*هربت المليارات من بين أيدينا لتستقر في بلاد الحبشة.. *هربت من ضيق (التضييق) لتستثمر في رحابة (الترحيب).. *وأثيوبيا تفاخر الآن بأن رأس المال السوداني يسهم في تنمية مشاريعها.. *وصديق يخبرني البارحة أن (بنتهم) الأمهرية آثرت الهرب إلى موطنها.. *قالت إن الوضع الذي (هربت منه) صار الآن أفضل من الذي (هربت إليه).. *وقد نقلت مرة ما قاله مستثمر خليجي عقب هروبه - بأمواله - من بلادنا.. *قال إن محاولة الاستثمار في السودان رحلة بها الكثير جداً من (المحطات).. *وعند كل محطة إجرائية أنت مطالب بأن تدفع داخل - وخارج - (القنوات!!).. *أما المستثمرون المحليون فأروي واقعة - شهدتها بنفسي- تبرر هروبهم نحو الخارج.. *أو نحو أديس - تحديداً - التي تفتح ذراعيها لكل مستثمر (هارب) إليها من السودان.. *فقد كنت مع صديقي- صدقي فهمي- مدير مصنع (أديسون) ببحري.. *هي زيارة لم تتجاوز نصف الساعة من الزمان انتظاراً لصديق مشترك قادم من حلفا.. *وخلال نصف الساعة هذه وفد على صدقي ما لا يقل عن (5) من حاملي (المطالبات!).. *مطالبات تصب جميعها في خزائن الدولة بمسميات مختلفة.. *أما ما قاله صدقي عن تذمر يومي جراء (الحالة!!) هذه فلا داعي لذكره.. *ولكن ربما أُفاجأ به - قريباً- في أثيوبيا ليلحق ببقية (الهاربين).. *والغريبة أن المطالبات هذه لا يسلم منها حتى المستثمرات في (الشاي).. *حتى اللاتي رأس مالهن (طبلية وشوية كبابي و شاي وسكر وقهوة و بنابر).. *حتى الهاربات من ذل السؤال وآثام الرزيلة إلى فضيلة الرزق الحلال.. *طيب إلى أين (يهربن) إذا ضاقت عليهن الأرض بما رحبت؟!.. *ثم هنالك الهروب شبه الجماعي للأطباء والمهندسين والفنيين والخريجين.. *ويكفي أن مئات الشباب تدافعوا - قبل فترة - نحو سفارة قطر من أجل أربع وظائف فقط.. *والعام الماضي شهد - وحده - هجرة (67) ألف شاب سوداني هرباً من انسداد الأفق في بلادهم.. *سواء أفق الوضع المعيشي (القاتم) أو أفق عقول بعض المتنفذين (المرتاحين).. *كما لا نغفل - أيضاً - عن حكاية الهروب الطلابي إلى (داعش).. *ومن المهم جداً أن نشير هنا إلى أن كلمتنا هذه بعيدة عن جدل ال(مع والضد !).. *فما نراه الآن من ظاهرة هروب جماعي تستوجب منا - جميعاً - استشعار الخطر.. *لا أن نكتفي بترديد مقولة أحد النافذين (الباب يفوت جمل).. *وكأنه يتمنى هرب بقية (الصامدين) من السودانيين.. *الذين آثروا ضرباً آخر من الهرب وهم قاعدون.. *الهرب ب(شكواهم إلى الله !!!). الصيحة/السياسي