*لم نكن في حاجة إلى كل هذه السنوات ليكتشف خبراء الاقتصاد الآثار السالبة التي سببتها التطبيقات الشائهة لسياسة التحرير الاقتصادي التي عندما تصدينا لها بالنقد كاد البعض أن يكفرنا لأنهم في ذلك الوقت صنفوها تحت مظلة أسلمة الاقتصاد. *وقتها طرحنا سؤالاً مشروعاً نشرناه في "السودان الحديث" وهو: هل هذه السياسة الاقتصادية رأسمالية أم إسلامية؟ وقتها لم يعلق أحد ولكن بعد أكثر من خمسة عشر عاماً اعترف سدنة التحرير الاقتصادي انفسهم بان هذه هي سياسة السوق الحر. *لسنا هنا بصدد المقارنة بين السياسة الاقتصادية التحكمية وسياسة السوق الحر ولكننا فقط أردنا القول بأن سياسة دفن الرؤوس في الرمال ومحاولة تبرير كل الأخطاء الاقتصادية بالاحتماء تحت مظلة الدين لم تعد تنطلي على أحد. *ها هو مجلس تشريعي الخرطوم عبر لجنة الشؤون المالية والاقتصادية التي يرأسها الدكتور أحمد دولة تتنبي قضية مراجعة سياسة التحرير الاقتصادي وتقيم ورشة عمل أمس الأول حول أسباب ارتفاع الأسعار، اعترف فيها بعض الخبراء الاقتصاديين الذين شاركوا في هذه الورشة بأن سياسة التحرير الاقتصادي ليست كتاباً مقدساً *من ناحية أخرى قطع خبراء اقتصاديون بان ارتفاع أسعار السلع يعتبر حصيلة عشرين عاماً من سياسة التحرير الاقتصادي التي أحدثت خللا هيكلياً في السياسات الاقتصادية للبلاد. *إن تجربة حماية المستهلك التي قادها صديقنا الدكتور نصر الدين شلقامي وتجاوب معها المواطنون بمقاطعة اللحوم الأسبوع الماضي نجحت إلى حد ما في تحقيق تراجع نسبي في أسعار اللحوم أكدت أهمية الضغط الشعبي لحماية المستهلك ولكنها لا تكفي وحدها في ضبط الأسعار ومحاصرة إنفلاتها الجنوني. *ولانه لا يمكن الفصل بين السياسات المالية والاقتصادية وبين مجمل الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد فإنه لابد من استعجال الحل السياسي الشامل الأهم لتأمين عمليات الإصلاح السياسي والإقتصادي والعدلي والأمني و... الخ.. *لكن يبقي الإصلاح الاقتصادي في مقدمة الأولويات لان الآثار السالبة للتطبيقات الشائهة للسياسات الاقتصادية والمالية أرهقت كاهل المواطنين الذين لم يعد كاهلهم يحتمل أي أعباء إضافية.