لم يتوقف الفساد المالي والإداري في البنوك الأمريكية عندما تكشف إبان الأزمة المالية فقط أو عند حالة بنك (ليمان برزرز) أو عند حالة نصاب القرن (برنارد مادوف) أو عند حالة الشركات العقارية (فاني مي) و(فريدي ماك) لا لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه أمس بظهور حالة أخرى جديدة من الفساد الإداري والمالي طالت أكبر البنوك الاستثمارية على الاطلاق في الولاياتالمتحدة وهو بنك (قولدمان ساكس) أكبر البنوك الأمريكية في مجال الاستثمار العقاري والرهون العقارية في العالم وقد وصلت شهرته إلى أوروبا وآسيا والشرق الأوسط ونسبة لكبر حجم البنك وشهرته الواسعة فيعتبر الاتهام الحالي للبنك بالتلاعب والاحتيال هو بمثابة (فضيحة) كبرى على مستوى العالم فضيحة تعيد للإذهان مآسي المرحلة التي عاشها العالم إبان ظهور الأزمة المالية في أيامها الأولى والتي تسبب فيها الفساد الإداري والمالي في البنوك والشركات الأمريكية الكبرى الأمر الذي أدخل الاقتصاد الأمريكي والعالمي في ركود مازال لم يتعاف منه ومازالت آثاره ماثلة أمامنا في الدول في كل العالم. الاتهام لبنك (قولدمان) هو أن البنك ظل يتلاعب منذ العام 2007م، بعقود الرهون العقارية العالية المخاطر ويخدع المستثمرين بمزيد من الاستثمارات في العقارات وهو يمارس المتاجرة والمضاربات في سوق العقارات وسوق الأوراق المالية رغم أنه يعلم تدهور أسعار العقارات في أمريكا ويعلم حجم المخاطر في سوق المضاربات ورغماً عن ذلك كان يمني المستثمرين بالأرباح الطائلة الوهمية حتى اكتشفوا أخيراً أن استثماراتهم طيلة عامي 2008م و2009م كانت خاسرة وانهم كانوا يتحملونها وحدهم وأن ارباح بعض الصفقات العقارية كانت تذهب للبنك وليس للمستثمرين والمساهمين. بل العكس ظل البنك يصرف الحوافز والمرتبات العالية لمديريه وللموظفين دون مراعاة لمشاعر المستثمرين والمساهمين. هذه التهمة الفاضحة التي ظهرت أمس جعلت اسهم البنك تهبط سريعاً في البورصات العالمية وبنسبة كبيرة بلغت (15%) في بورصة نيويورك (NYMX) وأن العلاقة بينه وبين المصارف العالمية الأخرى قد إهتزت حال انتشار الخبر فقد صرح مدير بنك (رويل بانك اوف سكوتلاند) (RBS) إن الاتهام خطير ولا يليق ببنك مثل قولدمان ساكس لما له من علاقة وطيدة مع رويال بانك. إن عدد البنوك المتعثرة بسبب الفساد في الولاياتالمتحدة في تزايد مستمر من يوم لآخر حتى بلغ الاسبوع الماضي (50) بنكاً آخرها (سيتي بانك أوف لينوود) وان الاتهام الحالي لقولدمان لن يكون الأخير وان هناك عدداً من حالات الفساد في الاقتصاد الأمريكي لم تكشف بعد وربما يظهر الكثير المثير في المستقبل قد يطال بنوكاً كبيرة مثل (سيتي قروب) و(يانك أوف امريكا) و(جي بي مورغان). إن الاقتصاد الأمريكي حالياً في تحسن ملحوظ وعلى وشك التعافي من آثار الأزمة المالية وحسب تقارير وزارة الخزانة الأمريكية والفيدرالي الأمريكي أن الاقتصاد حقق نمواً بلغ (3%) في الربع الأول من العام الجاري وأن إداء المصارف قد تحسن كثيراً وان الشركات الكبرى الصناعية وشركات صناعة السيارات قد حققت أرباحاً غير متوقعة في الربع الأول لكن ظهور الفساد في الإدارات العليا والموظفين قد يعيق مسيرة هذه المؤسسات ويؤدي الى أن ينفض المستثمرون والمساهمون والمستهلكون من حولها الأمر الذي قد يدخلها أو يعيدها مرة اخرى إلى مراحل التعثر والانهيار. إن الفساد الذي حدث ويحدث في الولاياتالمتحدة صاحبة أكبر إقتصاد في العالم يدل على ان الفساد ليس وقفاً فقط على دول وشعوب العالم الثالث وليس وقفاً فقط على (أفريقيا) فقد أصبح (الفساد) ظاهرة معاشة في الدول الغنية والمتحضرة وحتى وصف (الدولة الفاشلة) أصبح أخيراً ليس وقفاً على الدول (الفقيرة) و(النامية) بل ان ظاهرة (الفشل) أصبحت معاشة بين دول الإتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة نفسها طالما ان وصف الدولة الفاشلة (DICRIBTCON OF FAILURE STATE) هو فشل الدولة في إدارة اقتصادها.