الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر البرهان يقف على مراسم "دفن" نجله ويتلقى التعازي من أمام قبره بتركيا    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارطة الطريق الي المجهول!!
نشر في الراكوبة يوم 14 - 08 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
الحوار يكاد يكون قضية مبدئية لكل المعارضين، إن لم يكن صفة ملازمة لمن يوصف بأنه سياسي أصلا، ناهيك عن المشاركة او الإهتمام بالشأن العام، وطبائعه الخلافية ومصالحه المتناقضة، وإلزامية التعايش بين الشركاء في فضائه العريض. ولكن ما جعل قضية كالحوار يصيبها كثير من الرشاش او تطالها تهم التخاذل، هو وجود نظام وحشي وغادر كالإنقاذ، يشكل طرف في معادلته! وما عُرف سلفا عن طبائعه، كممانع للحوار وممتنع علي السياسة، بسبب لا مرونته وتصلب مكوناته وخلوده للثبات، او إصراره علي تثبيت الواقع في محطة محددة لا يصدف أنها خرافية، مع الإنكار العنيد لكل الوقائع والمستجدات، وكأنه يدير دفة التاريخ بمزاجه ويحرك عجلة العالم والزمان علي هواه، ولكن بقدراته التي تعادل الفراغ! وذلك بدلا عن الإصتنات لسنة التغيير ونبض العقل ونبضات الجماهير. و بوصفه مشروع قائم علي دعائم الكذب والخداع والشعارات الجوفاء والمضامين الخاوية، بموازاة القوة العارية! فتاليا هو لم يسفه الحوار وغيره من المحاولات المستميتة لحل المشكل السوداني بالحسني وموجبات المسؤولية الوطنية ومتطلبات التعقل فقط، ولكنه أجبر قطاعات عريضة من المعارضة علي حمل السلاح! وهو أمر ليس بمستغرب في حق من إستولي علي الحكم عبر آلية الإنقلاب غير الشرعية، وإعلانه بكل بجاحة أن من يريد إزاحته عن الحكم عليه منازلته بقوة السلاح.
وبتعبير واضح، نظام حربي كالإنقاذ، أسلوبه الوحيد في إدارة الدولة والتعامل مع المواطنين ناهيك عن المعارضين، هو الإرهاب والبطش والتنكيل! مؤكد أن لغة الحوار، هي لغة شاذة (منبطحة!) في عرفه وطبيعة ردة فعله تجاه الإعتراض او مجرد إظهار بوادر للإختلاف! لأن هكذا نظام تسلطي، وغير إهداره لحق المواطنة والمساواة وترفعه عن المحكومين، فهو مبدئيا ضد المنافسة (ليس لديه نظير او شبيه او مكافئ!) او ترك هامش حركة يسمح بزحزحته عن سدة السلطة قيد أنملة (عديم الثقة في ذاته والآخر رغم التناقض السالف الذكر، وهل شرعية الإنقلاب شئ آخر غير تطبيق شريعة او ممارسة شعيرة فرض التناقض؟!) والتي نالها غدرا ومغالبة، وإستطرادا أقام منظومة جهاز الأمن لحماية نواتها الصلبة، وعدَّل في هيلكة وعقيدة الجيش لحراسة محيطها الخارجي؟! والخلاصة، أي حوار يتجاوز تغيير بنية النظام (أس وأساس الخراب والتخريب!) او أقلاه فك إرتباطه مع الدولة، من خلال تحييد مسألة السلطة وإستقلال مؤسسات الدولة، وإتاحتهما للمنافسة العادلة وتقديم الخدمات للكافة. فهو حوار محكوم عليه بالفشل سلفا، مهما كان شكل الدعاية وموضوعية المبررات وأوزان المشاركين وقوة تأثيرهم، لأن العبرة بقوة الجوهر وليس ببهرجة المظهر. ولكن أن يتحول الحوار الي ملهاة بيد النظام، وإن وظف فيه الإتحاد الأفريقي وأشرك في إدارته المجتمع الدولي! فهذا ما يجعل مشاركته فيه شبيهة بالدخول في نفق مظلم، يفضي لا محالة الي المجهول قبل الخسران المبين الذي ينتظر المشاركين عند نهاية الطريق. بمعني آخر، أي حوار لا يضمن تساوي الكتوف او أقلاه مقاربتها