انه قرار محبط، وبكل المقاييس. عندما يبدأ المريض بالفشل الكلوي مشواراً طويلاً من اجل زراعة كلية جديدة من متبرع «قريب او بعيد»، وينمو مع كل صباح في داخله امل في حياة صحية افضل، وفجأة بصعقه قرار حكومي «وزارة الصحة» بوقف عمليّات زراعة الكُلى. الى متى ؟غير معروف، كما ان القرار لم يقدم لهذه الفئة المغلوبة على امرها، ولو «نصيحة»، تربت على الكتف، او تعبر عن «شفقة». قال القرار ان هذه العمليات الحساسة والمنقذة للحياة ستتوقف الى «حين توافر الدواء اللازم للمرضى الحاليين حتى لا يتأثّروا بشح الدواء الذي بلغ العجز في تمويله سبعة مليارات جنيه». هذه الحيثيات تحمل الكثير من الضباب، الذي يغطي على الواقع وعلى حقيقة القرار. الحقيقة ان الدواء متوفر في الاسواق لكل الزارعين وعددهم حسب آخر احصائية ابلغتني بها جمعية زارعي الكلى «1750» زارع، اغلبهم موجودون في الخرطوم،ولكن القرار يقصد بان الحكومة لاتستطيع ان توفر الدواء لهؤلاء «الممحونين»، الى «حين» غير محدد، ما يعني ان القرار بمثابة تراجع الحكومة عن قرار سابق صادر من نائب الرئيس ورعاية منه بتوفير العلاج مجاناً لمرضى الكلى، والسبب، على ما بدا انها غير قادرة الى توفير تكلفة العلاج المجاني لهم ، حيث قال عبد اللّه أحمد حسن مدير عام الإمدادات الطبية، إن العجز في تمويل أدوية الكُلى يبلغ «40%»، وأشار الى تصاعد المديونية من «4» مليارات جنيه إلى «7» مليارات جنيه. كما ان القرار حسب الاطباء يعني ان يعود المريض الى الغسيل، مع ان تكلفة الغسيل يساوي ضعف تكلفة العلاج، الذي يأخذه الزارع، والزراعة تعطي مؤشراً افضل بمواصلة الحياة، والغسيل يعود به الى الوراء من يوم الى آخر. ثم يوضح حسن سبب العجز عن تمويل المشروع، بقوله «إنّ القضية الأساسية هي كيفية توفير التمويل وتغطية العجز، خَاصةً أن وزير المالية، أكد أن التزامه بما هو مصدق، وأشار الى ضرورة إيجاد مصادر اعتماد أخرى». حسب مصادر مطلعة تحدثت اليها حول هذه الازمة فان العلة في هذا الخصوص في الكيفية التي تحدد بها الميزانيات التقديرية، في الغالب توضع بأرقام اقل من حجم المشكلة الحقيقية، وتقول المصادر المطلعة ان حجم المشكلة كبير وفي زيادة مستمرة، فيما قال لي طبيب اختصاصي في المجال ان نسبة الاصابة بمرض الكلى في البلاد بمعدل «3 الى 1»، وعدد المصابين بالفشل الكلوي نحو الفين ، بالاضافة الى الزارعين للكلى، وهذا رقم مخيف، يرتفع له حاجب الدهشة، حسب تعبيره، يحتاج الى جهدين كبيرين متصلين، وهما البحث بقوة عن اسباب الزيادة الكبيرة في امراض الكلى في السودان، وهذا عمل علمي يحتاج الى دعم سياسي أعلى والتزام اخلاقي تجاه الناس: من هم غالبية المرضى؟ ومن اين يأتون؟ وما هي الاسباب الواضحة لهذه الزيادة؟، ووضع توصيات عملية حول كيفية الوقاية من المرض، طالما ان الاسباب قد حددت، والجهد الثاني هو ان تجدد الحكومة إلتزامها بتوفير العلاج المجاني لهذه الفئة، ثم مراجعة مشروع العلاج المجاني الماثل الآن، مراجعة جذرية، فهو الآن على حافة الانهيار. واعتقد ان المراجعة مهمة للغاية، واليوم قبل الغد، لان هناك من يقول ان الازمة في ادارة المشروع، وهناك من يرى ان الازمة في عدم الالتزام الحكومي بقرار العلاج المجاني، وهناك من يرمي الامر في سوء التنسيق، ولا يتردد آخرون في الحديث ان «فئة» تعمل بقوة لاجهاض المشروع،حتى تنتعش تجارته في سوق العلاج،اعني المستشفيات الخاصة، وهناك من يذهب الى ابعد من ذلك ويقول ان القرار ربما اصيب بالداء السوداني الوبيل :«قصر النفس»، وهو اننا نبدأ الاشياء بهمة عالية «وهوشة»، ثم ينتابنا العجز عن المواصلة، بذات الهمة،او نؤسسها بشكل جيد «واخر منهجة»، ونديرها يومياً، بشكل ردئ، فينهار كل شيء.. وللحديث بقية.