات المجتمع لغياب إمكانية تداول سلمى للسلطة. الأستاذة أميرة الفاضل ترى ان (الانتخابات وسيلة للتبادل السلمي للسلطة, وممارسة في كل الدول الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني) ونتفق مع سيادتها تماما في ان التبادل السلمي للسلطة هو الذى يقود إلى الاستقرار السياسي والأمني, لكن كيف الوصول إلي ذلك التبادل في ظل الوضع الراهن؟. فالانتخابات في حد ذاتها لن تصبح تداولا سلميا للسلطة ما لم تتوافر شروطه الأخرى التي سبق ذكرها, والتي تمثل ابغض الحلال للحزب الحاكم. ودكتور مصطفى عثمان إسماعيل الذى نشط أخيرا في إظهار مقدراته في العمل على حماية حزبه وسلطته من كيد الكائدين من المعارضين,الذين يقلل من شانهم من جانب ويطلب ودهم من جانب آخر, فسيادته وصف مقاطعة الانتخابات بأنها هزيلة وتسعى لتعطيلها. ورغم كل ذلك يصرح بان هنالك اتصالات مع القوى السياسية ومن بينها حزب الأمة, وهى ذات القوى التي تسعى لتخريب الانتخابات كما أعلن, يتم الاتصال بها لأجل جمع الصف الوطني, والاستعداد للحوار الوطني الذى سيبدأ بقوة بعد الانتخابات. فهذا التصريح يؤكد ان الانتخابات هي التي عملت على تقييد خطوات الحوار الوطني الذى سيبدأ (يا دوب) بقوة, بعد ان يكتسحها المؤتمر الوطني ويقطف ثمارها وحده, ثم ينتهي من تقسيم مقاعد سلطته وفق مزاجه وكما يريد, من بعد يعود وهو حاكما لإدارة عجلة الحوار الوطني بقوة. ثم ألم تكن دعوة الحوار الوطني الذى لن يستثنى أحدا, من اجل جمع الصف الوطني قبل الاتجاه لمعالجة قضايا الوطن التي ستتم معالجتها ؟ فلم لم تتم الاستجابة لمطلوبات ذلك الحوار ليستجيب لندائه الجميع ويصبح شاملا فعلا؟ أو لماذا لم يتم الحفاظ علي ما تحقق من جمع للصف الوطني بدلا من بعثرته باتهام ومحاكمة بعض من قادته, مما أدى إلى تسلل أحزابهم من مائدة الحوار, حزبا وراء الأخر؟ وقصة الوحدة الوطنية التي ظلت تتغنى بها حكومة الإنقاذ منذ مقدمها, لم يكن القصد منها جمع صف المواطنين بمختلف أحزابهم واتجاهاتهم لأجل خاطرهم, إنما القصة وما فيها أنها مجرد وسيلة تبعد عن الحزب الحاكم شبح تبادل السلطة مع الأحزاب الأخرى, بعد ان يجمعهم في بوتقة واحدة. ومن ثم يحشرهم في السلطة بالطريقة التي يجيدها, بأن يصبحوا مشاركين فيها اسما, و(تمومة جرتق) فعلا,.واصدق مثال لذلك حكومة الوحدة الوطنية وحكومة القاعدة العريضة. فكل هذه المحاولات لجمع الصف الوطني ترمى لهدف واحد, ان يستمر الحزب الحاكم حاكما, ولا باس من مشاركته في الحكم, ولا يجوز محاولة استبداله بحزب آخر. ودكتور مصطفى الذى وصف مقاطعة الانتخابات بالهزال, فان ذلك الهزال لم يقنعه عن ان يطلق اتهامات جديدة للمقاطعين لها منها, ان هنالك أصابع داخلية مرتبطة بقوة خارجية( يعنى يستحيل تنشأ قوة معارضة لحكومتهم بالداخل إلا ويتم ربطها بالخارج) هذه الأصابع الداخلية تسعى لتخريب الانتخابات بمحاولة عمل تزوير, مثل ما تقوم به الخلايا التي اكتشفها جهاز الأمن من صناعة صناديق تشبه صناديق المفوضية, واستمارات تشبه استماراتها, ومعروف ان القوى اليسارية خلف هذا العمل. انتهى الاتهام الخطير الذى الصقه سيادته بقوى اليسار.الذى سبق وان الصق بها تهمة تكوين خلايا بالأحياء لمقاطعة الانتخابات.