بين المتحاورين، فهو أقرب لفرض شروط الأقوي وإذعان الأضعف، منها للإنصاف وإحقاق الحق ورد المظالم، مما يحيله الي شاهد زور او شيطان أخرس في أحسن الأحوال! وهذا ناهيك عن التحكم ليس في مسارات التفاوض، ولكن حتي في تفسير النصوص وتطبيق (تطفيف) البنود وطريقة الإلتزام بما تم الإتفاق عليه! وكل ما ذكر سابقا قد يصح في أحوال الحوار غير العادل بصفة عامة (فلسطين نموذجا!) ولكن محاورة نظام لا يؤمن بالحوار كالإنقاذ، لهي أخطر وأصعب وبما لا يقاس، لا لشئ إلا لأنه ليس نظام بمعني نظام (إنضباط) يَحكم او يدير دولة (مؤسسات) تُحكم، وإنما هو أقرب للتنظيم المافيوي وأساليب العمل الإجرامية! وتاليا لسنا حيال حكومة طبيعية او دولة حتي ولو فاشلة! ولكننا للأسف أمام حالة سيولة سلطوية وكيان هلامي يسمي الدولة! وترتب علي ذلك، إهدار دم المسؤولية وإرادة العمل والإصلاح، وتحولت أجهزة ما يسمي بالدولة الي وسائل حماية لمجموعة نصابين وللتستر علي ممارسة الجرائم في وضح النهار، وهذا في حال لم تتحول تلك الأجهزة لأدوات نصب وإحتيال علي المواطنين وموارد الدولة! وبإختصار تحولت أجهزة ومؤسسات الدولة لممارسة وحماية الفساد والفاسدين؟!
فأمام هكذا واقع إجرامي او إسلاموي لا فرق، علي ماذا يجري الحوار؟ وما هي مقومات الحوار إذا غابت ركائزه الأساسية كقضايا عامة وكحقوق مواطنين؟ وما قيمته إذا كان غرضه التعامي عن الحقائق والصمت علي الجرائم؟ وما يُنتظر من مخرجاته إذا كان يجري علي إيقاع الحوار من أجل الحوار او تحسين شكل المتحاورين او إرضاء لقوي ضغط لها حسابتها الخاصة، أي بعيدا عن تلمس جذور المشاكل او ما يفضي لفتح مسار واضح وحقيقي وجاد نحو إحداث التغيير المنشود؟! وما يجعل مسألة الحوار أكثر تعقيد مما هي معقدة أصلا، الحالة السريالية التي يقبع فيها الواقع المحلي الآن، بعد أن تراكمت الخطايا والأخطاء وسدت منافذ الخلاص من كل الجهات. الشئ الذي جعل الأوضاع لا تنحدر من سيئ لأسوأ ويلفها الغموض والضبابية وتحتويها الصعوبة وشبه الإستحالة مع مرور الأيام فقط، ولكنها هيأت البيئة لقبول وتجذر حالة من الإرتباك والإرتجال، أي جعلت الموقف والموقف المضاد يبدوان وكأنهما صحيحان او خاطئان في نفس الوقت! وبناءً علي هذه الخلطة العبثية الإبلسية او الخلفية القاتمة، يجري الحديث علي إنخراط قوي وازنة من المعارضة في خارطة الطريق، كمقدمة للحوار في فضاء الداخل بغيومه السياسية ولزوجته الإقتصادية وغبار أجهزته الإعلامية وتربص أجهزته الأمنية! او أقلاه إنكسار عين (مطالب/حقوق) الضيف أمام مضيفه وإستعراضاته البهلوانية الإكرامية البذخية؟! وكل هذا ما يستصحب بدوره عدد من الملاحظات، لا يمنع تناول البعض لها من زوايا مختلفة، التورط في شأنها، وهي علي كلٍ تدور حول النقاط التالية:
أولا، أن مشاركة هذه القوي (نداء السودان) كانت بصورة مباغتة، ومن دون تمهيد او إرسال رسائل مطمئنة، حتي لأنصارها والمتعاطفين معها وما أكثرهم، وهذا بالطبع لغير العالمين كأمثالنا ببواطن الأمور وقنوات التواصل السرية بينها وبين النظام، والتي يجري التكتم عليها لحاجة في نفس هذه القوي، لا أعتقد أن كونهها يخفي علي أحد! الشئ الذي جعل هذه القوي تبدو كمن أحرز هدف عكسي في مرماه بلغة كرة القدم، أي منح حكومة الخرطوم إنتصار سهل بل ومجاني ومن دون مجهود يذكر ولا حتي مهارة يتمتع بها أعضاء فريقه؟!
