إفترض إن ما حدث لضحايا نظام البشير او نظام الجبهة الاسلامية حدث لك .. تخيل أن مجموعة من الملثمين قد إقتحموا منزلك وأخذوا إبنك وضربوه ضربا مبرحا أمامك ولم يكتفوا بذلك بل أخذوه الى احد بيوت الاشباح وفي أول زيارة لك وجدته منهارا من جراء التعذيب وعلى جسده اصابات عديدة من الضرب والتعذيب وأنك مثل أهالي المعتقلين، أصبحت تنتظر أمام السجن بالساعات و تتعرض إلى الاذلال والاهانات حتى ترى ابنك في زيارة لا تستغرق دقائق ثم بعد أيام إستلمته جثة هامدة وحررت له شهادة وفاة أنه مات بالتسمم لتناوله (فتة فول) فاسدة أو مات نتيجة اصابته بالملاريا ثم افترض أن صحفيا أجنبيا طلب منك أن تحكى له تفاصيل قضية إبنك ووفاة والدتك التي كانت تنتظر عودتك ماتت محروقة في قرى دارفور او جبال النوبة ولم تجد الا القليل من أقربائك في معسكرات اللاجئين والنزوح لينشر هذه الوقائع في صحيفة أو قناة عالمية وسيطالب المجتمع الدولي بمحاكمة من أمر وعذب إبنك وأذله ثم قتله .طبعاً ستوافق بدون أي تردد. وهل تقبل أن يصفك أحد بأن ماقمت به مناف للوطنية ؟ من حقك أن تنشر قضية ابنك العادلة في أي مكان،وتبحث للعدالة أينما كانت ان لم تجدها في وطنك لكن الأنظمة الدكتاتورية الفاشية رسخت في الأذهان الى أنه مهما كنت مسحوقاً ومظلوما لايجوز لك ان تشكو حاكم بلادك لأجنبي سواء كان في صحيفة أجنبية او منظمة عدلية لأن ذلك يعتبر خيانة للوطن وبأن كل ما يدور في الداخل من ظلم وقهر وإعتقال وتعذيب تعتبر مشاكل داخلية لا يجوز لهم مناقشتها خارج الوطن !! وقد تسأل وهل البشير مجرم وكيف يتحمل المسؤولية ؟ نعم انه مجرم ويتحمل كامل المسؤولية لأن كل الذي يحدث من إنتهاكات وتجاوزات هي مسؤولية الرئيس الدكتاتور المستبد لأنه يستطيع أن يوقفها بكلمة واحدة أو بإشارة فقط ..ومعروف في الأنظمة الدكتاتورية إذا غضب الرئيس على مواطن غضبت له أجهزة الدولة جميعا المدنية والقضائية والأمنية وهبت فورا للتنكيل بالمغضوب عليهم ويشيع القتل والتعذيب تحت سمعه وبصره في البلاد الديمقراطية تكون سلطة رئيس الدولة مقيدة بالقانون وبالتالى فإن غضبه على أى شخص لن يضيره أبدا ما دام لم يخالف القانون.. في الذهن الرافض لتسليم البشير للجنائية ان غضبهم على الاجنبي أقوى بكثير من مفاهيم حقوق الانسان والمواطنة. ولا يعيرون أدنى إهتمام للعدل ولحقوق الإنسان ويرون ان المواطن الوطني هو ذلك المواطن الذي يتم سحق آدميته وكرامته في بلاده لكنه يرفض الحديث عن مأساته مع الأجانب . ممكن تحب وطنك لكن من واجبك أيضا ان تؤمن ان الوطنية يجب أن تكون في حدود العدل والحق وحقوق الإنسان كما تستوجب فضح جرائم السلطة فالذين فضحوا جرائم الجيش الأمريكي في معتقل أبوغريب بالعراق كانوا صحفيين أمريكيين ولم يتهمهم أحد بالخيانة الوطنية بل نالوا تقديرا واسعا من الأميريكيين لشجاعتهم ودفاعهم عن الحق.. ومن واجبنا أن نقدر أبناء الوطن الشجعان المخلصين الفضحوا جرائم عصابة البشير (هؤلاء الجماعة) ويطالبون بمحاكمتهم