وبالطبع سيربط سيادته بين الأصابع الجديدة الخلايا القديمة بالأحياء. والمعلوم لكل المواطنين, أن قوى اليسار, من دون خلق الله, لا تملك فائضا من المال تستثمره في مثل هذه التهمة (البايخة), لإنشاء مصانع لتزوير صناديق الاقتراع ومطابع لطباعة وثائق الاقتراع, ثم من أين لهؤلاء المزورين بصناديق ووثائق المفوضية الأصل والتي لا يجوز الاطلاع عليها قبل موعد الاقتراع؟ فان صح هذا القول فانه يعنى غاية التقصير من جانب المفوضية. ثم ان سلمنا جدلا بهذه المزحة وان هنالك اكتشاف لهذه الخلايا من جانب أجهزة الأمن فعلا, فما الذى يمنع من عرضها وبصحبة بضاعتها المزورة على الجماهير, حتى يتم إقناعها بحقيقة ما ذهبت إليه التهمة من وجود أصابع داخلية مرتبطة بخارجية قطعا سيقال بأنها الممول الرئيس لهذه البضاعة. حينها فقط سيجد دكتور مصطفى عثمان مبررا يسمح له بممارسة قطع الأيدي التي أعلن عنها من قبل. أما إذا أمعنا النظر في هذا الاتهام وانه محاولة لتزوير صناديق ووثائق الانتخابات, قطعا سيقود إلى نتيجة واحدة تتمثل, في ان الحزب الحاكم وخوفا من اتهامه بتزوير هذه الانتخابات بمثل ما أحاط بسابقتها, كان لابد من ان يبتدع هذه الفرية حاليا حتى ان تم الحديث عن اى تزوير حول الانتخابات الحالية, تصبح الإجابة الجاهزة هي ان قوى اليسار هي التي افتعلت ذلك التزوير. وكثر الحديث أخيرا عن ان هذه الانتخابات ستكون حرة ونزيهة وشفافة. فان تغاضينا عن استخدام مرشحو الحزب الحاكم لإمكانات الدولة بما فيها إعلامها وأجهزة أمنها, ولو تخلينا عن الحرية المطلقة التي يتحرك بها وفى إطارها الحزب الحاكم ومرشحوه, وفى ذات الوقت الذى يحرم فيه مقاطعو الانتخابات من حقهم الكامل في الحركة وفى التبشير عن أفكارهم وبرامجهم, فبصرف النظر عن كل ذلك وغيره, فقط لو سألنا عن الهدايا المستوردة من قبل الحزب المنافس والتي سيقدمها للمواطنين دون فرز كما يقولون وبما يجب تسميتها؟ المؤتمر الوطني وبكل قوة عين يعلن, عن استيراد آلاف الثياب النسائية من سويسرا حيث تم تصنيعها خصيصا لصالح حملته الانتخابية وهى تحمل شجرته, إضافة إلى ملبوسات رجالية تم استيرادها من الصين والهند سيقوم بتوزيعها جميعها للمواطنين جريا وراء مساندتهم لمرشحيه. فما الصفة المناسبة التي يجب ان تطلق على مثل هذا السلوك غير كونه رشوة؟ وقد سألنا من قبل عن شعار الإنقاذ الشهير بشقيه نأكل مما نزرع, ونلبس مما نصنع, فسقط الشق الأول عندما أصبحنا نأكل مما نستورد, والآن يلحق به الشق الثاني عندما قرر الحزب صاحب الشعار ان يلبس المواطنين أيضا مما نستورد. ومن أين للحزب الحاكم بكل هذه الأموال وبالعملة الصعبة جدا, في الوقت الذى تعجز فيه حكومته عن الإيفاء بالكثير من التزاماتها للعجز في العملات الأجنبية؟ خلاصة القول, ان حكومة المؤتمر الوطني على قناعة تامة بأنها قد حققت للشعب السوداني كل الممكن والمستحيل الذى حفظ مفرداته الجميع من كثرة تكرارها. كما وإنها لا ترى خطا أو خللا في أي جانب من جوانب حكمها طيلة سنوات عمرها المديد, ومن ثم وبناء على تلك الحقائق, فهي ترى أنها الأكفأ والأقدر على حكم البلاد, وها هي تعمل الآن على إجراء الانتخابات بمن شارك, لكي تحصل على ثقة المواطنين لمواصلة قيادتها. ومن ثم ما على المعارضين إلا ان يفهموها ويقبلوا على المشاركة من أجل المباركة.