ثانيا، ما يدعو للحيرة قبل الشعور بالغثيان السياسي، من هرولة القوي الموقعة علي خارطة الطريق ومن دون ضمانات يعتد بها، أنها جميعا من ومن دون فرز، قد جربت مرارة الحوار ناهيك عن مر الإتفاق مع هكذا نظام، لم يعرف عنه غير اللامصداقية واللاجدوي في أقواله وأفعاله، وإستبطان الغدر في إتفاقاته وتعهداته والإستغفال في خصومه وجمهرة مواطنيه! والأهم أنه يحتقر السياسة ولا يحترم السياسيين، وينظر للإمور جميعها بمنظار السلطة وأمتيازاتها والدولة ونهب مواردها والمواطنين وإذلالهم وإفقارهم! وتاليا الإقتراب منه او ضع اليد في يده، لا يصيب هؤلاء المشاركين بالخسائر العاجلة فقط، ولكنه يخصم من رصيدهم السياسي ويعرض مصداقيتهم للتآكل وهي أصلا لا تنقصها الضعضعة، ويجعلهم مكشوفي الظهر حتي أمام أنصارهم والمدافعين عنهم ناهيك عن خصومهم. والدليل علي فشل هذا الطريق الذي لم يشاركوا او يشاوروا في رسمه او تصميمه، هو وجودهم الآن وبعد كل هذا الوقت والجهد والتضحيات التي صرفت علي طرق مشابهة، في نفس نقطة الصفر، ومن سخرية الأقدار كطرف معارض ومشارك في الحوار المرتقب! ولكن بعد خصم رصيد لا يمكن تعويضه من الأنصار والقدرة علي الإقناع، وتنامي الخلافات الداخلية والإنشقاقات. ولولا أن الخصم يُعرف ويُعرَّف بالفساد الشامل والخراب المتعمد للوطن وتعريضه للضياع بسبب تراكم الفشل والجرائم واللامسؤولية، لما قامت لأي من مكونات هذه القوي قائمة، بعد تجاربها الحوارية والإتفاقية الفاشلة مع النظام! وهو ما يشير بدوره لضعف الرقابة والمحاسبة الداخلية داخل هذه الكيانات، والأصح تغييب بقية الأعضاء وبالأخص الأصوات المعارضة، لأن أبسط حقوق الثقافة الديمقراطية (المغيبة بدورها) او مبادئها غير المكتوبة، هي تنحية من يفشل خياره عن سدة السطلة من تلقاء نفسه، وإلا تحول الكيان لحقل تجارب او مدرسة لتعلم القيادة عبر الإخفاقات بغض النظر عن الأكلاف، ومؤكد قيادة تستند علي الرسوب المتكرر ليس أمامها إلا القيادة الي الدمار او تعمييم الفشل والتعمية عن الأخطاء، قبل قتل روح المبادرة وتبديد أصول المنافسة! ولكن ما تجهله او تتناساه القوي المشاركة في خارطة الطريق، أن الدخول في هذا الطريق يصعب الخروج منه وهي مرفوعة الرأس، او الرجوع عنه وكأن شيئا لم يكن! بمعني إن القوي المشاركة أصبحت في موقف لا تحسد عيله، ولا يحسب لها كما حاولت أن تعكس الصورة، أي من خلفها هاوية فقدان معظم المناصرين قبل المبدئية في صلابة مواقفها ضد النظام المطعون في شرعيته والمعطون في الفساد، وأمامها حقول ألغام وتفاصيل شيطانية لا حد لها من ألاعيب ومماطلة وسوء طوية النظام، قبل أن ترتطم بحاجز تربصه في نهاية المطاف! وهو يسعي جاهدا لإشراكها في جرائمه ليست القادمة وهو بطبعه لا يعرف غير إرتكابها فقط، ولكن حتي ميراثه السابق من الفساد والفشل والضياع! وكل هذا نظير مكاسب سلطوية شكلية، يستحيل عليها إحداث إختراق جدي في بنية منظومته السلطوية الدهليزية السرية. والسبب في ذلك بسيط، ويتمثل في أن تركيبة السلطة كما أسلفنا هي تركيبة إجرامية لتشكيل عصابي وليست تركيبة سياسية لحكومة مدنية يقوم عليها سياسيون يتعاطون لغة السياسة وأساليبها ومنطقها! وعليه، النظام ليس أمامه إلا أن يظل كما هو، من دون دخول قوي معادية او أجسام غريبة، يعجز عن إستيعابها او قبولها او مجرد التعامل معها، من دون تكييفها مع كيميائه الداخلية ( توريطها في الفساد والجرائم المنظمة) وهو الإحتمال الأرجح، او يسمح بعبورها داخله بنفس مناهجها وأساليبها وأهدافها، أي كمثبطات للأجسام المضادة (إمكانية الإصلاح من الداخل كما تزعم) وهو ما يعني عمليا التحلل والفناء! لأن نظام يعمل بآليات الخراب ويعتاش علي الفساد والتعدي علي الأملاك الخاصة و العامة، يستحيل عليه أن يستقبل او يتقبل داخل هياكله ومناهج وأساليب عمله، النظم والقوانين والرقابة والمحاسبة..الخ وهي بطبعها تحتاج لمواعين او قوالب دستورية مفتقدة بدورها! وتاليا هذا ما يصعب تصديقه او مجرد تصوره من دون قوي ضغط هائلة او وسائل إكراهية مجربة. أي لا يوجد كائن او كيان يقبل الفناء ذاتيا، بل غرائز البقاء لها القدرة علي العمل حتي لا إراديا. وبكلمة واحدة، نظام الإنقاذ هو نظام إبتلاع وهضم وليس مؤسسة تعايش او مشاركة او مستودع حكمة وعمران.
