جدل كثيف اكتنف الساحة السياسية في الخرطوم بسبب خلافة الرئيس البشير حال أصر رئيس الجمهورية على موقفه المعلن بعدم الترشح لدورة جديدة، قبل ان تزيد تصريحات د.غازى صلاح الدين القيادى بالوطنى ورئيس كتلته البرلمانية من اشتعالات ربما أصر الحزب الحاكم على كتمها أو تكذيب انها مكبوتة.. واعتبر الحزب الحاكم ما أثاره د. غازي صلاح الدين حول حسم الدستور لترشيح البشير لدورة رئاسية ثانية، بأنه مسألة دستورية تحتاج لفقه وتوضيح، وقال إن هنالك خلطا في دستور 2005م بشأن الترشح لدورتين رئاسيتين.. د. ربيع عبد العاطي عضو القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، زاد من نيران الجدل واشتعالات الحيرة بقوله على أن دستور 2005م، لم يوضح بدقة ما اذا كانت الفترة ما قبل دستور 2005م محسوبة كدورة رئاسية أو الفترة التي تلت الدستور، وقال ل (الرأي العام) ، إنه أمر يحتاج لفتوى قانونية، تاركاً مصدر الفتوى مجهولاً تترصده الظنون.. ونقلت تقارير إعلامية عن العقيد عبد الرحمن المهدي مساعد رئيس الجمهورية تكذيبه لوجود صراعات داخل النظام حول من يخلف الرئيس عمر البشير الذي أعلن عدم ترشحه لولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال إن للرئيس نوابا يعملون بانسجام ولا توجد بينهم صراعات في الدولة وكراسي الحكم، وإن ما يثار من مخاوف حول انهيار الدولة في حال إصرار الرئيس البشير على عدم الترشح مجرد هواجس لا يسندها منطق أو وقائع. مصدر الجدل الخرطومى على ما يبدو فجّره طبقاً للكثيرين حديث القيادى بالوطنى د.قطبي المهدي الاسبوع الماضى لدى تحذيره من أن حزبه سيواجه أزمة كبيرة إذا لم يولي موضوع ترشيح البشير في الانتخابات القادمة أولوية، باعتباره - أى البشير- أحد ضمانات الحزب نفسه للبقاء على سدة الحكم والاستمرار طبقاً لما يراه البعض فى الشارع العام. المعارضون لحكم المؤتمر الوطنى ذهبوا الى أنهم غير معنيين بالجدل الدائر باعتباره أمراً يخص الوطنى، ويعتبرون أن تفجير الأمر والتعاطى معه إعلامياً كجزء من الحملة الانتخابية للبشير، وتوقع الناشط والمحلل السياسى المقرب من دوائر الحركة الشعبية محمد سيف فى حديثه ل (الرأى العام) أن يتطور قرار النواب في البرلمان لجمع توقيعات لإثناء البشير عن موقفه بعدم الترشح في انتخابات 2015، باعتباره ركزاً قومياً يحقق الالتفاف، وأن يقوم الحزب الحاكم بترتيب مسيرات عامة بهدف إبراز ما يتمتع به البشير من جماهيرية تسبب الهزيمة النفسية مسبقاً لخصومه من الأحزاب الأخرى ، وتكون بمثابة دعاية انتخابية استباقية.. التصور الأخير ربما هو ما دفع الغريم التقليدى للحزب الحاكم ممثلاً فى المؤتمر الشعبى لتصويب سهام التشكيك فى نوايا وجدية الوطنى بعدم ترشيح البشير، ونقلت تقارير إعلامية حينها عن إسماعيل حسين رئيس كتلة المعارضة بالبرلمان سخريته من الحديث، وقال: (سبق أن أعلن البشير عدم الترشح إلا أن نافذين بالحزب منعوه بحجة إكمال البرنامج الانتخابي تارة، وعدم الخروج على المؤسسية تارة أخرى). انتقال الجدل من جدران الحزب الحاكم وتياراته حيال ترشيح البشير وتقديمه، بدا أمراً يهون فى مواجهة استفهامات مدى