إذا كسب المرتزقة الفاشر يعني ذلك وضع حجر أساس دولة العطاوة    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موعد في القاهرة
زعماء بين السياسة والقداسة التجمع الوطني وصراع المبادرات بين الإتحادي والأمة بقلم:حسن أحمد الحسن
نشر في الوطن يوم 29 - 10 - 2013

«موعد في القاهرة» هو عنوان كتاب الأستاذ حسن أحمد حسن والذي تنشره «الوطن» حصرياً في حلقات.
الكتاب تكمن أهميته في أنه يحوي مشاهدات الكاتب حول الكثير من القضايا الوطنية التي تتشابك فيها حركة السياسة وإيقاع ا لمجتمع وحراك الاقتصاد والتي تتلاقى كلها لأنها في النهاية تعكس نسيج الحياة السودانية بكل تفاصيلها.
والكاتب الأستاذ حسن أحمد حسن من الصحفيين والكتاب الذين صقلتهم الصحافة السودانية وأهلتهم الصحافة العربية والأجنبية إذ كانت له كتابات ومعالجات صحفية راتبة في عدد من كبريات الصحف.
و«موعد في القاهرة» تقوم فكرته المركزية على تطورات عقد التسعينات من القرن الماضي بكل تفاصيلها الدقيقة.. وهو العقد الذي تشكلت فيها ملامح أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية في السودان وفي غير السودان لكنها ألقت بظلالها على كل السودانيين في داخل السودان في خارجه في دول الاغتراب القريبة وفي دول المهاجر البعيدة.
في حوار صحفي أجريته مع الأمين العام للتجمع الوطني مبارك المهدي بعد منتصف التسعينات نشرته صحيفة البيان الاماراتية وتناقلته صحف سودانية عديدة كشف الأمين العام للتجمع عن جوهر خلافاته مع رئيس التجمع السيد محمد عثمان الميرغني وقال إنه يكن احتراما للميرغني لكن الميرغني يريد أن يمارس دوره السياسي كرئيس للتجمع ويطالبنا في نفس الوقت ان نتعامل معه كزعيم لطائفة دينية أي بنوع من السمع والطاعة رغم أننا ننتمي إلى أحزاب أخرى تتفق او تختلف مع حزبه وآراءه وقراراته وهذا هو سر الخلاف .
وقد تابع المعاصرون لتلك الفترة مظاهر الخلافات داخل التجمع الوطني بين الرئاسة التي يمثلها الميرغني وحزبه الذي يستنصر بالحركة الشعبية والشيوعيين وبعض الفصائل الأخرى وبين الأمانة العامة التي يتولى إدارتها مبارك وحزبه وهي خلافات بلغت أوجها بتجميد حزب الأمة لنشاطه في التجمع بعد اجتماع مصوع الشهير.
في منتصف التسعينات أيام انعقاد مؤتمر أسمرة في العاصمة الأريترية كانت النقاشات قد بلغت أوجها بشان بنود إتفاق أسمرة وبعد تخطي عقبة الاتفاق بدأ النقاش حول التشكيل التنظيمي الذي كان تم الاتفاق ان يكون من هيئة قيادة لوضع السياسات تضم قادة الأحزاب والفصائل وجهاز تنفيذي لإدارة نشاط المعارضة عوضا عن لجنة التسيير التي أحاطت بها المشاكل . لم يكن الميرغني متحمسا للظهور السياسي في تلك الفترة إلا انه وبعد ضغط شخصي من الدكتور عمر نورالدائم وبحكم علاقته الشخصية به والذي كان يرى إن وجود الميرغني في التجمع سيقطع الطريق أمام أي مساومات محتملة من قبل النظام للحزب الاتحادي لشرخ صف المعارضة وضغوط الدولة المضيفة التي كانت تريد إنجاح المؤتمر بانضمام الميرغني إلى قادة المعارضة ، قبل الميرغني تحت هذه الضغوط تولى رئاسة تشريفية لهيئة القيادة ويتولى العقيد قرنق منصب نائب رئيس هيئة القيادة وأن يكون الجهاز التنفيذي من مسؤولية حزب الأمة بحيث يتولى مبارك المهدي بدعم من فصائل التجمع منصب الأمين العام .