ثالثا، الإندفاع نحو التوقيع علي الخارطة ومن دون طرح الأمر علي بقية الأعضاء داخل تنظيمات القوي المعارضة الموقعة، يشير الي نقاط الإلتقاء بين هذه التنظيمات المعارضة وبين النظام؟ أي التمايز بين القوي المعارضة الموقعة والنظام هو في الدرجة والموقع وليس في المنطلقات والأهداف! أي كأن القوي الموقعة والنظام في الخرطوم وجهان لعملة واحدة، عنوانها العريض البحث عن السلطة حصريا، وإن كان وجه النظام أشدَّ قبح وأعضاءه والغين في الإنتهازية والإستبداد وشعاراتهم أكثر مكر وإبتذال، وكانت دوافع القوي الموقعة وجهة نظر تري أن السطلة هي أقصر الطرق للتغيير المنشود؟ وهو ما يجعل بدوره، جهودها وتضحياتها تصب في خانة الحلول محل الإنقاذ كحد أقصي ومشاركتها سلطتها كحد أدني! او أقلاه أن تصبح قائد لمشروع التغيير من أعلي، والأصح بقوة السلطة وقهر أجهزتها؟! وهذا بدوره يقودنا لمشكلة تكوينية تطال التنظيمات المعارضة بنفس تمكنها من نظام الإنقاذ المتمكن؟ وهي الغياب التام لمشروع التغيير من تحت (القاعدة) لو جاز التعبير، أي مشروع التغيير الذي يتقصد تغيير الوعي وترقية المفاهيم او الإرتقاء بالإنسان بوصفه إنسان. وهو مشروع بطبعه طموح ومفتوح علي الآخر والمسقبل، وتاليا يحتاج لقادة مستنيرين وأصحاب رؤي تعايشية وأفكار تشاركية وروح تضامنية وبصيرة إستشرافية للمستقبل، وقدرات مهولة علي الصبر والتضحية، وهذا غير إستنكاف إستعجال النتائج وحرق المراحل، او التورط في أساليب القهر وفرض التغيير بالقوة والتعسف والوصاية، والأهم عدم قبض الثمن في شكل تملك السلطة وإحتكار الثروة، او مشاركة الطغاة في ملكهم بحجة الحفاظ علي الإستقرار او وهمّ التغيير من الداخل. في هذا المعني، يصح جزء من عجز المعارضة هو عرض لمرض عام أصاب جسد العمل السياسي الوطني، وهو تمحور العمل السياسي ك(أفكار وبرامج ونشاطات وإهتمامات أعضاء..الخ) حول بناء السلطة وليس بناء الدولة او هندسة الحكم وليس تلبية حاجات المواطنين وتطوير المجتمع، وإن كان الأخيرون مادة الخطاب السياسي، إلا أنهم لم يكونوا مضمونه يوما! ويتمظهر ذلك بصفة عامة في تقدم السياسي الحركي ك(أهمية وأمتياز ووجاهة إجتماعية ووطنية..الخ) علي السياسي المثقف، والقائد الجماهيري علي القائد المفكر او صاحب الرؤية، وهذا ليس بالضرورة في أشخاص مختلفين ولكن الغالب أنه في نفس الشخص، أي هي حالة او ظاهرة أكثر من كونها تشخيص او شخصنة! وهو ما يتجسد بصورة أكبر في محنة من يحكم أهم من كيفية الحكم؟ وهذا بدوره وغير إستسهاله لطريق الإنقلابات كمخرج (لأزمة السياسيين/الحكم وليس الدولة والمواطنين بالطبع!) إلا أنه أفرز ثقافة خاصة، ولو أنها تسلطية إلا أنها مستشرية كالنار في الهشيم، وهي إحتكار التنظيمات والعمل السياسي بصفة عامة للأكثر قدرة علي اللمعان الإعلامي، أي للأعلي صوت والأكثر علاقات ومعرفة بأصول جذب الأجهزة الإعلامية وقدرة علي إستمالة الميول الشعبوية (وهو للأسف مرض سياسي بدا يغزو حتي الدول المتقدمة وعلي رأسها بلاد العام سام خصوصا بعد الأداء/الخارجي تحديدا المخيب للآمال من جانب الرئيس اوباما كنموذج للرئيس المثقف!) الشئ الذي جعل الفضاء