في السنوات الماضية، اخترت ركنا شبه منعزل في أحد فنادق الدوحة، حولته إلى مكان خاص، ألجأ إليه كلما أردت أن أكتب شيئا، سواء أكان ذلك مقالا صغيرا، أو رواية كبيرة، وتدريجيا ابتدأ ذلك الركن يحتكرني، ولم أعد قادرا على الكتابة في مكان آخر غيره، صرت آتيه أحيانا بمزاج متعكر، وجفاف غريب، وسرعان ما أعثر على الكلمات المطلوبة، وتأتي النصوص متدفقة. وقد حاولت أن أجلس في أماكن أخرى أكثر انعزالا وأشد هدوءا، ولكن ما يأتي فيها، لا يعادل ما يأتي في ذلك الركن، في تلك الأماكن تأتي الكتابة بصعوبة، بعكس الركن القديم تماما، وقد التقطت صورا كثيرة لذلك الركن، أثناء الكتابة، وروجت له لدى الأصدقاء، ولدرجة أن كثيرا منهم، ود لو كان قريبا ليأتي ويجرب ما يمنحه ركني من إلهام كبير، ومنذ عدة أيام عثرت على صديق له رواية متعثرة، يحاول كتابتها منذ سنوات طويلة، جالسا عليه، بعد أن سمع به، وقال إنه لم يستلهم أي شيء، بعد أن ظل جالسا، وحاسوبه مفتوح أكثر من ساعتين. أردت أن أقول صراحة، بأنه لا توجد أماكن للكتابة، تسمى أماكن ملهمة، وأخرى تسمى عديمة الإلهام، أو طاردة له، كل مكان فيه ثمة هدوء، إضافة إلى مزاج صاف، يمكن أن يمنح كتابة، وأحيانا تكون المقاهي، وأماكن الضجيج، صالحة أيضا للكتابة فيها، وأعرف زملاء يكتبون رواياتهم في المقاهي، وآخرين يكتبونها في السفر، وصالات المطارات ومحطات القطارات، وهناك كاتب عالمي، لا يكتب إلا إن كانت ثمة فوضى وصراخات، تحيط به. المسألة هنا نفسية بحتة، الكاتب يربط إلهامه بالمكان، ومن ثم يصبح المكان ملهما. تماما مثل التعود على النوم في سرير معين، تحت ظروف مستقرة، ويضيع النوم إن اختلت تلك الظروف، واضطر الشخص إلى المبيت في مكان آخر، ربما يكون أكثر راحة من مكانه المعتاد. وما ذلك الركن الفندقي الذي كتبت فيه حتى الآن أكثر من ست روايات، إلا سرير النوم المستقر، الذي تضيع الكتابة، إن حاولتها في مكان آخر. في فبراير الماضي، كنت في الخرطوم، وكانت لدي التزامات كتابية، وأنا بعيد عن ركني، جلست للكتابة في بيتي ولم أستطع، وبحثت عن ركن بديل لأعثر على واحد في فندق محلي. جلست فيه ساعات، لم أكتب شيئا، لكني حين عدت في اليوم الثاني، وجدته يستجيب ويمنح ما يظنه البعض إلهاما، وهو ليس كذلك كما وضحت، كل ما في الأمر، أنني لم أكن أملك خيارا آخر، وبالتالي ضغطت نفسي، لأنجز التزامي. اليوم زرت ذلك الركن الخرطومي، جلست فيه لأكتب وعثرت على شيء من الإلهام بعد عدة محاولات، وقررت أن أسميه الركن البديل، الركن الذي ألجأ إليه حين أكون في الخرطوم، وأيضا منطلقا من المسألة السيكولوجية البحتة، التي تحول الأشياء الحقيقية، إلى أشياء غير حقيقية، وتجعل ركنا عاديا في فندق، مكان إلهام كبير. أمير تاج السر