إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدفع بسقوط جريمة انقلاب الإنقاذ .. بقلم: الصادق علي حسن /المحامي
نشر في سودانيل يوم 01 - 10 - 2020

أثار مولانا العالم سيف الدولة حمدنالله من خلال تعليق في موضوع قانوني بمقال أسماه فرص الدفع بسقوط جريمة إنقلاب الإنقاذ، تناول فيه فرص الدفع المقدم من هيئة دفاع مرتكبي إنقلاب 1989م لمحكمة الموضوع، جاء فيه ما نأخذ منه بالنص الآتي (صحيح أن هناك قاعدة قانونية تمنع سريان القوانين العقابية بأثر رجعي بحسب الدفع الذي قدمه المحامون في محكمة جريمة إنقلاب الإنقاذ وطالبوا بموجبه بسقوط الجريمة بالتقادم ولكن ما يمنع من فرصة الأخذ بهذا أن هنالك قاعدة أخرى تقول إن المجرم لا يستفيد من الظروف التي صنعها بنفسه للإفلات من العقاب، فالبشير وجماعته هم الذين استحدثوا بأنفسهم التعديل على القانون الذي جعل الجرائم تتقادم بمرور الوقت وهو تعديل بواسطة جماعة استولت على السلطة بطرق غير مشروعة، ثم اختلقوا بأنفسهم هذه القاعدة التي لم تكن موجودة في القانون وهدفوا منها للإفلات من الجريمة التي يحاكمون عليها) ثم دلف مولانا العالم إلى الحديث عن قاعدة عدم جواز الإستفادة من الدفوع القانونية التي تنشأ نتيجة الظروف التي يتسبب في صنعها المجرم بنفسه قاعدة راسخة في القانون ومن تطبيقاتها أن اللص لا يقبل منه التمسك بحق الدفاع الشرعي عن النفس حال ارتكابه لجريمة القتل أثناء ممارسته لجريمة السرقة بالرغم من الدفوع الراسخة في كل القوانين والشرائع. مولانا سيف الدولة حسب سيرته المبذولة للكافة عمل في القضاء وتدرج إلى أن وصل قاضي محكمة إستئناف، ومبكرا طالته مقصلة النظام البائد وهاجر إلى الخليج وهو من الكفاءات القانونية التي تميزت بالمساهمة القانونية الثرة كما امتاز بالأخلاق الرفيعة التي برزت حينما تم ترشيحه لمنصب النائب العام وقد اعتذر لعدة أسباب كلها كانت سامية تكشف سمو شخصه خاصة أن من بينها موقفه الواضح من قيادات النظام البائد وبالتالي عدم صلاحيته لشغل المنصب الذي يمثل شاغله الشخص صاحب الولاية الإشرافية الحصرية على الشرعية الإجرائية في الدولة.