دستورية ترشح البشير لدورة جديدة، ويذهب مولانا محمد أحمد سالم فى حديثه ل(الرأى العام) الى أن الموضوع برمته سياسى اكثر من كونه دستوريا بشأن دورة واحدة أو دورتين، بل يتلخص فى حديث الرئيس البشير نفسه عن أنه بإكماله العام 2015م يكون حكم البلاد 25 عاماً وأن عمره يصبح 72 عاماً، وقال( إذاً، الجدل ليس دستورياً). واعتبر الفقيه الدستورى سالم أن الأمر يتوقف على تفسير النص الدستورى لجهة أن دستور 2005م الانتقالى نص على دورتين والبشير بدأت دورته لما بعد 2005م فى 2010م بالتالى دورة واحدة، لأن الرئيس كان فى موقعه أثناء اجازة الدستور الانتقالى ولم يرد ما يفيد بحساب تلك الفترة ، كما أن الدستور لا يتم تفسيره بأثر رجعى ، واذا تم ذلك فالبشير حكم لأكثر من دورتين على مدار 25 عاماً.. بعيداً عن السياسة قصر مولانا سالم عملية تفسير النصوص الدستورية وتقديم فتوى حولها للمحكمة الدستورية باعتبارها الجهة الوحيدة المكلفة بتفسير تلك النصوص واصفاً قرارها بالملزم وغير القابل للمراجعة، وقال( أى جهة غير معنية بذلك واجتهادها غير ملزم ولا يؤخذ به). آخر محطات حسم الجدل المتكاثف حول الرئيس البشير والانتخابات القادمة، وقف فيها على عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية بمؤتمره الصحفى الأسبوع الماضى بتأكيده على أن القرار يعود للحزب ومؤسساته ومؤسسات المجتمع، ووصف سالم حديث النائب بالأفضل فى تفكيك الجدل والأكثر عقلانية، وقال: (حديث طه يعنى أن اختيار الرئيس ليس حكراً على المؤتمر الوطنى بل من كل مكونات المجتمع). خلافات الحزب الحاكم، اعتبرها كثيرون نوعاً من المبالغة فى تصوير الجدل، فالوطنى نفسه يعيش اتجاهات وتيارات بداخله، فوجهة نظر ترى أن قرار الرئيس حكيم وشجاع وموضوعى وفيه اقتداء بالأعراف والتقاليد التى تجرى فى الدول راسخة الديمقراطية، ويمكن له لعب دور قومى كسوار الدهب ، وان رفضه الترشيح يريد به تقديم قدوة لغيره. فيما ترى وجهة نظر أخرى أن وضع البلاد هو الذى يحدد وأن الأمر يعد مسئولية اذا كان بقاؤه يحقق الاستقرار فى البلاد.. القرار السياسى للحزب الحاكم توقع كثيرون أن يذهب فى اتجاه إعادة ترشيح البشير وإلزامه من قبل مؤسسات الحزب، لجهة التطورات التى تشهدها البلاد من توقيع اتفاق مع الجنوب وتوقيع العدل والمساواة والاتصال بالقوى السياسية سواء على الحاج أو غيره، بالاضافة للاستعداد للتفاهم مع قطاع الشمال، يضع مؤشرات إيجابية تسمح بتجاوز الأزمة الاقتصادية والسياسية، أي ثمة انفراج قادم له أن يوقف الحرب فى جنوب كردفان والنيل الازرق، بسبب مواقف البشير.. بينما يرى مولانا سالم أن ذات الشروط يمكنها أن تسمح بقدوم بديل للبشير، وقال: (إذا قدم المؤتمر الوطنى اى مرشح بخلاف البشير فى ظل أجواء إيجابية يمكن لذلك أن يدعم المرشح ، اما اذا كانت الأوضاع سيئة فكل الأحزاب ستقف ضده). ويبدو أن خيارات الساحة لا تبدو معدومة، ويرى مولانا سالم ان ثمة رأيا أخذ فى التبلور حول دستور البلاد وتحويل نظام الحكم لنظام برلمانى فى سياق الإبقاء على البشير باعتباره رمزاً ووجوده مهم، اى وجود رئيس وزراء قوى الشخصية يستطيع إدارة البلاد.