(رمونا عظما) قذافي عبدالمطلب لا شك أن قضية متقاعدي البنوك الحكومة تشكل سابقة غريبة فمن دون غيرها من القضايا لم تكتسب صفة سابقة من تفاعل حيثيات القضية والحكم مع القانون كما جرت العادة بل من عدم تنفيذ حزمة أحكام قضائية.. وهذه القضية المستمرة منذ مطلع الألفية الجديدة إلى يوم الناس هذا سببت حرجاً بالغاً للحكومة التي وقف المتقاعدون الاسبوع الماضي أمام أهم مقارها (القصر الجمهوري) محتجين على عدم تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة لصالحهم خلفيات في العام (2000) أصدر مجلس الوزراء القرار رقم (1110 2000م) الذي قضى بحرمان متقاعدي البنوك الحكومية من حقوق فوائد ما بعد الخدمة التي كانت متفق عليها بين المخدمين والمستخدمين والقرار استند على توصية مقدمة للمجلس من بنك السودان ووزارة المالية تحذر من أن حقوق متقاعدي البنوك سيؤدي إلى إنهيار المصارف وجد مقاومة شرسة من اتحاد متقاعدي البنوك الذي بدأ مناهضته للقرار بالطعن فيه لدى المحكمة العليا دائرة الطعون الإدارية والتي قضت بإلغاء القرار والايفاء بحقوق المتقاعدين لكن مجلس الوزراء لجأ المجلس لدائرة الاستئناف والمراجعة بالمحكمة العليا والتي أيدت جميعها بطلان قرار المجلس الذي انصاع لحكم المحكمة وقام بإلغاء القرار لكن القرار لازال نافذاً حتى الآن بكيفية غريبة يصعب توصيفها. وقد رفض بنك السودان إعادة الأوضاع إلى ما قبل صدور قرار مجلس الوزراء وعندما ذهب المتقاعدون لصرف حقوقهم رفض البنك وهو ما حدا باتحاد المتقاعدين إلى الطلب من قواعده التوجه كمجموعات حسب المؤسسات التي كانوا ينتمون إليها إلى التنفيذ عبر المحكمة ونجحت الخطة جزئياً حيث صرف جزء من متقاعدي البنوك الستة بينما حالت استئنافات بعض المستشارين القانونيين دون أن يتمكن البعض الآخر من الحصول على استحقاقاتهم وهذه الاستئنافات أعاد بها المستشارون انتاج العداوة بين المتقاعدين والمؤسسات التي كانوا ينتمون لها يوماً. تمهيدات ومر عقد ونصف من الزمان منذ صدر قرار مجلس الوزراء وطوال هذه السنوات الطويلة تابع الجميع فصول قضية (متقاعدي البنوك) وهي تتصاعد من محكمة إلى أخرى أعلى إلى أن ولجت مباني المحكمة الدستورية وفي كل مراحل التقاضي إنحاز القانون إلى جانب المتقاعدين الذين كسبوا كل المعارك القضائية دون أن يغير ذلك على الارض كثيراً فأحكام القضاء وإن كانت عادلة إلا أنها لم تنفذ بشكل كلي ليبقى (الظلم) المسنود الذي عجز حتى القانون عن إزالته. وزار وفد من أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد مباني (السوداني) وقالوا إن معاناتهم بدأت مع صدور القرار وما زالت قائمة وتسبب فيها طرفان الاول مجلس الوزراء بإصداره للقرار (1110\2000) الذي قضى بحرمان متقاعدي البنوك الحكومية من حقوقهم في فوائد ما بعد الخدمة ويقول عضو اللجنة عبد القادر محمد صالح إن هذا القرار صدر بتوصية من محافظ بنك السودان ووزارة المالية