قد لا تكون هنالك فرص مطلقا لأية دفوع بسقوط جريمة إنقلاب الإنقاذ، فالجرائم وهي الأفعال الخارجة عن الأخلاق والقوانين والتصرفات المنحرفة التي تستوجب العقاب بما يناسب الجرم المرتكب بحسب التعدي على الأشخاص أو الممتلكات أو المجتمع، وفي الأنظمة القانونية تقسم الجرائم حسب درجة خطورتها إلى جنايات وجنح ومخالفات، وبحسب طبيعتها إلى جرائم سياسية وجرائم عسكرية وجرائم إقتصادية وجرائم اجتماعية، وبحسب صورة الفعل إلى جرائم آنية وهي الجرائم الوقتية التي تحدث مباشرة وتتم في نفس الوقت على صورة جريمة كاملة كالقتل الذي يفضي إلى إزهاق الروح والسرقة، وهنالك الجريمة المستمرة التي تتصف بالإستمرار والإمتداد الزمني ويطول زمن إرتكابها بحيث يخفي المجرم معالم جريمته، والجريمة المتعاقبة وهي التي يتجدد فعلها، ويستمر المجرم في اقترافها، غنيا عن البيان أن جريمة إنقلاب الإنقاذ من الجرائم المستمرة والمتعاقبة والمتجددة أفعالها بإرتكاب تقويض الدستور المؤقت الذي لم تتم إعادته حتى الآن وبالتالي ليس هنالك أي سريان لتقادم حتى إذا سلمنا بأن جريمة الإنقلاب خاضعة للتقادم، فالجريمة لا زالت مرتكبة والدستور المؤقت الذي تم تقويضه لا يزال مقوضا، فجريمة تقويض الدستور يتجدد فعلها، فهل يعتقد دفاع إنقلاب الإنقاذ بأن الجريمة التي ارتكبت بالإنقلاب على الدستور المؤقت في 1989م وبإكتمال الجريمة في أوانها أي في 30 يونيو 89 يسري عليها أحكام التقادم المسقط للدعوى الجنائية وعلى رأس هيئة الدفاع الأستاذ عبد الباسط سبدرات وأحمد إبراهيم الطاهر وآخرين، هيئة دفاع البشير في قضية العملة التي ضبطت بمنزله تطوعت وقدمت للمحكمة بينة أن البشير بالفعل يحتفظ بالنقد الأجنبي خارج القنوات الرسمية المسموح بها قانونا، ولكن سبب الإحتفاظ بالنقد الأجنبي (عشرون مليون دولار) هو أن الأمير السعودي محمد بن سلمان سلمه المبلغ المضبوط وحدد له أوجه صرفه، القانون المجرم للتعامل بالنقد الأجنبي لم ينص على حالات استثنائية للإحتفاظ بالنقد الأجنبي خارج القنوات الرسمية، وكان يمكن للدفاع أن يدفع بأن المبالغ المضبوطة بمقر إقامة البشير ليس لموكلهم بها أي صلة ومن مبادئ القانون أن لا يجبر المتهم على تقديم أي دليل ضد نفسه.
فرصتان لدفاع البشير وأعوانه .
الدفع الأول (المنتج):
يمكن لدفاع البشير أن يقدم دفعا قانونيا بالإنكار التام، أي ينكر دفاع البشير بأن المتهم الماثل أمام محكمة الموضوع ليس هو العميد عمر حسن أحمد البشير الذي قام بتقويض النظام الدستوري القائم في 30 يونيو 1989 وأن هنالك تطابقا في الأسماء بين عمر الماثل أمام المحكمة والعميد عمر أحمد البشير مرتكب جريمة تقويض الدستور في 30 يونيو 89.
الدفع الثاني (الجدلي)
يمكن لدفاع البشير أن يؤسس دفعا قانونيا منتجا حول عدم إستعادة الدستور المؤقت المقوض في 30 يونيو 1989 وأن عدم إستعادة محل إرتكاب الجريمة أي الدستور، يعني أن ما حدث مجرد تغيير للبشير ولا يوجب ذلك محاكمة البشير، وأن المعمول به وساري المفعول بموجب أحكام الوثيقة الدستورية سارية المفعول من قوانين مجرد مواءمة، فالقانون المطبق أمام المحكمة الإجرائي والموضوعي (قانون الإجراءات الجنائية 1991 والقانون الجنائي لسنة 1991) مرجعيته البشير بل القاضي الذي يجلس في منضدة المحكمة عينه البشير بموجب أوامره التشريعية كما وأن مبدأ الشرعية لا يقبل التجزئة أو التبعيض.