إلا أن تطور الصراع بين فصائل المعارضة فيمابعد واصطفافها ضد حزب الأمة دفع في إتجاه تحويل رئاسة التجمع إلى رئاسة تنفيذية بمايخالف اللوائح المنظمة المتفق عليها وذلك لتقييد حركة حزب الأمة وعزله لاحقا وهو ماسبب النزاع بين الميرغني ومبارك وبين الأمة وفصائل التجمع الأخرى بمافيها الحركة الشعبية والذي ادى إلى تجميد حزب الأمة لنشاطة من خلال التجمع والانطلاق بمبادراته منفردا .
لقد ألقى ذلك النزاع بآثاره السلبية على عمل المعارضة ونشاطها حيث تحول التجمع إلى أداة في يد الحركة الشعبية بمباركة الميرغني الذي كان يعول على تحالفه مع قرنق ويجاهر بذلك التنسيق والتحالف الذي غدرت به الحركة الشعبية فيمابعد بعد أن تركت الميرغني وتجمعه في القاهرة وقامت بتوقيع اتفاق ثنائي في نيفاشا مع نظام الإنقاذ .
ويطرح أسلوب إدارة السيد الميرغني للعمل السياسي سواء داخل حزبه او في العمل العام تساؤلا حول حدود العلاقة بين ماتستوجبه قداسة زعيم الطائفة الدينية ومتطلبات وضرورات العمل السياسي وهو الخلط الذي تبدو نتائجه جلية في ضوء تجربة الميرغني السياسية كزعيم وهي تجربة مليئة بالمفارقات التي لاتتطابق بأي حال مع متطلبات العمل السياسي المدني .
فالعمل السياسي يقتضي خاصة في العمل المعارض قدرا من التواصل المباشر مع القيادات والقواعد والتعرض للمناقشات وتقبل النقد ولكن الميرغني لم يكن يقبل إلا ان يتم التعامل معه بوصفه زعيم لطائفة ولم يكن يقبل أنصاره ذلك أيضا . لكنه في نفس الوقت يدخل في التفاصيل والخصومات من وراء حجاب مع الناشطين الذين لايروقون له حتى من داخل حزبه فضلا عن الصحفيين الذين يعتقد أنهم لايدينون له بالولاء . وقد كانت خصومته للصحفية سعيدة رمضان التي أصدرت كتيبا حول ذلك وملاحقته لها بفصلها من صحيفة الوفد المصرية حدثا معلوما في تلك الفترة
وتشكل هذه الإذدواجية مشكلة حقيقية بين السياسي والمقدس خاصة في حالة السيد محمد عثمان الميرغني أما في الجانب المشابه الآخر فيمكن القول أن السيد الصادق المهدي قد فطن مبكرا لعلة التداخل بين الديني والسياسي في التعامل مع الآخرين سياسيا وقدم نهجا خاصا في الموائمة بين موقعه الديني في زعامة كيانه الديني ودوره كزعيم سياسي يهاجم وينتقد بحدة على جميع المنابر بل وتحمله لقهر الأنظمة الشمولية وتصديه المباشر لها باقول والموقف والفكرة .
كما أنه نجح في التواصل الشعبي المباشر مع طوائف المجتمع وفئاته ومنظماته المدنية التي شملت الاتحادات الفنية والموسيقية والرياضية وفرق الدراما والفلكلور السوداني والجماعات الإبداعية والمنظمات والكيانات وله سجل حافل في هذا المجال تشهد عليه جميع المنابر داخل السودان وخارجه .