السياسي العام يصيبه الجفاف والتصحر، بسبب عوامل التعرية السالفة الذكر، أي بعد خلوه من الإشراقات والمبادرات السياسية علي مستوي الأفكار والبرامج والحلول المبدعة لجملة الإستعصاءات المتراكمة، وهذا ناهيك عن الغياب شبه التام لمشاريع التنمية الإقتصادية والخدمية ذات الجدوي والمواكبة والمراعاة لظروف البيئة ودرجة تطور المجتمع. وبكلمة غير مختصرة، ما يعيق مسيرتنا ويبدد جهودنا ويكرس حالة التراجع المستمرة، هي طغيان ثقافة الحصاد علي ثقافة العمل والإنجاز والإنتاج، وهذا ما يؤكده طغيان السياسي الشعاري الدعائي بضجيجه وإزعاجه علي البنائي بتراكمه وصبره والمبدئي بثباته وسخاء تضحياته! أي السعي الجاد لعاجل السلطة وإمتيازاتها او السيطرة ووجاهتها علي حساب الآجلة ببذر بذور النهوض ورعاية مشاريع التقدم، وذلك من خلال تركيز الجهود في إعادة التأسيس العام والشامل علي أسس حديثة، كدورٍ سامٍ وعملٍ جليل حتي وإن تأجلت مكاسبه وثماره او جناها الغير، بل هو مبني أساسا لتنال مكاسبه أجيال قادمة، لا معني لوجودها او خير في تواجودها سوي صناعة الشر ونشر المحن (تكرار نموذج الكيزان!) إن لم تنتفع او تتعظ من تجارب السابقين وتتجاوز ليس عثراتهم فقط، ولكن كذلك نجاحهم وإنجازاتهم! ويمكن التدليل علي ذلك ببساطة، في بعض صروح التعليم التي أنجزها رواد هذا النموذج الأخير ومازالت ثمارها تطرح حتي الآن رغم رحيلهم مبكرا او تقدمهم في السن وقلة عطاءهم، وذلك بغض النظر عن أنها لم تحدث إختراق علي مستوي ثورة التعليم المطلوبة، كفلسفة ومناهج تبني قدرات الإنسان وتلبي مطالب المجتمع والدولة الحديثة، ولكن الشاهد في طرح المبادرة ومقاومة الظروف الممانعة والإنتصار عليها. أما الدليل علي محنة الأجيال السودانية المتتابعة، خصوصا مع شروق فجر الإنقلابات، أي بسبب إعادة إنتاج الأخطاء وتكرار نفس المشاريع والشخوص، فعنها حدث ولا حرج. وقد تعود جذور هذه الأزمة كما ظللنا نردد، لطريقة تربية النخبة التي تصدت للعمل السياسي ليس بمفهوم المسؤولية الوطنية والنهضة الإجتماعية، ولكن بوعي الوصاية ونزعة الإحتكار لكل الفضاء الوطني، اي سياسيا وسلطويا إقتصاديا وثقافيا وإجتماعيا..الخ بإستثناء فن الغناء والرياضة وبالطبع المهن العضلية والهامشية والحرفية التي تم نبذها إحتراميا مبكرا او منذ ولوج عالم الأفندية وعوالم الوظيفة الأكاديمية؟ والأسوأ من ذلك أنها كرست لهذه الثقافة النخبوية السلطوية التسلطية ليتم توارثها جيلا عن جيل (مَنْ لم يتطلع لدخول المدارس النموذجية ومن بعدها جامعة الخرطوم وكليات الطب والهندسة علي وجه الخصوص! ومَنْ نال هذا الإمتياز ولم يؤثر في طموحه ونظرته للوطن وإنسانه بعين السيطرة والوصاية، وكأنها رد فعل إحلالي علي /او إنعكاس لثقافة الأبوة السائدة إجتماعيا، أي إستبدال إستبداد تقليدي بإستبداد حديث أشدَّ وطاة، او ما يوصف بتحديث الإستبداد، وإذا صح ذلك أين هو فعل التحرر وما هي مكاسب التعليم تحديدا؟ بل حتي بعد تحطيم تلك المدارس وإضعاف جامعة الخرطوم علي عهدنا، لم تتوارَ او تخف شدة تلك الروح الموروثة من الأقدمين وكأنها عقيدة واجبة الإعتناق، وأخاف أن تكون فارضة وجودها وطقوسها حتي اليوم!) لتتغذي أزمة السياسة من أزمة النخبة والعكس صحيح منذ الإستقلال. الشئ الذي جعل ذكري الإستقلال الوطني لا تفقد طعمها وحراراتها فحسب، وإنما تلبست مظهر السخرية وإثارة التهكم، وهذا في حال لم تجر الندم وتثير الحسرة في نفوس البعض علي خروج الإنجليز؟! والمحصلة، غياب مشروع تغيير حقيقي طموح ومستقبلي لا تشغل السلطة ضمن إطاره العريض إلا حيز محدد، لم يُغييب الجماهير العريضة صاحبة المصلحة، عن المشاركة وتوفير السند فحسب، ولكنه جعل الوقوع في شراك الآخر الخارج الدولي مخرج لا مفر منه؟!
رابعا، إتصالا لما سبق، أصبح تفادي المجتمع الدولي مسألة في غاية الصعوبة أما مواجهته فهي المستحيل بعينه، خصوصا بعد فقدان الإستقلالية او أقلاه هامش المناورة المتمثل في المشروع (الغائب) السالف الذكر من جهة، وسند القوي الشعبية في الداخل من جهة أخري. وإشكالية المشروع الدولي او الوجه الآخر لأمريكا، أن محركه الأساس هو مبدأ المنفعة المجردة بعد أن طغي وتجبر علي مبادئ الأنوار (الحرية والمساواة والأخاء وغيرها) الشئ الذي أفرغ او كاد أن يفرغ مشروع الحداثة كمنجز إنساني بالغ التكاليف من مضامينه الإيجابية، وهذا في حال لم يقُده الي الإتجاه المضاد، او يسهم في إفراز تمردات ما بعد الحداثة، التي طالت بتشككها ومسائلتها كل مسلمات الحداثة! خصوصا وأن مبدأ المنفعة ولَّدَ بدوره لمبادئ جانبية خطيرة، كتقديس القوة والإحتكار والمصادرة! وتاليا دانت السيطرة علي المجتمع الغربي بواسطة التجمعات الإقتصادية او الشركات الكبري وأساليب تحكمها سياسيا وإعلاميا وصولا للسيطرة الثقافية من خلال تغيير الأذواق والمفاهيم، ليس داخل المجتمع الغربي فحسب، وإنما في كل أرجاء المعمورة، وبما يخدم مصالح تلك الطبقات المسيطرة وسعيها المحموم لتسليع القيم والمجتمعات والحياة! أي ما يطلق عليه عولمة وكوكبة هو مجرد تطبيق لفلسفة إقتصادية بوسائل تكنولوجية تكرس للتحكم في موارد العالم وأسواقه! في الوقت الذي تتم فيه مناهضة حقوق الشعوب وإهدار فرص نهوضها او مجرد الحفاظ علي مكتسباتها! لتزداد مساحة الهامش حتي داخل الدول المتقدمة، ناهيك عن الدول الفقيرة، والتي تُرك للوقوف أمام فرص نهوضها وإنعتاق شعوبها، وهذا في حال لم يتم تقديم المساعدة والعون او الحماية والرعاية، لدكتاتوريين أشداء وطغاة معدمين الحس والأخلاق والإنسانية. وإلا ماذا نسمي تعاون المجتمع الدولي مع أنظمة رجعية ودموية كنظام البشير وبشار، وكيف يمكن تقبل مبررات أن تتعاون أنظمة إرهابية بل صانعة وراعية ومصدرة للإرهاب في محاربة الإرهاب؟ وكذلك كيف تتم الثقة في أنظمة طاردة لمواطنيها وتحتقر شعوبها، في منع هجرة المواطنين وتقليل مفاعيل اللجوء؟ إلا إذا أريد منها التحول الي معسكرات إعتقال (نازية!) ومسالخ قانونية تحت الإشراف الدولي! بعد أن طال الخراب (الفساد!) حظائر الجوع والإذلال التي كرست جهودها للإشراف عليها بعد نجاحها في الإنقلابات! لكل ذلك يصح الوصف الشائع، المتغطي بالمجتمع الدولي عريان، ولكن المؤسف أنه يفرط حتي في عورته ويسلمها طائعا مختارا لغول الأنظمة الأستبدادية الشهوانية في الداخل.