المشرع الجنائي في كل نظم العالم كفل رقابة الجمهور على سير المحاكمات الجنائية بالحضور الفعلي، والحكمة من ذلك أن يراقب الرجل العادي الذي يمثل الرأي العام سير إجراءات المحاكمات ومن باب أولى المحاكمات التى ترتبط بالدولة والمساس بها ونظم الحكم فمن خلال تلك الرقابة يكفل للجمهور مراقبة القاضي والحكم على أدائه، ولمن لم يتمكن فعليا من الحضور ولن يتمكن سوى قلة من حضور المحاكمات ينقل الحاضرون ما شهدوه في المحاكمة كما تنشر السوابق القضائية والهدف من النشر أيضا ضمن أمور أخرى إتاحة الرقابة العامة للكافة، لذلك أرى فيما كتب عنه مولانا سيف الدولة من زاوية التناول الذي لا يؤثر على سير العدالة ومن ذات الزاوية أتناول التعليق التالي:
. جريمة إنقلاب الإنقاذ المرتكبة في 1989 ليست من الجرائم التي تنطبق عليها التقادم المسقط للدعوى الجنائية فالجريمة المرتكبة ظلت مستمرة ومتعاقبة ومكتملة الأركان، وتعد أية مشاركة تمت ولوكانت لاحقة في ظل الجريمة المرتكبة والمستمرة والمتعاقبة بمثابة الإشتراك الجنائي الذي يرتب المساءلة الجنائية للمشترك، كما أن استعادة الحياة الدستورية للبلاد (الدستور المؤقت)، وإعادة الوضع الدستوري السليم إلى ما كان عليه قبل إرتكاب الجريمة لم يحدث حتى الآن، بالرغم من القبض على الجاني المعزول ومعاونيه في إرتكاب جريمة تقويض النظام الدستوري (البشير وزمرته)، ولا تزال قوانين النظام البائد سارية المفعول كما وأن الوثيقة الدستورية المعيبة والتي تمثل المرجعية الدستورية السارية المفعول أغفلت الإستعادة والتأسيس الدستوري السليم وقننت للأوضاع غير الدستورية أو القانونية القائمة بعد عزل المخلوع، فذهب النظام البائد ولا زالت قوانينه سارية المفعول مثل القانون الجنائي لسنة 1991م وقانون الإجراءات الجنائية 1991 ساري المفعول والذي يطبق حاليا أحكامهما في محاكمة المعزول ويتمسك ويدفع بهما محامي الجاني(هيئة الدفاع)، بل ينظم ما يسمى بقانون الأحزاب السياسية السوداني لسنة 2007 ساري المفعول والذي وضعه البشير (المتهم) ويمثل أمام المحكمة الجنائية للمحاكمة عن جرائمه المرتكبة وعلى رأسها تقويض النظام الدستوري الحياة الحزبية في السودان وأسس منح التنظيمات السياسية حق التنظيم وممارسة نشاطها، بما يعني أن القانون المذكور يمثل مرجعية المشروعية لكافة التنظيمات التي نشأت وتأسست أو قد تنشأ أو تتأسس بموجب القانون المذكور والذي يحدد دون سواه شروط تأسيس أي تنظيم ينشأ وفقا لأحكامه في ظل ثورة حكومة ثورة ديسمبر المجيدة.
. الحديث عن الدفع القانوني الذي قدم بواسطة هيئة دفاع مرتكبي جريمة تقويض النظام الدستوري وعن فرصه في إنهاء الدعوى بالشطب تأسيسا على التقادم المسقط، هذا ناتج عن العيوب الجوهرية في الوثيقة الدستورية وعدم صلاحيتها في التأسيس الدستوري السليم وإرساء مبدأ المشروعية بصورة صحيحة لذلك تلابس على البعض الأمر، وحيثما تمت إستعادة الحياة الدستورية للبلاد بصورة صحيحة لن تكون هنالك إطلاقا أية فرصة لمثل ذلك الدفع القانوني الذي يشطب بواسطة محكمة الموضوع بمجرد تقديمه ومن دون أي إجتهاد من المحكمة.
