أكثر من خمسة عقود مضت واتحاد مزارعي الجزيرة لا يحرك ساكناً وليس له بصمات بالساحة. مات الرواد الاوائل بالاتحاد من أمثال ود الازيرق ومحمد الامين وعلقم وعبد الجليل، ولم يحققوا من طموح المزارعين شيئاً ولكنهم كانوا أحسن من الذين جاءوا من بعدهم. الخدمات الاجتماعية التي كانت تقدم القليل قد تلاشت ومسح ذلكم الاسم البراق من سجل ادارة مشروع الجزيرة، حتى صيانة المدارس وآبار مياه الشرب، اصبح من الصعوبة بمكان ان تتم «بأخوي واخوك» ولو بمساهمة قليلة من ادارة المشروع، ولو من المبالغ التي استقطعت من قبل من المزارعين بنسبة 2% لاغراض التنمية داخل قرى المنطقة المروية التي تأثرت كثيراً بالملاريا والبلهارسيا من الشرب والخوض في مياه الري والجرثومة قابعة بالقنوات. واتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل كائن اسماً ولا طائل من وجوده على الاطلاق، وقد مضت عليه عقود وهو عبارة عن مملكة لبعض الاسر يعتلي العرش آل بدر تارة وأخرى آل «فلان وفلتكان» ممن أثروا أنفسهم ثراءً مقدراً على حساب المزارع المسكين الذي لا يدري أين مصلحته في العملية برمتها غير أنه ينقاد لمصلحة الاحزاب الحاكمة، واخيراً الى الانظمة العسكرية، التي نهت البلاد ودمرت الاقتصاد ولم تقم للسودان قائمة في مجال الاقتصاد. فما رأيت في حياتي أخيب من اتحادات مزارعي الجزيرة والمناقل، فهناك اتحادات ونقابات قلبت انظمة حكم، انظمة قهرية باجهزة قمعية شيوعية، وكيف وقفت جبهة التضامن البولندية امام النظام الشيوعي الحاكم وانتصرت عليه. والظاهر ان اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل مهمته مهمة صورية ديكورية، وللقادة مآرب أخرى من جرارات وحفارات ودقاقات وغير ذلك من المستلزمات الزراعية التي من خلالها يصلون الى متاع الدنيا على حساب المسحوقين من المزارعين الذين تراهم في اسواقهم الاسبوعية «مشلهتين» في معيشتهم وكأنهم يزرعون الحنظل لا ذرةً ولا قطناً. وفوق هذا وذاك فقد جسم على ظهر مجلس ادارة مشروع الجزيرة احد البدريين وفعل بالمجلس كما فعل بالاتحاد من قبل، واصبح لا جديد في الامر فتحولت الامور من سيء الى اسوأ والمجلس بكامل هيئته ومخصصاته وحال المزارعين لا يعلم به الا الله الذي مكن هؤلاء لتولي امورنا، فلك الحمد على كل حال، فربما هذا جزاء لنا من جنس عملنا. طيلة فترة الاربعة عقود التي مرت بالقرن الماضي، وعقد كامل بالقرن الجديد، لم نسمع بخطوة ايجابية اتخذها اتحاد المزارعين لصالح المشروع او المزارعين، وكلما في الامر «جعجعة» لتحقيق مصالح ذاتية لاعضاء الاتحاد، فكل عضو يعرف كيف يتحصل على «عظم» يكده بعد الحصول على العضوية النافذة، والمزارعون صبروا حتى نفذ صبرهم ولم يبق لهم خلا الهجرة الى بلاد الله الواسعة ان كان هذا يجدي فتيلاً. وهل يمكن الهجرة بعد ذلك والى أين، وهم أمة بأثره، وقد جبلوا على حياة الجزيرة التي امضوا فيها ربيع اعمارهم؟ وانهم الآن يعيشون على ذكريات الماضي البعيد، ويا ليت تعود تلك الايام. زراعة القطن على الرغم من مشكلاتها الجمة، بسبب سوء الادارة والري والتمويل لاستجلاب المدخلات الزراعية «أسمدة، مبيدات، تقاوى محسنة» وغير ذلك من متطلبات الزراعة، قد صحب هذا كله مشكل آخر وهو التسويق بعد ان آل امره الى شركة الاقطان السودانية، هذا الوليد الشقي الذي ظل يغيب عن المزارع كل الحقائق واضحى لا يعرف الا القليل عن اسعار القطن عالمياً، والشركة لا ترغب في تمليك الحقائق للمزارعين لأن الحقيقة «تجيب ليها هوا»، فخير لها ان يكون أمر التسويق «أم غُمتِّي» وفي النهاية يعطي المزارع «عطية مزين» وغالباً ما يطلع المزارع «سلاق بيض» وليس هذا فحسب ولكنه يكون مديوناً بالمكتب ومهدداً باجراءات عقابية ضده. هذه الشركة هي بمثابة سرطان أصاب المشروع والمزارع معاً والدولة تراقب الموقف عن بعد واوكلت الامر الى ادارة مشروع الجزيرة باشراف وزارة الزراعة التي فتحت نفس الشركة، وهي تريد ان تهيمن على المشروع وصارت تتكلم عن الانتاجية والتسويق، وتغيب عن المزارع كلما يتعلق بالاسعار والتسويق. نسمع عن أهمية القطن عالمياً وارتفاع أسعاره وعندما يصل الى المزارع لا يتعدى القنطار الا دولارات قليلة، وبعد حسم التكاليف لا يتعدى الصافي دولارات قلة، وهذه عملية فيها لغط، فلو ان الشركة على نية سليمة عليها توضيح الحقائق بالارقام الحقيقية، عن طريق نشرات للمزارعين تحمل أسعار القطن عالمياً حتى يكون الامر بيناً وواضحاً لدى الجميع. أما الآن فلا يعرف المزارع سعر قطنه الا في نهاية الموسم بعد التسويق وتوزيع الفوائد ويكون للمزارع فضول المال. نحن من هنا نطالب حكومة الانقاذ أن تنشيء هيئة مستقلة تتبع رأساً لرئاسة الجمهورية تتولى مهام تسويق القطن ومتابعة الاسعار ثم تبصر المزارع بكل ما يتعلق بانتاجه القطني وان يكون للمزارعين ممثلين بالهيئة دون أعضاء الاتحاد، لأن الاتحادات أمرها مشكوك فيه، والثقة منعدمة بينها وبين المزارعين. وقد ظل اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل يقودهم طيلة هذه العقود بلا جدوى، وأكبر انجاز له ذلك المبنى الفاخر المطل على النيل في مدينة ود مدني لزوم الراحات في الاجتماعات وإظهار الابهة عند زيارة المسؤولين لعاصمة الجزيرة. إن أمر تسويق الاقطان في حاجة الى مراجعة عامة وشاملة ليقف المزارع المنتج على الحقيقة، ولا خير في ثروات السودان الاخرى من نفط وذهب ومعادن أخرى اذا لم تدعم مشروع الجزيرة بالمال لازم لاعادة هذا المشروع لسيرته الأولى. فالكلام عن التسويق والانتاج غير ذي جدوى الآن، لاننا الآن على مشارف شهر أبريل، لم نحضر الارض ولم تظهر القنوات الرئيسة منها والفرعية «الترع كلها نباتات تقف حجر عثرة لانسياب المياه، فلا يجوز لنا ان نتكلم عن الانتاج، فيا اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل هبوا من ثباتكم العميق وادركوا الموسم، أخلصوا النية واستعينوا بالله إنه نعم المعين.