وقد عبر القيادي المرموق في الحزب الاتحادي الديمقراطي السفير على أبو سن عن هذه الحالة في إحدى رسائله وهو يخاطب السيد محمد عثمان الميرغني تحت عنوان «خطاب مفتوح للميرغني» في آخر أيامه في القاهرة بعد ماناله من عنت السياسية وظلم حزبه له وهو يعبر عن عدم رضائه بمايجري في ساحة حزبه في نقاط عديدة وجهها أبوسن في خطابه للميرغني منها مايلي وهو يخاطب الميرغني في رسالته :
أتضح بجلاء أن ضيقك بالنصح والمشورة يكمن وراء هذا النفور والأستبعاد ،
وما زال الأتحاديون يتذاكرون موقفك بعد أن فرغنا من إعداد وثائق مؤتمر أسمرا 1995 الذى ساهم فيه الأتحاديون بوضع فكرة « حقوق الأنسان « بدلا عن فكرة « العلمانية « أو رفض الدين. وكانوا هم الذين أصروا على مناقشة « القضايا المصيرية « بينما كان بعض أعضاء التجمع يخاف من أثارتها فى مؤتمر أسمرا. وحينما عدت أنت من غيابك وبدأ العدّ التنازلى للسفر وتكوين الوفد المسافر قالوا لك : من الطبيعى أن يذهب محمد سرالختم وعلى أبوسن لأن الأول زعيم معروف هناك وقبائل المنطقة منهم أخواله والثانى قبيلته الشكرية حدودها مشتركة مع أرتريا وبعضهم يسكن داخلها وهو متزوج أبنة ناظر البنىعامر ونصفهم فى أرتريا، فكان ردك : (عشان كده ديل الأثنين ما يكونوا فى الوفد ، عايزينّهم يبقوا لى زعما هناك؟!!) فسافرت بوفد لم يستوعب ما أُعِدّ من وثائق وظهر جليا عجز الحزب وهوانه أمام هامة د. قرنق العالية وانتهيتم إلى توقيع أتفاق معيب يسمح بتقرير المصير قبل إجراء انتخابات عامة يعرف فيها شعب الجنوب والشمال قادتهم ليتحقق الأستقرار أيا كان الخيار.
وما زال الأتحاديون يتذاكرون كيف أن رجالا شرفاء مثل الأساتذة مرغنى سليمان وأمين عكاشة وغيرهم شباب كثير كانوا من أقرب الناس إليك ضقت بنصحهم المخلص فضاقوا بك، وجفوتهم فجفوك، وأبعدتهم فأبعدوك.
وما زال الأتحاديون يتذاكرون كيف سقط وفارق الحياة بفعل الغيظ وجرح الكرامة والضيم رجال أعطوك من جهدهم ومالهم وذات أنفسهم ما شهد به الأعداء ثم فوجئوا بالخذلان والعقوق لمجرّد إبداء رأى مخالف لك. منهم د. عثمان عبدالنبى وإبراهيم حمد ويوسف أحمد يوسف وغيرهم كثير.
8 فَهْمُك لاتفاقية توحيد الحزبين « الوطنى الأتحادى « و « الشعب الديمقراطى» ينطوى على الرغبة فى الظلم والتشفى والأذلال للأتحاديين وهذا واضح، ولكنه ينطوى أيضا على المكابرة والأفتراض بأنك أذكى من والدكم السيد على وأقدر منه، وكان رحمه الله يعرف الأضرار الكامنة فى محاولة تولى رئاسة الحزب من جانبه فقرر ترك تلك المهمة لمن هم أعرف بها وأقدر عليها ، ولم يكن السيد على فى موقف ضعيف أو مُتَهَاوٍ بل على العكس كان صاحب نفوذ وكلمة داخل الحزب الموحد برئآسة المرحوم الأزهرى. وكان ألأجدر بك أن تستجيب لندآت الشيخ الجليل حمد كمبال ومئآت « خلفاء « الختمية الذين ناشدوك وما زالوا الأبتعاد عن هذا «الدَّرْب الغِوِيْتِسْ « الذى سلكته بنا فأضعت سنوات عمرك وعمرنا، نحرث فى البحر.
ويُعتَبر إصرارك على رئآسة الحزب تنكُّرا للأسس التى قامت عليها إعادة توحيد الحزبين الأتحاديين وتوزيع الأدوار بين القيادات ، ومن الواضح أنك قررت الأستفادة من الفراغ الذى خلّفه رحيل قيادات الصف الأول من الوطنى الأتحادى قبل الأنتفاضة فحاولت أن تَكُونَ أنت الواجهة الوحيدة للحزب ساعيا بذلك إلى فرض واقع جديد متنكّر لأسس التوحيد فقررت أن تكون رئيساً للحزب والطائفة معا.