. بمجرد الإستعادة الإجرائية للدستور المؤقت المعمول به قبل تقويضه في 30 يونيو 1989 تصبح فترة النظام البائد منذ إنقلابه على الدستور في 89 وحتى إنهائه بواسطة الثورة المجيدة فترة إنقطاع دستوري وتعدي جنائي (الجريمة المستمرة والمتعاقبة) ويصبح كل من شارك النظام البائد بأي نوع من أنواع المشاركة في المناصب السياسية مشاركا في إرتكاب جريمة تقويض النظام الدستوري بحسب مشاركته كما وأن كل النصوص والأحكام الصادرة في ظل النظام البائد بما أسماه بالدستور أو القوانين كالقانون الجنائي 91 وقانون الإجراءات الجنائية 1991 المطبق الآن في محاكمة الإنقلابيين وصفه السليم سيكون عبارة عن تدابير معمول بها بحكم الأمر الواقع ولن يكون لأي تدبير من هذه التدابير مرجعية السند التشريعي السليم بل سيصبح كل ما صدر في ظل النظام البائد بإسم الدستور أو القانون مثله مثل المرسوم الإنقلابي الأول الذي أصدره المعزول وحكم به البلاد لثلاثين عاما باطلا وكأن لم يكن بحكم الصيرورة دون المساس بالأوضاع المترتبة ومنشأها الواقع الفعلي.
. المستشارون القانونيون في هيئة الإتهام والذين يمثلون النائب العام وهو المختص دون سواه بتمثيل الإتهام في الحق العام كما وأن النائب العام هو صاحب الولاية الحصرية في الإشراف على الشرعية الإجرائية في الدولة، قدموا قضية محاكمة مرتكبي جريمة إنقلاب الإنقاذ للمحكمة كقضية عادية وليست كقضية مستمرة ومتعاقبة، مما أظهر خللا وأضحا في التحري والركون إلى سماع شهود لإستخلاص بينة قد لا تحتاج إليها بالضرورة قضية الإتهام.
. في تقديري المتواضع كان على النيابة العامة وعلى رأسها مولانا تاج السر الحبر النائب العام قبل المضي في تقديم قضية الإتهام للمحكمة بهذه الشاكلة أن تدفع بمذكرة للجهة المناط بها سلطة التشريع في الدولة (مجلسي السيادة والوزراء) حول ضرورة الإستعادة الإجرائية للدستور المؤقت والمقوض في 1989 والمرتكب بتقويضه الجريمة نفسها، وإن فعل ذلك وتمت إستعادة الدستور المؤقت والمقوض في 1989 بواسطة البشير وأعوانه، لن يكون أمام البشيرالماثل أمام محكمة الموضوع من دفع معتبر سوى الإنكار التام وأنه أي البشير الماثل أمام المحكمة ليس هو العميد عمر حسن أحمد البشير مرتكب جريمة تقويض النظام الدستوري، والذي طال الزمن أم قصر سيواجه مصيره المحتوم .
في مقالنا القادم سنتناول كيف تعاملت المملكة المتحدة مع الإنقطاع الدستوري والتعدي على دستور المملكة غير المكتوب والذي تم بواسطة الجنرال أوليفر كرومويل والذي انقلب على الملكية والملك تشارلز الأول ثم الإسترداد الذي تم بواسطة الملك تشارلز الثاني، السابقة الأصلح لحالة السودان، لترسيخ تجربة الديمقراطية ونظم الحكم والتعامل مع الإنقلاب على الدستور، على نحو يضمن إستقرار الديمقراطية وحتى لا يتكرر الإنقلاب على الديمقراطية للمرة الرابعة في السودان .
