د. فيحاء قاسم عبد الهادي…… الدَّمُ يجلِّلُ كتابَه الغلافَ، الأفكارَ، النقاطَ، الحروفَ، الصَّفحاتِ، حمراءَ حمراء، والقلبُ فحمٌ وقار النَّدى يبلِّل كتابَهم، الغلافَ، الأفكارَ، النقاطَ، الحروفَ، الصَّفحاتِ، بيضاءَ بيضاء، والقلبُ نورٌ ونار هي نهاية الاستبداد، فليتحسَّس كلُّ طاغية رأسه. شباب العرب يقرعون باب الحرية، ويسقطون المقولات التي ردَّدها الكثيرون بوعي أو دون وعي، حول الطبيعة الأزلية لبعض الشعوب، التي تمنعها من الثورة، وتجعلها غير عابئة بمستقبل بلادها. طالما سمعنا عبارات مثل: الشعب المصري شعب ذليل، الشعب الليبي شعب كسول، الشعب اليمني شعب خامل. وكأن هناك طبيعة ثابتة أزلية لكلِّ شعب، تجعله إما شعباً ثائراً، أو شعباً خنوعاً. يتناسى المؤمنون بمثل هذه المقولات، أثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي تتحكَّم في حياة الشعوب، والتي تنعكس على طريقة تعامل الشعب مع الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية. ولا شكَّ أن الحكم الديكتاتوري، بأشكاله المختلفة، هو أحد أشكال الحكم، الذي يغذّي النزعات الفردية، والنعرات الطائفية، والمذهبية، والقبلية، ويستبعد إشراك الجماهير في الحياة السياسية، حتى لو لبس ثوب التمدن والتقدم. وبدلاً من تغذية النزعة الإنتاجية لدى المواطنين، وإعلاء قيمة العمل، والمواطنة؛ ينمّي النزعة الاتكالية، التي تولِّد الكسل، الذي يؤدي بدوره إلى انتشار ما يساعد على نسيان الواقع البائس، وإلى الإحساس بنشوة لحظية، عند تعاطي: “الحشيش”، أو “القات”. هي نهاية الاستبداد، فليتحسَّس كلُّ طاغية رأسه. يحرص الطاغية أن يخنق الشعب، وأن يحول دونه ودون المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية. يغيِّب حكم القانون عنه وعن أعوانه، أو يخرقه تحت ذريعة الحفاظ على أمن البلاد. يضعف مؤسسات المجتمع المدني، ويفككها، مستميلاً بعضها. وبينما ينفق جلّ أموال الدولة على الشرطة والجيش والمخابرات، ويشجِّع المشاريع الاستهلاكية؛ يحبط المشاريع التي تؤسِّس بنية تحتية صلبة، ويحجب الأموال عن المشاريع الثقافية. يخاف المستبدّ من الكتّاب، ويقرِّب الكتَبَة. يخشى ازدهار الفلسفة، والعلوم، والآداب، والفنون، تلك التي تسهم في تربية فكر نقدي ديمقراطي مبدع، يعرَّف المواطنين بحقوقهم، وواجباتهم، ومسؤولياتهم، وبحقوق الحكام وواجباتهم ومسؤولياتهم، ويرسِّخ مفاهيم الديمقراطية، وأولها مبدأ المساءلة. يخشى التغيير والتقدم، ويحافظ على الوضع القائم في البلاد كما هو. ما حدث في مصر، وقبلها في تونس، وما بعدها في اليمن والبحرين والجزائر والمغرب وليبيا، وما يحدث الآن في السودان، وما يمكن أن يحدث في بلاد أخرى، هو نتيجة لتراكم طويل، وليس وليد اللحظة. وما كشفت عنه الثورات من أخلاق ثورية راقية، تجسَّدت في ثورات الشعوب العربية؛ لم يكن وليد اللحظة أيضاً. خبرنا طيبة الشعب المصري العظيم، وأصالته، وطول نَفَسه، الذي تجسَّد في الصبر على الظلم، وفي النضال ضدَّ الظلم في الوقت ذاته. وعرفنا الطبيعة المسالمة للشعب اليمني العريق (السعيد)، كان وسيبقى، والذي كان موطناً لأقدم الحضارات في العالم، والذي انطلق منه العرب شرقاً وغرباً. خبر العرب كرم الشعب اليمني اللامحدود، وكبرياءه، التي تتجسَّد اليوم، في رفضه الاستبداد، الذي يبقيه تحت خط الفقر (40%)، وفي طلبه العادل للحياة الحرة الكريمة، التي تتيح له الاستفادة من موارده الطبيعية الغنية. أما أسود الصحراء، شعب ليبيا، نساء ورجالاً، أحفاد عمر المختار، فقد ثاروا بعد طول صبر، ضد من يمتهن إنسانيتهم، ويستغفلهم، مستلهمين نضال أجدادهم ضد الاستعمار، وأثبتوا أنهم لم ينسوا سنوات البطش والتنكيل، والتجهيل، والقمع. لم ينسوا أحداث سجن أبو سليم الدامية، ما كشفت عنه وسائل الإعلام في حينها، ومما لم يكشف عنه حتى الآن. لم يتراجعوا أمام قصف الطائرات، أو أمام إطلاق الرصاص الحيّ. تلقوا أوامر الديكتاتور الدموية بصدور عارية، وبإرادة حديدية، وبشوقٍ جارف، لمعانقة الحرية. هي نهاية الاستبداد، ليس للطاغية السياسي فحسب؛ بل للطغاة على كافة الأصعدة. أيها الديكتاتور الصغير، دورك آت؛ فتحسَّس رأسك