ربما دار بخَلَدِك أن من حقّك أن تجارى السيد الصادق المهدى الذى تحول ببيت المهدى من « رعاية « حزب الأمة إلى رئآسته. ولكن الفارق كبير، فبغض النظر عما أثبتته تجربة السيد الصادق بصورة قاطعة من أن حزب الأمة لن يفلح ما لم يخرج من جلابيب» حزب الأُسْرة « وتصبح رئآسته مفتوحة لكافة أبناء الشعب ، فأن طموحات الصادق المهدى مبررة بعلمه وثقافته العالية ونظرته التحديثية، وإن لم تنجح هذه المؤهلات فى إخفاء الصورة التى ظلّ يتردد طويلا بين نزعها والأنطلاق خارجها وبين الأستسلام لقيودها وأصفادها المعيقة سياسيا صورة الزعيم الدينى، الأِمام، شيخ الطريقة واجب الطاعة. أما حالتك يا أخى السيد محمد فأنها تختلف. ذلك أن جماهير الأتحاديين ، وحتى الختمية ، هى جماهير مناطق الوعى التى أنجبت الزعماء الوطنيين التقدميين المثقفين العلماء الذين قادوا النضال وحققوا الأستقلال. ولعلّ حزب الأمة كان سيكون أقوى وأكثر تماسكا لو أن السيد الصادق أكتفى بموقع المفكر والقائد الروحى وله فى ذلك باعٌ لا يُدانَى ، والأمر هو هو بالنسبة إليك لو أكتفيت بالزعامة الروحية. . وعلى أية حال ، فالمقارنة غير قائمة أصلا، لا شكلاً ولا موضوعاً. وتعبر فقرات رسالة أبوسن حول هذا الموضوع عن حقيقة الجدل الذي كان يشغل السياسيين السودانيين بمختلف مستوياتهم حول ضرورات إعادة تنظيم هيكل المعارضة في الخارج لانجاح مشروع المعارضة وهو المشروع الذي انتهى بالفشل وتفرق شمل المعارضة لوجود اشخاص غير مناسبين لتولى مهام غير مناسبة لهم فقط لأنهم محاطون بأوضاع إجتماعية دينية تخطى تأثيرها الطائفة إلى شأن وطن بأكمله .
ولعل هذه الفقرات تعكس جانبا من طبيعة الخلاف داخل الحزب الواحد الذي يتداخل فيه السياسي والمقدس .
على جانب حزب الأمة فرغم النموذج الجديد الذي قدمه الصادق المهدي في الموائمة بين مقتضيات الإمامة الدينية والزعامة السياسية إلا أن انتقادات عديدة لاتزال تنال من البناء التنظيمي للحزب الذي استهدفته الانشقاقات لاسباب عديدة ومتباينة . غير أن الخطاب السياسي للحزب ظل قادرا على الحضور عبر المبادرات العديدة والرؤى المحددة في كل القضايا حتى بدأ هناك من يتساءل عن جدوى هذه المبادرات دون أن ترى النور .
الأمة وجدوى المبادرات
في هذا السياق يرى البعض أن حزب الأمة القومي من أكثر الأحزاب السودانية مبادرة بالرؤى والحلول السياسية لأزمات البلاد المختلفة حتى أن البعض يأخذ عليه كثرة المبادرات وعقد الاتفاقات مع القوى السياسية المختلفة . وبرصد مسيرة الحزب السياسية في هذا الجانب نجد ان مبادراته واتفاقاته فتحت دروبا عديدة رغم ان هناك من يرى انها لم تبلغ مداها وكثيرا ما تتعرض للانتكاس خاصة مع القوى السياسية المختلفة . البعض يرى أن حزب الأمة معني بإطلاق المبادرات وعقد الاتفاقات دون إيجاد الآليات اللازمة لمتابعتها ونفاذها ، ورغم القيمة السياسية والفكرية النظرية لهذه المبادرات والاتفاقيات إلا ان الاستمرار في إطلاقها دون وجود آليات لتقييمها ودراستها والنظر في أسباب تعثرها يحيل دور الحزب السياسي في هذا الجانب إلى حلقة مفرغة وإلى نشاط غير منتج.