فرص الدفع بسقوط جريمة انقلاب الإنقاذ (2/2)
الضرورة والإسترداد
بريطانيا مهد تجربة الديمقراطية الحديثة , تطورت تجربتها ونظام حكمها من مملكة مطلقة إلي مملكة مازجت ما بين النظام الملكي الرمزي العريق ومؤسسات الديمقراطية المنتخبة الحاكمة , شهد النظام الملكي البريطاني الإنقلاب العسكري الوحيد على الملكية في تاريخها وكان ذلك في عام 1649 على يد القائد العسكري أوليفر كرومويل والذي قام بإعدام الملك تشارلز الأول ودخلت إنجلترا تحت الحكم الجمهوري الذي إستمر 11 عاما ,لم يكن أحد يتخيل أن الملك يمكن ان يحاكم ويقتل أمام الملأ من شعبه ولكن كرومويل قرر محاكمة ملك إنجلترا وفعل ذلك , في أعقاب إعدام الملك تشارلز الأول تأسس نظام جمهوري في إنجلترا مدعوما بالقوة العسكرية الباطشة لجيش كرومويل , لينتخب رئيسا للجنة الدولة ثم ينفرد بالسلطة المطلقة (المرجع رجال خالدون .. أوليفركرومويل الجمهورية البريطانية ) ,عقب وفاة القائد العسكري كرومويل ورث أبنه منصبه ولم يكن الأبن في قوه وحنكة والده ,في 1660أتفق الجنرال جورج مونك مع الملك تشارلز الثاني ليرتبا معا عودة الملكية والملك الأبن إلي بلاده بشرط العفو والتسامح الديني مع أعدائه السابقين, وعاد تشارلز الثاني للحكم فيما عرف بالإسترداد ليكتب بعودته كلمة النهاية على تجربة أمتدت 11 عاما عاشتها إنجلترا جمهورية تحت الحكم العسكري وأختفى خلالها العرش والتاج الملكي ,عقب عودة الملكية ,أدين أوليفر كرومويل بالخيانة العظمي , قبل أن يستخرج جثمانه من قبره في وستمنستر ليعلقوه في مشانق تأيبرن (المرجع نفسه), ومنذ ذلك التاريخ لم يفكر أحد من قادة الجيش في الإنقلاب على الملكية ,وعقب اكثر من ثلاثة قرون من التجربة البريطانية وفي ظل الإستعمار البريطاني للسودان , مهدت بريطانيا للسودانيين قبل الجلاء لوضع القواعد التاسيسية لميلاد الدولة السودانية بصورة تضمن التاسيس لنظام حكم ديمقراطي بإختيار جمعية منتخبة من أعضاء مؤسسين ويباشر الأعضاء المؤسسون إجازة الدستور (الدائم) للبلاد وبإجازة الدستور تنقضي مهام الجمعية التأسيسة والتي تنتخب لتباشر مهامها لمرة وأحدة فقط ولغرض التاسيس فقط لتحديد شكل الدولة ونظام حكمها, وبإجازة الدستور تنتقل البلاد تلقائيا إلي مرحلة البرلمان , وصارت تلك القواعد تمثل المرجعية التأسيسية السليمة للدولة السودانية .
