مضى زمن، والأميركي- بوب بيرغدال- وعقيلته، لا يعرفان موقع قطر، في الخريطة العالمية. الإثنان مثل أي أميركي، قد يكون حتى الآن، لا يعرف من ذا الذي يحكم روسيا الآن، ومن يحكم ايران، وما الذي يجري في سوريا، وماذا حدث في رواندا! هذا هو حال أي أميركي قح، لا يعنيه من قريب أو من بعيد، ما الذي يحدث، أبعد قليلا، من أنف اهتماماته المتعلقة بالمعايش! السبت، عرف الإثنان- بيرغدال الملتحي وعقيلته- وهما إلى جانب الرئيس الأميركي باراك اوباما، في حديقة الورود بالبيت الأبيض، أن هنالك دولة خيرة، تمشي في كل جنبات العالم بمساعيها الإنسانية، اسمها قطر. المناسبة: احتفال رئاسي بالإفراج عن- إبنهما- الرقيب بويي، الذي كان في قبضة طالبان، لخمس سنوات كاملة، والذي كان يمكن أن تطول قبضته، لولا مساعي قطر الحميدة. كانت عيون بيرغدال وزوجته، تنهنه بدموع الفرح، وهما يبصران « بويي» بعد طول غياب. كانت تنهنه بدموع- هي دموع الشكر-أيضا-- لدولة ظلت تبذل مساعيها الإنسانية، في صمت تام، وهى لا تعرف الرقيب الحبيس، ولا أمه، ولا أبيه، لكن برغم ذلك كله تحركت.. ولم تكن تلك هي المرة الاولى، التي تتحرك فيها قطر إنسانيا، ولن تكون الأخيرة، ومساعيها تلك يمليها عليها- على الدوام- دينها، وأخلاقها، وكريم أعرافها. في البيت، وضع الثلاثة أعينهم على موقع قطر في الخريطة. لدهشتهم، اكتشفوا أن خريطة هذه الدولة الخيرة، تأخذ شكل الكف! برقت الاعين بضوء غريب، وارتعشت الشفاه- في ما يشبه توارد الخواطر: أوووه، تلك هي الكف التي مدت إلينا نوعا من الإحسان الذي لا يمكن أن ننساه مدى الحياة! كانت الشفاه لا تزال ترتعش، بالشكر الجزيل، فيما كان التلفزيون- في ذات الحجرة، يعيد مراسم الاحتفال، في البيت الابيض، وأوباما يزجي الإمتنان لأمير قطر، وخريطة قطر التي تأخذ دائما شكل الكف، تملأ الشاشة! في تمام اللحظة، كان زعيم طالبان، الملا عمر، تتوهج عينه الوحيدة التي تومض بالشوف، في مكان ما من أفغانستان، وهو يقول: شكرا لقطر.. والخمسة من أركان حربه، الذين تم الإفراج عنهم من غوانتنامو- في إطار الصفقة- يبكون فرحا وهم يحتضنون عائلاتهم، ويحتضنون رفاق الجهاد! كم مرة تردد اسم قطر، في ذلك اليوم، في وسائل الإعلام الأميركية المرئية والمسموعة؟ وكم تردد في إذاعات العالم وفي تلفزيوناته.. وكم.. كم من الصحف الأميركية والعالمية، تلك التي رسمته- باعجاب- في اليوم التالي؟ ما فعلته قطر، كان واحدا من أضخم الإعلانات، عن الذات، في العالم.. كان إعلانا غير مدفوع الثمن.. ولو أرادت قطر أن تعلن عن نفسها، في الميديا العالمية، لكانت قد دفعت ثمنا باهظا، ولما كان الإعلان- بالطبع- قد وصل إلى كل هذا القدر من التأثير، والقبول. لكن قطر، وهى تفعل ماتفعل، لا تترجى إعلانا عن الذات. إنها تفعل ماتفعل، لوجه الله، والإنسانية، والسلام.. و..... إنني على يقين تام، بأن قطر، تمشي الآن.. الآن.. وفي صمت تام، بمساعيها الإنسانية الخيرة، لحلحلة ملف شائك آخر، في مكان آخر من هذا العالم.. وتزرع الإبتسام!