الاتحاد الإفريقي يعيش مأزقاً بسبب التناقض الكبير بين الأهداف التي يتبناها في مواثيقه الأساسية وبين واقع دوله الأعضاء الذي يتناقض تماماً مع تلك الأهداف التي تحملها وثائق تأسيسه، وقد تجلى هذا التناقض بوضوح في موقف الاتحاد من الانتخابات السودانية وهو موقف سيتكرر في أي حالة مشابهة. الاتحاد الإفريقي أجاز ميثاقاً للديمقراطية والانتخابات والحوكمة وصدقت عليه الدول الأعضاء وجاء ذلك الميثاق في صياغة محكمة وتضمن الأهداف والمبادئ التي تواصى عليها المجتمع الدولي والتزمت كل الدول الأعضاء -ظاهرياً- بتلك الأهداف ولكن واقع الحال في كثير من الدول الأعضاء جد مختلف فكثير منها دول شمولية تعيش تحت حكومات الحزب الواحد أو العصبة المتنفذة القابضة التي تنتهك كل أو جل تلك المبادئ والأهداف. وفي ديباجة ميثاق الديمقراطية يشدد الميثاق على كل القواعد والأسس والمبادئ التي تؤسس للحكم الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة الذي يتم عبر انتخابات حرة ونزيهة تجرى تحت أجواء موائمة تضمن كل الحريات وتكافؤ فرص الجميع وسيادة حكم القانون واحترام حقوق الإنسان. وفي المادة الثانية ينص الميثاق على التزام الدول الأعضاء بتوفير الظروف المناسبة لضمان مشاركة الشعب وحرية النشاط السياسي وحرية التعبير وحرية الوصول إلى المعلومات والتبشير بالأفكار، وفي المادة الثالثة يشدد الميثاق على توفير التعددية الحزبية الفاعلة والاعتراف بحقوق الأحزاب المنشأة قانوناً واحترام حقها في المعارضة ومنح الأحزاب المعارضة وضعاً شرعياً في قوانين الدولة. ويخصص الميثاق الفصل السابع بمواده الست (المواد 17 إلى 22) لقضية (الانتخابات) والأجواء التي ينبغي أن تتوفر لها ضماناً للعدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص ووجود الأجواء المناسبة لأحزابها، ويتيح للدول الأعضاء أن تطلب المساعدة من الاتحاد الإفريقي، وخصص الميثاق الفصل السابع بمواده الست للعملية الانتخابية وحق الدولة العضو في طلب المساعدة الفنية من الاتحاد الإفريقي لإحكام العملية الانتخابية أو إرسال مراقبين للانتخابات، كما منح الحق لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي أن يرسل بعثة استكشافية لتنصح رئيس الاتحاد الإفريقي عما إذا كانت الدولة المعنية قد وفرت الجو المناسب لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وملتزمة بقواعد الاتحاد الإفريقي التي تحكم نجاعة الانتخابات. وبالنسبة للسودان فإن الاتحاد تسلم طلباً من السودان لإرسال مراقبين وقرر رئيس المفوضية إرسال لجنة فنية من خبراء لتقييم الوضع في السودان ولتتأكد عما إذا كان السودان قد وفر الظروف المطلوبة والمناسبة لإجراء انتخابات وفق المعايير المعتمدة في ميثاق الديمقراطية الذي اعتمده الاتحاد الإفريقي على الأرض، وعين الاتحاد الإفريقي فريق الخبراء واختار لقيادة البعثة إدريس كامارا الخبير في مكتب الاتحاد الإفريقي للديمقراطية والانتخابات فزار فريق الخبراء الخرطوم والتقى بكل المسؤولين الحكوميين المعنيين بهذه القضايا، كما اجتمع مع مفوضية الانتخابات ثم قابل ممثلي الأحزاب السياسية حاكمة ومعارضة والناشطين في المجتمع المدني، كما درس الواقع على الأرض وانتهى من دراسة الموقف إلى أن المعايير المطلوبة لانتخابات يتوفر فيها تكافؤ الفرص غائبة تماماً بسبب محاصرة الأحزاب المعارضة وتقييد نشاطها وحراكها السياسي، وأن المجتمع السوداني يعيش حالة استقطاب سياسي حاد، وأشار إلى محاصرة الإعلام والقيود المفروضة عليه، وإلى الضغوط الممارسة على منظمات المجتمع المدني وخلصت اللجنة إلى أن الإجراءات الأمنية التي تتخذها الحكومة تفرض قيوداً كبيرة على حرية التعبير وحرية التنظيم وحرية الاجتماع، وأشارت إلى الصراع المسلح في بعض أجزاء البلاد والمصاعب الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه السودان من جراء العقوبات المفروضة عليه وخلصت اللجنة من دراستها إلى قرار مؤاده أن:- (الشروط الضرورية والجو المطلوب لإجراء انتخابات شفافة وتنافسية وحرة ونزيهة حسب القواعد التي اعتمدها الاتحاد الإفريقي غير متوفرة، وبناء عليه أوصت اللجنة الاتحاد الإفريقي بأن يباعد بينه وبين هذه الانتخابات، ولا يرسل لجنة مراقبة لها لأنها لن تكون ذات جدوى أو أثر، ولن تسهم في التحول الديمقراطي في السودان). واقترحت اللجنة أن تؤجل الانتخابات مع إعطاء الأولوية للحوار الوطني الجامع الذي اقترحه رئيس الجمهورية على أمل أن يؤدي ذلك الحوار إلى وفاق وطني يسهم في خلق الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات في مرحلة لاحقة. رغم استلام الاتحاد الإفريقي لتوصية لجنة الخبراء التي شكلها رئيس الاتحاد بنفسه فإن الاتحاد قرر أن يرسل بعثة لمراقبة الانتخابات ضارباً عرض الحائط بتوصية خبرائه. والاتحاد الإفريقي ظل يعيش هذا التناقض منذ نشأته فهو يريد أن يرضي المجتمع الدولي وذلك عندما يتبنى أسس وقواعد ومعايير تتماشى مع الأسس التي اعتمدت عالمياً، لكنه من الناحية الأخرى يتكون من مجموعة دول وصوت الدول الشمولية التي تعج بها القارة الإفريقية هو الأعلى في أروقة الاتحاد؛ ولذلك فإنه يقرر الشيء ونقيضه في آن واحد لأنه قد تحول إلى ما يشبه النادي الخاص لرؤساء الدول الأعضاء! ترى ماذا سيقول تقرير الخبراء الذين أرسلهم الاتحاد الإفريقي للخرطوم وأمامه تقرير الخبراء المفصل الذي يوثق للأجواء التي دارت فيها الانتخابات؟ [email protected] العرب القطرية