وقتها بحجة أن حقوق المتقاعدين ستتسبب في انهيار البنوك لكن السبب الحقيقي كما اتضح لاحقاً هو التمهيد للاحالة للصالح العام وإخلاء الوظائف التي طالت آلاف المتقاعدين من البنوك الحكومية وما يسمى بإعادة الهيكلة وكبر حجم الديون المشكوك في تحصيلها والتي بلغت (60%) من حجم التمويل. فتاوي ويسرد لنا كمال السكرتير الاعلامي للاتحاد مسار قضيتهم وقال بعد أن كسبنا الطعن الاداري وفي ظل عدم استجابة بنك السودان قامت مجموعة من البنك الزراعي بتقديم شكوى لوزير العدل الوزير الاسبق على محمد عثمان يس الذي راجع القضية وقرر فيها كما يلي (بعد الدراسة القانونية اتضح أن مقدمي الشكوى يتمتعون بشروط خدمة خاصة وإستنادا على ذلك أقرر الآتي تأييد فتوى المحامي العام بعدم تأثر المتقاعدين بالمعاش بتعديل شروط الخدمة الذي تم بعد تقاعدهم ذلك لعدم إنطباقها عليهم بأثر رجعي. ثانيا: تقوم إدارة البنك بصرف مستحقات الشاكين لهم على الفور). وكان ذلك في السابع العشرين من سبتمبر العام 2000م لكن الوضع على الأرض لم يتغير بسبب تعنت البنك المركزي. وهو ما حدا بنا لاحقاً للجوء لوزير العدل الحالي محمد بشارة دوسة بطلب تنفيذ للاحكام الصادرة من المحاكم بكل درجاتها وكان قرار دوسة كالآتي: (الاخ الكريم محافظ بنك السودان بعد التحية وبالاشارة للموضوع أعلاه فقد تقدم الاتحاد العام لمتقاعدي البنوك الحكومية بطلب حول تنفيذ الاحكام الصادرة من المحاكم بمختلاف درجاتها فيما يتعلق بالحقوق المعاشية لمتقاعدي البنوك حيث صدر قرار المحكمة العليا في الطعن رقم أ\ط\م 1680\2009 والمؤيد من دائرة المراجعة في قرارها بالرقم 21 \ 2010 بتاريخ 25\4 \ 2010م والتي قضت جميعها بأن الحقوق المكتسبة لا تتأثر ببطلان اللائحة لكل ما تقدم وإنفاذا للقانون نرى ضرورة إلتزام بنك السودان المركزي والبنوك الحكومية الاخرى بتنفيذ قرارات المحاكم المشار إليها). ورغم القرار الجمهوري رقم (7) لسنة 2002م والخاص بالتزام أجهزة الدولة بالفتاوي الصادرة من وزارة العدل ظللنا نعاني من الظلم. ثم قام الاتحاد وفقاً لكمال بمخاطبة مفوضية حقوق الانسان والحسبة والمظالم بالبرلمان التي قامت بدورها بدراسة القضية ثم خاطبت البنك المركزي وطلبت منه تنفيذ قرارات المحاكم وفرد بنك السودان على المفوضية لكن الاخيرة وبعد أن ناقشت ما ورد في الرد خاطبت ثانية بأن الردود غير مقنعة وهذا الاحكام قضائية واجبة التنفيذ لكن بنك السودان لم ير حتى تاريخه. أما الحسبة والمظالم بالبرلمان فقد درست القضية وطلبت من بنك السودان المثول أمامها للرد على عدم التنفيذ ولم يستجب البنك وأصدرت توصية وخاطبت النائب الاول لرئيس الجمهورية وقتها علي عثمان لاصدار توجيهات للبنك لصرف استحقاقات المتقاعدين. الاعتصام بعد كل هذه الخطوات لم يكن أمامنا من خيار سوى الاعتصام أمام القصر الجمهوري بعد مخاطبة مدير شرطة الخرطوم الذي حول الطلب للجهات الامنية وبموجب هذا الاعتصام