ما أن تسجل السلع استقراراً نسبياً فى الاسعار من حيث الهبوط، حتى تعود لتقفز مرة اخرى الى اعلى درجة للارتفاع، وقد ظلت على هذا الحال منذ امد بعيد حتى جاءت الازمة المالية العالمية، فكثير من السلع ظلت اسعارها متذبذبة ما بين الصود والهبوط دون أن تستقر على سعر محدد، كالاسمنت الذى ظلت اسعاره متذبذبة قبل ان تحل الازمة المالية بالعالم، بجانب السكر فهو الآخر لم يسلم من تذبذب الأسعار خاصة خلال الشهرين الماضيين. واضحت اسعار كثير من السلع الاساسية غير مستقرة وتخضع لآلية السوق الذى لم تستطع الحكومة التدخل فيه وفقا لسياسة التحرير، فى وقت يرى فيه عدد من الخبراء ضرورة أن تضع الحكومة قواعد وقوانين تحكم العمل داخل الاسواق، وتعمل على حماية المنتجات المحلية، قائلين بأنه مهما عملت الحكومة من قوانين وقرارات لمحاربة استيراد سلع غير ضرورية فإن أمر السوق يبقى متذبذبا، ولا بد من آلية معينة تحكمه حتى لا يجد المواطن كل يوم أن الأسعار قد زادت بين ليلة وضحاها دون أسباب مقنعة. أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين بروفيسور عصام بوب، قال إن ارتفاع الأسعار هو نمط فى الاقتصاد السودانى، ناتج بصورة أساسية عن ارتفاع اسعار الرسوم على خدمات الدولة التى تقدمها للمواطن. وقال لقد حذرنا الحكومة من عدم الاستجابة للازمة المالية والعمل على تفادى آثارها، لكن دون فائدة، وبدلاً من الاستجابة لذلك فقد جاءت استجابة الحكومة برفع أسعار خدماتها، وذلك طمعاً فى تعويض عجز ميزانية الدولة الذي تفاقم بسبب انخفاض أسعار البترول الذى تعتمد عليه باعتباره مصدر دخل أساسي. وبناءً على ذلك فإن بوب يتوقع أن ترتفع اسعار السلع كما ارتفعت اسعار الخدمات الحكومية. وقال إن ما نراه الآن هو تباشير لكساد مصحوب بتضخم اقتصادى يقابله عجز المواطن عن شراء احتياجاته الاساسية. ورغم كل الذى تقدم ذكره من زيادات فى الاسعار، يقول إن ذلك ما هو إلا جزء من بعض الزيادات، حيث ان هنالك زيادات اخرى يتوقع حدوثها. ويشير الى انه قد تحدث عن ثلاثة ارتفاعات ستحدث فى السودان، جميعها ناتجة عن تدهور الخدمات بصورة عامة، منها قطوعات الكهرباء، ثم قطوعات المياه وارتفاع درجات الحرارة، اما الرابع فهو انخفاض قدرة المواطن على شراء المواد الاستهلاكية نتيجة للارتفاع الجنونى فى أسعار السلع والخدمات. واضاف بوب قائلاً إن الحكومة قد ساهمت فى ارتفاع اسعار السلع بسبب رفعها للرسوم على الخدمات، اضافة الى تحجيم الاستيراد ومنع التداول فى العملات، الشىء الذى يقول إنه يتعارض مع مبادئها القائمة على الاقتصاد الحر وتحرير الاسواق، الامر الذى يبين انه ليست هنالك أية سياسة اقتصادية واضحة المعالم، ولا توجد اقتصاديات سوق حقيقى كما لا توجد اقتصاديات موجهة، وإنما كل الذى لدينا هو قوة شرائية يعانى على إثرها المواطن، وهذا ما يحدث الى الآن. أما أستاذ الاقتصاد الدكتور محمد الجاك فيقول إن التغيير والتذبذب فى الأسعار من حيث الصعود والهبوط يعتمد على ما يحدث من تغيرات على سوق العرض والطلب، وهو ما يحدث فى السوق السودانى، حيث أن هذا التذبذب قد ينتج عنه فائض فى الطلب مقابل قلة فى العرض، والسبب فى ذلك يرجع إلى قلة معدلات النمو فى الانتاج، بجانب ارتفاع الطلب الذى يؤدى الى تصاعد الأسعار. وكل الاسباب المرتبطة بذلك يرى محمد الجاك أنها مرتبطة بالسياسات الاقتصادية، اضافة الى ظروف اقتصادية عالمية ومحلية يمكنها أن تتأثر فى حالات العرض والطلب التى تؤدى بدورها الى ارتفاع اسعار السلع. ويتفق محمد الجاك مع عصام بوب فى أن الظروف الحالية تشهد انخفاضا واضحا فى الانتاج فى القطاعات المختلفة، الأمر الذى ساهم بدوره فى ارتفاع أسعار السلع، بجانب ذلك فإن السياسات الضريبية تزيد من تكلفة الانتاج وتصب فى اتجاه الانخفاض والانحسار الواضح فى مجالات الاستثمار. كما يرى أن انحسار الاستثمار يرجع الى اسباب داخلية خاصة بالقطاع السلعى، بجانب قوة شرائية متزايدة نتيجة لما يحدث من تحولات. وكل ذلك يدعم التصاعد المستمر فى مستوى أسعار السلع. ورغم التحوطات التى تقوم بها الدولة للحد من ذلك، إلا ذلك لم يؤثر على التصاعد المستمر فى الأسعار الذى يؤكد على انه راجع الى حالات التذبذب التى يشهدها السوق، بجانب العوامل الخارجية والداخيلية التى ساهمت وتساهم فى ارتفاع الخدمات التى يتبعها ارتفاع فى أسعار السلع، وهذا ما يحدث الآن.