المرجعية التأسيسية للدولة تعني النشأة والميلاد وحيثما تم الإتفاق على تاريخ ميلاد الدولة ونشأتها يكون دستور الميلاد هو الدستور التاسيسي وتأتي الأجيال وتذهب ويظل الدستور هو نفسه الدستور يتحقق له الإستمرارية أو ما يطلق عليه إصطلاحا بالدستور الدائم , فديمومة الدستور تعني الصفة التي أكتسبها حتى صارت ملزمة للكافة ومحترمة في الحاضر والمستقبل كما السابق , فالدستور ليست صياغة نصوص في اوراق مكتوبة تكتب وتعدل بتغيير الأنظمة الحاكمة , ولكن المؤسف حقا وبعد أكثر من ثلاثة قرون وفي ظل إنشغال غالبية القوى السياسية السودانية بالتنازع على السلطة تكررت تجارب الإعتداءات على الشرعية وإجراءات التأسيس الدستوري في السودان ولثلاث مرات سابقة وظل الحال كما هو عليه , في نوفمبر 1958 وقع إنقلاب عبود على الشرعية ودخلت البلاد ولأول مرة في حالة الضرورة وتم الإسترداد بثورة شعبية في 1964أكتوبر , وأعيد الوضع الدستوري إلى منصة التأسيس وحدث الجدل والتنازع بين التنظيمات السياسية ثم في مايو 1969 دخلت البلاد للمرة الثانية في حالة الضرورة وتم الإسترداد بثورة شعبية في أبريل 1985, وأعيد الوضع الدستوري إلى منصة التاسيس ثم حدث الجدل والتنازع بين التنظيمات السياسية لتدخل البلاد للمرة الثالثة في تجربة حالة الضرورة في يونيو 1989 والتي أمتدت لثلاث عقود ليتم التغيير بعد ثورة ديسمبر2018 المجيدة ولكن بخلاف حالتي الإسترداد السابقتين اللتين حدثتا في أكتوبر 1964 و1985 , ما تم عقب ثورة ديسمبر المجيدة لا يعد بالإسترداد بمعناه الصحيح , فالإسترداد يكتمل بالعودة إلي منصة التاسيس والذي يبدأ بالإستعادة الإجرائية للدستور المؤقت المعمول به والساري قبل الإنقلاب على الشرعية القائمة ,ولكن ذلك لم يحدث وتم التأسيس بموجب وثيقة معيبة تمت تسميتها بالوثيقة الدستورية سارية المفعول أغفلت الوثيقة الدستورية إجراءات الإسترداد السليم وقننت لقسمة سلطة مابين العسكر وقوى الحرية والتغيير , كما أسبغت الوثيقة الدستورية المعيبة على فترة الضرورة التي وقعت بواسطة إنقلاب البشير البائد الغطاء الشرعي الزائف , وفي إتجاه آخر جرت مفاوضات بين بعض من قوى الكفاح المسلح والحكومة القائمة إنتهت بتوقيع إتفاق جوبا , وفي مجمل ما تم الإتفاق عليه في جوبا يتمثل في قسمة السلطة والثروة والإبقاء على حالة الضرورة والأوضاع الإستثنائية .
مثلما لا تصلح الوثيقة الدستورية كمرجعية للتاسيس الدستوري السليم , فإن مخاطبة قضايا التاسيس الدستوري بصورة سليمة لن تتم إستنادا لإتفاقيات محاصصات , التأسيس الدستوري السليم يتم من القاعدة وليس القمة أو بين النخب والقوى والتنظيمات السياسية , السودان في مرحلة التاسيس وفي الديمقراطية الثالثة عقب ثورة أبريل المجيدة تكونت سلطة تمهيدية من مجلس سيادي على رأسه المشير سوار الذهب ومجلس تنفيذي برئاسة د الجزولي دفع الله وفي التوصيف السليم المؤسسات التي تكونت عقب ثورة ابريل 1985 عبارة عن مؤسسات تمهيدية لإنتخاب الحكومة الإنتقالية والمؤسسات الإنتقالية التي أنتخبت وعلى رأسها الجمعية التاسيسية المنتخبة في 1986 والتي كانت هي المناط بها تدابير الإنتقال وإجازة الدستور الموصوف بالدائم لتتحول البلاد من حالة الإنتقال والدستور المؤقت (الجمعية التأسيسية) إلي مرحلة الدستور المجاز فالبرلمان المنتخب وذلك ما لم يحدث بسبب إنقلاب الإنقاذ .