تم تكوين لجنة برئاسة وزير شؤون القصر صلاح ونسي وعضوية كل من وزارتي العدل والمالية وبنك السودان وهذه اللجنة اجتمعت وتم تكوين لجنة فرعية من الادارة القانونية ببنك السودان ومستشاري البنوك الحكومية وقام الاتحاد بعد أن علم أن هناك لجنة فرعية للادارات القانونية بالبنوك بمخاطبة الوزير صلاح ونسي بأن اللجنة الفرعية هذه هي الخصم وأساس المشكلة وتم الاعتراض عليها ورغم ذلك قام الاتحاد بالاجتماع اللجنة الفرعية في اجتماعين. لكن يبدو أن مخاوف الاتحاد وشكوكها المسبقة في اللجنة الفرعية كانت حقيقية إذ أن الأخيرة سرعان ما كشفت نواياها (التعطيلية) وقامت بإرجاع القضية للوراء والتطرق لأمور تم حسمها سلفاً ربما بهدف تعطيل وتجميد القضية عند هذه المحطة علماً بأنهم يمثلون لجنة تنفيذ لما تم الاتفاق عليه لكن هذا نهج ظل يتبعه هؤلاء منذ أن بدأت القضية وتفجرت لذلك فإن ثقة المتقاعدين في هؤلاء تآكلت وإزاء محاولات (المماطلة) هذه قام الاتحاد بمخاطبة رئيس اللجنة بأن هذه اللجنة الفنية لن تحل المشكلة وطالبناه بالجلوس مع اللجنة العليا. أزمة ثقة ويبدو أن المساجلات القضائية قد أثرت فعلياً في علاقة المتقاعدين بالادارات القانونية واتهم صلاح أحمد محمد سكرتير اتحاد المتقاعدين المستشار القانوني عبد المنعم عثمان محاولة تضليل الرأي العام بمعلومات مغلوطة بشأن متقاعدي البنوك الحكوميه في قناة الجزيرة حيث ذكر عبد المنعم وفقاً لصلاح (إن هذه الحقوق مكافآت وليست معاشات كما حددها القانون وكل نزاع يتصل بمستحقات تذاكر السفر والعلاج كما قررته لائحه 1992م وهذه اللائحة أصبحت باطلة ). ويسأل صلاح عن القانون الذي أشار إليه لانه تحدث في بداية تصريحه عن القانون ثم تحدث في النهاية عن اللائحة وإذا كان يعني بالقانون قانون معاشات الخدمة العامة لسنة 1992م فقد نصت الماده 3(2) منه على الآتي (عند تطبيق هذا القانون على موظفي البنوك تلتزم الدولة بتنفيذ الاتفاقيات الجماعية المبرمة بينهم وبين الحكومة ) وهذا ما تم الاتفاق عليه بمعالجة حقوق العاملين بالبنوك الحكومية بعد التقاعد والذي استمر العمل به منذ اتفاقية عام 1981م وتم التأمين عليها بقرارات هيئات تحكيم قضائية وتعديلاتها اللاحقة للافضل في عامي 1984م و1988م ومنشورات بنك السودان عام 1992م وقرار مجلس الوزراء رقم 721/1992م دون اي نزاع حتى عام 2000م حيث تم إلغاء حقوق المتقاعدين بموجب القرار الوزاري رقم 1110/2000م والذي الغته في ما بعد محكمة الطعون الادارية بالمحكمة العليا وتم تأييده من دائرتي الاستئناف والمراجعة بالمحكمة العليا والمحكمة الدستورية وخاطب قاضي المحكمة العليا محافظ بنك السودان الاسبق بذلك ولكن لم يتم صرف حقوق المتقاعدين بموجب هذا الحكم. القضية حسب المعطيات والمستجدات تمضي في مسار الحل لكن معطيات هذه القضية أثبتت التجارب أنها غير مأمونة حتى ولو كانت أحكاماً قضائية فهل تفلح لجنة ونسي في طي هذه القضية...