خامسا، هنالك حجة التحولات التي شهدتها دول أخري وتجارب عدة، إستفادة من آلية الحوار والمصالحة، كمبرر للتوقيع علي الخارطة. وهي حجة مقنعة وتدل علي حس الحكمة وإحساس المسؤولية وحسن الإطلاع، والرغبة الصادقة والوطنية المخلصة والمندفعة للتعلم من تجارب وخبرات أخري لا يصدف أنها ثرية وناجحة. وهو عموما أمر محمود ومطلوب ويصعب رفضه او إنكاره، ولكن غير إختلاف الظروف والبيئة العامة بين تجربة وأخري ومجتمع وآخر، إلا أن أهم ما ميَّزَ التجارب أعلاه وجود طرف (صاحب سلطة) يتمتع بدرجة معقولة من الحس السياسي والمسؤولية الوطنية، وقبل ذلك حد أدني من الثقة المطلوبة. ولكن للأسف كل ذلك، ليس متوافر في نظام مفلس كالإنقاذ وقائد (فاقد تربوي/سياسي/وطني) كالبشير فقط، ولكن الأسوأ أن هكذا نظام او تشكيل عصابي لا تشكل له السلطة المطلقة إمتياز حكم فحسب، وإنما قبل ذلك وسيلة حماية من المحاسبة والعقوبة ودرع وقاية من القصاص وغضبة الجماهير وآلية تستر علي الجرائم والفساد، وتاليا أقصي ما يقدمه هكذا نظام تالف ليس التحول الي نظام ديمقراطي او أقلاه إنتقالي، ولكن نوع من المشاركة الديكورية تحمل عنه وجه القباحة وتخفف عبء المسؤولية الإجرامية وتمنحه مساحة أرحب للمراوغة، وقد تمد في عمره بعض الوقت، دون خوف من مغبة ثورة الجماهير المفاجئة، بعد إختباءه خلف الجماعات المشاركة ودعم شعاراته بجرعة حيوية وطنية! ويحدثنا التاريخ القريب كيف تملص صُنَّاع وأعوان مايو من تاريخهم؟ وكيف تم تصديق تنكرهم للشمولية؟ وتاليا تم غض البصر عن المحاسبة الشاملة، وكانت غفلة جزاءها عقوبة كارثية بحجم الإنقاذ.
سادسا، هنالك أيضا حديث عن إنعدام البدائل وكذلك الأوضاع الإنسانية، كمبرر للمشاركة في خارطة الطريق. والسؤال الذي يتبادر الي الذهن والحال كذلك، هل خلق البدائل مسؤولية المعارضة أم الحكومة؟ ولماذا لا تصنع القوي المشاركة في الحوار بدائل أخري؟ وإذا لم تستطع القيام بذلك، فما هو دورها إذن؟ وأليس مفهوم المعارضة في أصدق تجليه هو خلق البديل، إن لم يكن مضمون وظيفتها وعلة وجودها إيجاد البدائل؟ وأليس معارضة من غير بدائل، هي أي شئ غير كونها معارضة؟ وتاليا هي أقرب لكونها سلطة موازية ولكن من غير سلطات؟! والأهم، هل يعني إنعدام البدائل القبول بأي بديل؟ وفي هذه الحالة، ما قيمة الخيارات التي تميز العمل السياسي عن الرق والعبودية؟ وأليس إختيار بديل ذا سقف متدنٍ، يضيق الفرص علي بدائل أخري أكثر إنعتاق وتحرر، وإن كانت فرص ظهورها أضعف في ظل ظروف معينة؟ ومن قال إن الظروف والحالة المتردية الآنية ستبقي علي ماهي عليه أبد الدهر؟ وأليس في هذا البديل المختار (خارطة الطريق) رغم بؤسه، دلالة علي إمكانية التبدل والتغير؟ وهل تمت عملية حساب لكلفة هذا البديل المختار سواء علي المعارضة المشاركة في الحوار (خسائر!) او إنعكاسه علي النظام (مكاسب!) او تأثيره علي المشهد السياسي بصفة عامة (زيادة الضبابية والتعقييد!) خصوصا وقد يؤدي لإنقسام جبهة المعارضة، وتاليا ينقل المواجهة الشاملة ضد النظام، الي مواجهات جانبية قد تنشب في جبهة المعارضة العريضة، دون ضمانات أن لا تصل لمكونات القوي المشاركة في الحوار من الداخل. وكل ذلك دون نسيان أهم سؤال، هل تمت دراسة حسابات الفشل ووضعها في الحسبان، وإنعكاس ذلك بصورة أكثر دموية ومأساوية ودمار، ليس علي الأوضاع الإنسانية في المناطق الملتهبة المتضررة بكثافة فقط، ولكن علي أحوال البلاد وحساسية قضاياها ومصيرية مستقبلها بصفة عامة؟! وبعبارة مختصرة، خريطة الطريق حتي في حال نجاحها، ووصول الشركاء الي بر الحوار، بل وإجراء الحوار الشامل، وهو ما يصعب تصديقه (حتي في ظل الظروف الإنحيازية الحالية!) فهذا لا يمثل أكثر من حالة اللاحل، الشبيهة بحالة اللاسلم واللاحرب، أي نوع من المهادنة وترحيل المشكلات بدلا من حلها، وتاليا الهروب من دفع إستحقاقات الحلول الجذرية، وتعطيل مسيرة التغيير المنشود.
سابعا، في مواجهة نظام عدمي كالإنقاذ، وتركة خراب وفساد شاملة كتركته، يصعب طرح حلول وسط او دفن الرؤوس في رمال الحوارات والمفاوضات المتحركة! بقدر الحاجة لتماسك الجبهة المعارضة ووضوح أهدافها وتركيز جهودها، وقبل ذلك القدرة علي إقناع الجمهور العريض بوجودها وجذبه لمقاسمتها مشروعها. ولن يتحقق كل ذلك إلا إذا كان الجمهور المستهدف، محور حركتها ومضمون خطابها ومنهاج عملها. وكل ذلك لا يمكن إختزاله الي مجرد الوصول للسلطة او الحصول عليها والتربع علي سدتها، حتي وإن كان طريق الوصول إليها عبر الآلية الديمقراطية والحصول علي السلطة تم بالصورة الشرعية! ولنا في تجارب الثورات الديمقراطية السودانية المجهضة، العظة والإعتبار. وبتعبير أكثر وضوح، غياب المشروع الوطني الحقيقي والشامل للتغيير وتغييب حوامله، لن تعوض عنه لا إجراءات ديمقراطية ولا هبات شعبية ولا كارزمة قيادية ولا حتي شعارات دينية او وعود إيدويولوجية.
آخر الكلام
هل يعني رفض خارطة الطريق بهذا الإخراج السيئ، تمني الفشل لها وتاليا للقوي المعارضة المشاركة فيها، كمقدمة للشماتة بها والتقريع لممارستها وبرامجها او التشفي في قادتها! ليس هذا ما ينتظر ممن يحمل هموم الوطن وأوجاع المواطنين في حله وترحاله، او يصلُح كبديل لموقف القوي المشاركة! وهذا فوق أن ضياع الوطن او تردي أوضاع المواطنين، ليست مواد للشماتة او مواضيع لتصفية الحسابات الشخصية والتنظيمية! والحال كذلك، كل ما نتمناه إذا كان للأمنيات مكان في عالم الواقع الصادم وتعقيداته الصارمة، أن تكلل جهودهم بالنجاح، وأن نشاهد بأم أعيننا بطلان كل مبررات تشاؤمنا، وأن نري بشريات الإتفاق التي تدغدغ رغبات المشاركين الحالمين، تلطف وعثاء الطريق الوعر الذي سلكوه، وأن تظهر علي أرض الواقع معالم وخطط وبرامج واضحة، او أبعد من ذلك، أن تمتلك أنياب قادرة علي إحداث جروح غائرة في جسد الأخطبوط الإنقاذوي المترهل، كمقدمة لموته والتخلص من آثار جثته المتعفنة! وكل ذلك، كفرصة أخيرة لإنبات زهرة المستقبل اليانعة، عبر تسوية (سماد) الحوار، علي أرض جدباء او خرابة تسمي الإنقاذ. ودمتم في رعاية الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.