ورغم القيمة السياسية لهذه المبادرات يبقى السؤال مطروحا حول الأسباب الموضوعية التي تعيق عملية الالتزام بالمواثيق والاتفاقات هل هي علة في السياسة أم في الساسة نماذج عديدة عبرت عن ذلك .
في أواخر عام 1998 وبعد مباحثات استمرت ثلاثة أيام في جنيف اتفق رئيس حزب الأمة السيد الصادق المهدي والأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي على بيان اتفاق جنيف بعد جولات من اللقاءات غير المباشرة بين قياديين في الحزبين. أما المسائل المتفق عليها بينهما فهي أن يكون في السودان نظام حكم ديمقراطي وتهيئة المناخ وعقد مؤتمر يجمع السودانيين من أجل الاتفاق على القضايا الخلافية ورغم أن الاتفاق لم يحقق نتائجه إلا أنه جاء بعد تطورات عديدة على صعيدي الحكم والمعارضة .
فعلى صعيد المعارضة الخارجية بلغت حالة الشد والجذب بين معظم تنظيمات التجمع الوطني بزعامة الحركة الشعبية ومباركة الاتحادي وتضامن الشيوعي من جهة و حزب الأمة من الجهة الأخرى أوجها في اجتماع المعارضة بمصوع باريتريا حيث اتفقت تلك التنظيمات على عزل حزب الأمة عن التحالف على خلفية تنافس وصراع سياسي على الامانة العامة للتجمع تقوده الحركة الشعبية والاتحادي في مواجهة ما يعتبرونه مبادرات حزب الأمة المفاجئة ونشاطاته السياسية غير المقيدة بموافقة التجمع ورغبته في الحل السياسي مع النظام وهو ما دفع بحزب الأمة في نهاية المطاف إلى تجميد نشاطه في التجمع ومتابعة نشاطه منفردا كحزب سياسي .
ضمن مراجعاته لتلك الظروف وجد حزب الأمة نفسه بعد جهوده ومساهماته في بناء ودعم التجمع الوطني وجهده في ضم الحركة الشعبية للتجمع وبناء تنظيم القيادة الشرعية للقوات المسلحة ودعم قيام المؤتمرات والأنشطة المعارضة في الخارج وتقديم المبادرات تلو المبادرات وجد نفسه متهما من حلفائه بسعيه إلى التصالح مع نظام الإنقاذ واقتسام السلطة معه وهي اتهامات قصد بها التشكيك في مواقفه لأسباب سياسية وتنافسية حزبية حسب وصفه لها ولم تكن أصلا في أجندته.
تزامن ذلك مع متغيرات في المعادلة الإقليمية بعد اندلاع الحرب الاريترية- الإثيوبية وأصبحت مصر بدورها تنظر إلى الأزمة السودانية بصورة أكثر شمولا لا تستثني طرفا بمن في ذلك النظام الحاكم مما جعل حظا أوفر لإمكانية الحلول السياسية التي كان يرفضها التجمع ويتهم حزب الأمة بالترويج لها .
ولعل من المفارقة أن جميع الفصائل التي اتهمت حزب الأمة تلك الأيام بلهاثه نحو السلطة قد أعطوا الأولوية عند اتفاقهم مع نظام الإنقاذ في اتفاق القاهرة لقسمة السلطة دون الاهتمام بتنفيذ برامج حل الأزمة التي عارضوا من أجلها أو اشتراط مشاركتهم بتنفيذها بل اخذوا مواقعهم في منظومة مؤسسات نظام الإنقاذ ، بينما أصبح الحزب المتهم بالتهافت يحافظ على مكانه خارج دائرة السلطة لعشرين عاما رغم أن النظام عرض عليه الحكم مناصفة في اتفاق جيبوتي.
على الجانب الآخر لم يكن حال الإنقاذ بأفضل حيث بدا التنافس والصراع يدب في أوصال المنظومة الحاكمة بسبب السعي للاستئثار بالسلطة المطلقة وقد كان هذا هو أحد دوافع الترابي للقاء جنيف في مواجهة خصومه النظاميين وتلاميذه المتمردين.
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.