إتفاقيات سلام جوبا :
أي إتفاق سلام لوقف الحرب باي رقعة من رقاع البلاد يمثل الإتجاه السليم ويجد الترحيب بإعتبار ان الحوار السلمي هو المدخل السليم لإيجاد الحلول لكافة القضايا والمشكلات ويمثل الحرب أيضا حالة ضرورة وظرف إستثنائي , وما تم الإتفاق عليه في جوبا خطوة لمناقشة القضايا بصورة سلمية ولكن فان المؤسسات التي تنشأ بموجب إتفاقية سلام جوبا أو غيرها لن تصلح لتوصف بمؤسسات الفترة الإنتقالية وفق قواعد التأسيس الدستوري السليم بل يمكن ان تكون مؤسسات تمهيدية , التاسيس الدستوري السليم وصناعة الدستور تتم من القواعد وليس كما يعلن عنه من وقت لأخر بواسطة النخب مثل الدعوة لعقد مؤتمر دستوري أو مائدة مستديرة لمناقشة الدستور , التأسيس الدستوري السليم يتطلب ان تكون هنالك فترة إنتقالية وأن يتم إنتخاب جمعية تأسيسية أو مجلس تاسيسي , النواب المنتخبون للتاسيس هم من يمثلون أعضاء الجمعية التأسيسية ,ومهام التأسيس الأساسية تتمثل في إجازة الدستور الدائم للبلاد,العضو المؤسس يشارك في التاسيس بصفة المؤسس وليس بالصفة الحزبية أو البرنامج الحزبي ,وبرنامج العضو المؤسس يتمثل في كفالة الحقوق الأساسية في الدولة وإدماجها في الدستور كالحقوق الثقافية والإجتماعية واللغات والأديان والمعتقدات العرفية بحيث يكون الدستور الدائم المجاز شاملا لجميع الحقوق بصورة مجردة وضامنا لحقوق كل المجموعات الإثنية وأصحاب المعتقدات والأقليات في الدولة بموجب أحكامه الدستورية المجازة بواسطة الجمعية التأسيسية, العضو المؤسس يختلف عن النائب البرلماني , مهمة العضو المؤسس المنتخب في الجمعية التأسيسية إقرار الحقوق بالتشريع الدستوري أما مهمة النائب البرلماني المنتخب يتمثل في تنظيم الحقوق المرعية بموجب أحكام الدستور وتقنينها أي الحقوق بالتشريع القانوني العادي وممارسة الرقابة على أجهزة الدولة .
إتفاقيات سلام جوبا أو غيرها ستكون قسمة بين أطرافها , ولن تصلح للتاسيس الدستوري السليم , وستظل الأوضاع الإستثنائية قائمة ومستمرة , لقد فاتت على بعض الحركات المسلحة فرصة المساهمة التاريخية في إستعادة الحياة الدستورية للبلاد وظلت قابعة في في سجلات نضالاتها وتضحياتها التراكمية ودفعت بعضها بفواتيرها وصارت مثل قوى الحرية والتغيير تبحث عن المحاصصات والمناصب .
السودانيون مولعون بالألقاب , الأستاذ العالم يوسف آدم بشر كتب بحثا ضافيا عن إستعادة الحياة الدستورية للبلاد والفرق ما بين الجمعية التاسيسية (المجلس التأسيسي) والبرلمان (المجلس التشريعي) والفرق ما بين الوظيفة التأسيسية والوظيفة التشريعية ,وسن وإقرار التشريع الأساسي أي القواعد الدستورية وسن وإقرار القوانين العادية , والتشريعات الأربع التي شكلت الأساس الدستوري لإعلان ميلاد الدولة السودانية ذات السيادة , الجدل الضار حجب رجال القانون من الإطلاع على القواعد التأسيسية لميلاد الدولة السودانية وبالتالي تقديم النصح لقيادات التنظيمات السياسية للتوجه الصحيح نحو التاسيس الدستوري السليم , والآن هذه هي مهمة شباب قوى ثورة ديسمبر المجيدة الذين وأجهوا بصدورهم العارية المكشوفة نظام الطاغية وأجبروه على الرحيل .
الصادق علي حسن /المحامي
صحيفة الديمقراطي الأربعاء 30/9/2020 العدد رقم ( 14)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.