مع اختلافهم بشأن تقييم الانتخابات التي جرت بالبلاد، بعد نحو ربع قرن من آخر انتخابات تعددية شهدها السودان، تمكن الشعب السوداني من انتزاع شهادة «متفردة» من هؤلاء المراقبين، جعلته يحتل مكانة «متقدمة» بين شعوب العالم المتحضرة والمتطورة، ما يجعل من المعايير المعمول بها دوليا في قياس سلوكيات الشعوب واخلاقياتها وردود أفعالها تجاه الأحداث الكبيرة المحيطة بها في محك حقيقي، بعدما خيب الشعب السوداني توقعات الخبراء والاكاديميين والمحللين الاجتماعيين والسياسيين، قبل المراقبين، الذين قطعوا وجزموا، عبر فضاءات العالم المختلفة، بأن الانتخابات السودانية لا يمكن أن تمر بهدوء وسلام، دون وقائع عنف ومطاردات على نسق ما تم في الجارة كينيا أو في ايران البعيدة. لاحظت خلال مناقشات مع الزملاء الاعلاميين والصحفيين الأجانب الذين قدموا لمراقبة الانتخابات بالبلاد، أن الدهشة والاستغراب تمسكان بتلابيب غالبيتهم، ومرد تلك الدهشة والاستغراب حسبما علمت منهم هو سير عمليات الاقتراع بأيامها الخمسة وبعدها عمليات الفرز التي تلتها وقبلهما الحملات الدعائية، في بلد كالسودان متعدد الاديان والثقافات والجهات والايدلوجيات، دون أعمال عنف أو أحداث، وسرعان ما تتحول تلك المناقشات والحوارات الى الحديث عن الشعب السوداني وطبيعته والتساؤل حول حقيقة ما يحدث، ولم تنحصر تلك النقاشات لدى الصحفيين ولكنها بالطبع احتدمت لدى المراقبين خاصة الدوليين منهم، فقد ابتدرت رئيسة بعثة الاتحاد الارووبي، فروينيكا كيسير، حديثها في المؤتمر الصحفي الذي عقدته بفندق برج الفاتح، السبت الماضي، لاستعراض التقرير المبدئي عن عملية المراقبة، بابداء اعجابها بصبر الشعب السوداني «الناخبين» وموظفي الاقتراع على العملية في ما وصفته بالظروف الصعبة للغاية للتصويت في العملية الاكثر تعقيدا ما يؤكد رغبة الشعب السوداني في الدخول الى تحولات ديمقراطية، ومنح الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر الشعب السوداني ذات الشهادة عندما بدأ مؤتمره الصحفي الذي استعرض خلاله التقرير الاولي لمراقبي مركزه للانتخابات، بذات الفندق عقب مؤتمر الاتحاد الاروبي، بتهنئة الشعب السوداني على عملية الاقتراع التي تمت بصورة سلمية، وأشاد كارتر باقبال السودانيين على الانتخابات رغم انسحاب عدد من الاحزاب منها معتبرا مشاركتهم مرتفعة وتعطي انطباعا بقوة الانتخابات التي كانت ستكون اكبر لو ان الاحزاب والشخصيات السياسية لم تنسحب منها، واشار تقرير البعثة الاروبية الى ان الانتخابات اظهرت رغبة الشعب السوداني في الدخول الى تحولات ديمقراطية رغم التعقيدات غير المسبوقة التي عانت منها العملية الانتخابية من حيث تصميمها ما ادى الى الارتباك في تنفيذها، وذكر ان ايام الاقتراع اتسمت بالهدوء والنظام والسلم والحفاظ على الامن. ولم يجهل المراقبون الافارقة دور المواطن السوداني في العملية الانتخابية، وتضمن تقرير أولي لبعثة الاتحاد الافريقي المراقبة شهادة للشعب السوداني أيضا، بتهنئته والاحزاب السياسية والمرشحين بانعقاد العملية فى سلم وسلام وهدوء.. وقال بيان البعثة إن الانتخابات منحت غالب أهل السودان فرصة سانحة ليمارسوا حقا ديمقراطيا يختارون به من يمثلهم لأول مرة منذ اربعة وعشرين عاماً، وأضافت البعثة الافريقية بالنظر للتحديات الجمة التي واجهت الانتخابات. وحقيقة أن السودان لم يشهد تنظيم انتخابات متعددة لنحو جيل كامل فان الاتحاد الافريقى يثمن هذه الانتخابات كجهد جيد لشعب السودان ولا يجد أي سبب لاعتبار هذه الانتخابات غير نزيهة أو غير حرة، بينما رأت جامعة الدول العربية أن انتخابات السودان تصلح لأن تكون مثالا يحتذي للمنطقة المحيطة، وقال كبير مراقبي بعثة الجامعة العربية السفير صلاح حليمة في مؤتمر صحفي إن الانتخابات التي جرت حتى الآن في السودان أفضل من مثيلاتها من الدول المجاورة وأن ما صحبها من مظاهر القصور الفنية واللوجستية يمكن تفاديها في المستقبل. واشارت الجامعة في بيان أصدرته بعثتها لمراقبة الانتخابات الى الإقبال الكبير الذي صحب العملية، واشادت الجامعة في بيان بعثتها بالاستقرار والأمن الذي شهدته البلاد طوال فترة الإقتراع. وعبر رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جان بينغ السبت الماضي عن ارتياحه لاجراء الانتخابات العامة بصورة سلمية في السودان بالرغم من مشاكل ادارية ولوجستية، وهنأ بينغ في بيان أصدره الاتحاد شعب السودان والاحزاب السياسية السودانية لاجرائها الانتخابات التعددية بصورة سلمية، وفي ذات السياق قالت مجموعة مبادرة قرطبة الامريكية المشاركة في مراقبة الانتخابات ان المقابلات التي أجريت مع الذين أدلوا بأصواتهم من السودانيين أظهرت حماسة هؤلاء للمشاركة في العملية الإنتخابية، واشارت المجموعة الى أنه ينبغي الإشادة بكل الجهات التي اشتركت في هذه العملية المعقدة والتصويت. وقالت المجموعة إن أول ما يلاحظه المراقبون أن الانتخابات جرت في جو من السلام والأمن والنظام. واشادت المجموعة باشتراك المرأة في العملية الانتخابية، مشيرة إلى أن العملية لم تصاحبها أي حالة من حالات العنف، مؤكدا أن طبيعة الشعب السوداني قد ساهمت مساهمة كبيرة في الهدوء والاستقرار والسلام. [email protected]