تتوالي الأيام والشهور والدهور، فتمضي عجلى مسرعة وتذهب كما الرياح .. فيطل عام وينطوي آخر، وتغني أجيال وتولد غيرها، ومنا من يتوفى وهو في ريعان الشباب أو عجوز هرم ما زال ينتظر وهكذا ... هذه سنة الحياة وحركتها التي تتباين فيها القيم والمترادفات كالخير والشر والأفراح والأتراح، والصحة والمرض، والنجاح والفشل ... الخ، والملاحظ أن الأعوام الأخيرة ولت وانقضت كلمح البصر بحيث لم نعد نفرق بين مطلع العام وخواتيمه... غير أن ذكرى أحداثها لم تزل عالقة بأذهاننا كما لو حدثت البارحة .. وقد يقول قائل إن تناقص الزمن و»محقه» وإيقاعاته المتلاحقة الخطا علامة من علامات الساعة... وقد عبّر الشاعر في هذا الصدد بقوله: خف الزمان على أطراف أنمله حتى توهمنا للأزمان أزمانا. فإذا ضربنا مثلاً بهذا العام ألفين وأربعة عشر للميلاد الذي أطل علينا بالأمس القريب واحتفل/ت (الموسرون) سواء في النوادي والصالات أو في عقر دارهم .. نجد وعلى حين غفلة منا يكاد أن ينتصف .. وما زالت في حنايانا وداوخلنا أشواق وتطلعات وطموحات نأمل أن تتحقق قبل أن (يطب) علينا العام الجديد ولا ندري ماذا تخبيء لنا الأيام فيه ... والشاهد أنه قبيل حلول أي عام جديد يملأنا شعور وإحساس عميق بالتفاؤل والغبطة والانشراح والارتياح والآمال والأحلام .. عسى أن يكون عام ومصدر خير وبركة ويمن وسعد وحب وجمال يظلل كل أفراد الأسرة .. لكن واقع الحال وتصاريف الأيام تسير إلى غير ذلك ، إذ أصبحت مثل هذه المناسبات بكل ما تحمله من معاني ودلالات تمر لتنتهي دونما متعة وإثارة وتشويق، حتى الأعياد لم تعد كما كانت في الماضي معابر ومواطن للفرح والسرور والابتهاج عدا النذر القليل منها هذه الزيارات بين الأهل والأحبة والأصدقاء تقلصت وأصابها شيء من الخمول والركود ... وهذا من دواعي التشاؤم ولكن واقع الحال يدعو ويؤمن على ذلك ... قال الشاعر: جمح الزمان فلا لذيذ خالص مما يشوب ولا سرور كامل وما الدهر أهل أن تؤمل عنده حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل هناك أمور دنيوية ومعيشية شغلت الكثيرين من الناس وألهتهم وأبعدتهم عن مباهج الحياة ولذتها ... فتغضنت وتحجرت القلوب والنفوس وتسرب إليها الملل والفتور والإحباط والقنوط .. فتراجعت حياتنا إلى الوراء بذات الخطوات المثقلة بالهموم والغموم والوجوم .. افتقدنا على إثرها أهم عناصر العيش الكريم والود والوئام والحب والجمال والسلام .. ضاعت من بين أيدينا القيم والمثل والمباديء والسلوكيات والأخلاقيات والجماليات التي كانت تطوقنا وتميزنا دون غيرنا من الأمم والشعوب الأخرى وطفت على السطح ظواهر دخيلة على مجتمعنا الهادي والوادع المطمئن الذي يسوده الصفاء والنقاء والوفاء .. فتفشى الكذب والغش والخداع والفساد والرذيلة والجريمة والخيانة والغدر. غاض الوفاء فما تلقاه في عدة وأعوز الصدق في الأخبار والقسم وتلاشت وتوارت المروءة والشهامة والنزاهة والنبل وانفرط عقد الأمن والاطمئنان .. وانهدمت الثقة والاحترام بين أفراد المجتمع بل وفي الأسرة الواحدة فصار الابن يشتم ويسب أباه بأعلى صوته غير عابيء ولا مكترث بهم إلى قارعة الطريق لذا أصبحت المجتمعات في تفكك وتشتت وضعف وانحلال ... ويعود هذا إلى فقدان الوازع الديني والإنساني والاجتماعي وانتشار الفضائيات ودخولها إلى بيوتنا دونما رقيب أو حسيب مما كان له الأثر الفاعل في هذا وإذا ما تمسكنا بكتاب الله وسنة رسوله عاد إلى الإلفة والمحبة رونقها وحيويتها وليس هذا آخر الزمن نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضاً عيانا.