أنا لا أعتقد ويضج المسرح بالضحك والرائع المبدع أو المبدع الرائع عادل إمام يقوم بدور "شاهد ما شافش حاجة" وهو الشاهد الذي رأى وليس من رأى كمن سمع فقط. في حي السيدة زينب، أكثر أحياء القاهرة شعبية وجماهيرية أشهر مطعم للفول وهو الجحش الذي يقصده أشهر نجوم الفن والمجتمع في الساعات الأولى من الصباح ينهون يومهم عنده مع بدايات اليوم التالي وهناك أي في هذا المطعم الشعبي الشهير، تستمتع بالجو الشعبي الأخاذ وتعيش، بكل صدق وجدية، الدور وكأنك في مسرح كبير بل كأنك أحد ممثلي مسلسل رمضاني شهير. من يخدمون هنا اختيروا بعناية ودقة كبيرتين ويجيدون عملهم ودورهم كأنهم قد ولدوا وفي يد كل واحد منهم كمشة كبيرة وأمامه قدر فول مهيب، هنا يجيىء، ربما كل ليلة بل كل فجر، عادل إمام ورفاقه وسمير غانم وصحابه ومحمد صبحي وأحبابه وهلّم بعد ذلك جرا. وهنا تولد النكات والقفشات وهنا يتمايل صعايدة القاهرة طرباً وتهتز "كروشهم" وهم يسمعون قفشات و"تريقة" هذا وذاك ومن هو هناك من نجوم الكوميديا المسرحية، ولا نسلم نحن من جئنا من جنوبالوادي من بعض الانتياش ولكننا لا نواجه بشيء من قبيل "يا أولاد البوابين" كما سمعتها بأذني هاتين وأنا خارج من مهزلة مباراة هلال العز والطرب أمام شقيقه الأهلي القاهري التي ذبح ذلك الحكم السنغالي فيها شرف المنافسة وهو يهدي فوزاً غير مستحق للأهلي حينما تغافل ذلك الحكم سيئ السمعة عن خطأ لا يغفل عنه حكم مبتدىء ليتقبل فلافيو الهدية ويطير بالنقاط الثلاث ويكتب نهاية رحلته المتوهجة التي ما انتهى توهجها بذلك الهدف. والعلاقة بين جنوبالوادي وشماله علاقة وطيدة وجميلة وعظيمة ويجمع بين الناس في الشطرين ما يجمعهم من دين ودم ومصاهرة ومصالح لا تعد ولا تحصى وإن تعارضت وتقاطعت أحياناً. ومن تلك الأحيان التي تتقاطع فيها المصالح وتتعارض في المجال الرياضي المفعم أصلاً بالحساسيات والتشنجات والتعصب ولعلنا نذكر تماماً كيف قامت الدنيا ولم تقعد حينما كتب لأشقائنا الجزائريين أن يتأهلوا لنهائيات كأس العالم الماضية على حساب أشقائنا وأشقائهم المصريين بعد مباراة فاصلة قامت في أرض سودانية في استاد المريخ ورأينا كيف أن الروايات قد اختلقت والتصريحات السلبية، بل العدائية، قد انطلقت عبر الفضائيات لتصور السودان وعاصمته مذبحة للفريق المصري الشقيق ومن هرعوا إلى السودان مناصرين له. وتابعنا كيف فتحت القنوات المصرية أبوابها للتعليق والتقريع علينا وكيف "تعملق" إبراهيم حجازي لينفث سمومه ويرسل حقده ويفسح المجال واسعاً أمام مشايعيه. لقد أخذ ذلك منّا وقتاً كبيراً وجهداً دبلوماسياً، رسمياً وشعبياً،عظيماً لتسود حكمة النيل بين أبناء النيل. مرّ كل ذلك في شريط أمامي وأنا أقرأ أن الدعوات قد انهالت وانهمرت من هنا إلى قاهرة المعز حيث مقر الاتحاد الإفريقي تعرض بأن تقام مباريات الفرق المصرية الأربعة المشاركة في المنافسات الأفريقية هنا في السودان. إن الترحيب واجب وحق علينا لكل عربي وكل إفريقي فكيف إذا كان الضيف عربياً وإفريقياً وكيف إذا كان مصرياً يستحق الترحاب والاحتفاء به في كل أرض شقيه السودان ولكن ثم لكن يجب أن يكون هناك تحفظ كبير على إقامة مباريات الفرق المصرية في المنافسات الرسمية هنا في السودان إذ تكفي تجربة واحدة. صحيح أن السودان هو أقرب الدول الإفريقية والعربية للشقيقة مصر ولكن الأوجب علينا أن ندعو أشقاءنا في العزيزة مصر وندعو لهم بأن تعود الكرة إلى ملاعبهم وأن توضع الضوابط التي تحقق ذلك. وأنا أعتقد أن ذلك هو الصحيح، ولا يصح صحيح غيره.