استحوذت جريمة الاغتصاب اهتمام ومتابعة الكثيرين باعتبارها أبشع شكل من أشكال العنف ضد المرأة والطفل على الإطلاق لتعديها على حقوق السلامة الجنسية والنفسية وانتهاكها للإنسانية وتأثيرها على النسيج الاجتماعي . والملاحظ انتشار هذه الجريمة ضد الأطفال في مجتمعنا السوداني ، وهي تمثل أسوأ صور البشاعة والوحشية، فالطفل يختلف عن الشخص الراشد ، لأن الشخص الراشد منحه القانون حق الدفاع الشرعي عن نفسه إذ ما اعتدى عليه . أما الطفل فلا حول له ولا قوة ، مما دفع كثير من القانونيين وغيرهم للمناداة بتعديل عقوبتها لتتناسب مع الجرم المرتكب باعتبار أن القانون هو المسئول عن تنظيم المجتمع ، و بالفعل صدر قانون الطفل لسنة 2010، ورفع عقوبة الاغتصاب لتصل إلى الإعدام لتكون رادعاً . وأشيد بالجهود التي بذلت من وزارة الداخلية بإنشائها لوحدة حماية الأسرة و الطفل وهي مزودة بخط مباشر على مدى أربعة وعشرين ساعة (9696) ليتمكن الطفل من التبليغ الفوري. و الوحدة مزودة بأخصائيين نفسيين واجتماعيين ووكيل نيابة وقاضي . وتتم معالجة الحالة داخل الوحدة لكن مازالت هناك إشكالات متعلقة بالمواد الخاصة بجريمتي الاغتصاب و الزنا معاً خلقت خلط في تحديد المسئولية الجنائية وجعلت المحاكم تختلف في أحكامها .
فالقانون الجنائي عامل الاغتصاب كمعاملته للزنا وجميعكم تدركون أن الزنا جريمة حدية تشترط أربعة شهود عدول لإثباتها بعكس الاغتصاب فهو جريمة تعزيرية لا تحتاج غير شاهدين لإثباتها . فهنالك الكثير من الحالات في المحاكم عند فشل المرأة الضحية في إثباتها للاغتصاب وظهور الحمل عليها تتم إدانتها بالزنا مما يضاعف ألمها بالفعل و القانون معا ، فمثل هذه الجرائم يحتاج للتحرك الفوري حتى لا تضيع معالم الجريمة ولكن نسبة لوجود كثير من الإجراءات المعقدة الذي يؤدي إلى تأخير في العدالة وعدم حصول الضحية على حقها القانوني بالذات بعد ظهور أزمة دارفور. واضرب لكم مثال لذلك عندما يكون الجاني متمتعا بحصانة المعمول به ولعدم الفهم للحصانة أن توقف الإجراءات إلى أن تتم مخاطبة الجهة التي يتبع لها الشخص المتمتع بالحصانة وبعد فترة تمنح الجهة الإذن للمقاضاة. فالمعلوم أن حصانة الشخص عند تأدية واجبه الرسمي فقط وارتكاب الاغتصاب ليس جزء من العمل الرسمي لأي شخص كان .
وقد اقترح مولانا حافظ الشيخ تعريف لجريمتي الزنا و الاغتصاب لإزالة اللبس ، فتقرأ مادة الاغتصاب في القانون الجنائي الحالي (يعد مرتكبا جريمة الاغتصاب كل من يواقع شخصاً زنا أو لواط دون رضاه) . واقترح بأن تحذف عبارة زنا أو لواط لتصبح (يعد مرتكباً جريمة الاغتصاب كل من يواقع شخصاً في دبره أو قبله دون رضاه) . وهذا التعريف المقترح ينهي الخلط بين الزاني و المغتصب وتتم تحديد المسئولية بوضوح .
بالرغم من ذلك لا ننكر الجهود التي بذلت لإزالة اللبس وذلك بإصدار وزير العدل العديد من المنشورات الجنائية التي تقضي بعدم إدانة الضحية بالزنا عند فشلها في إثبات الاغتصاب وتتم معالجتها دون إلزامها بتحريك إجراءات جنائية وبسرية كاملة مع تشجيع الضحايا بتحريك إجراءات قانونية حتى ينال المجرم عقابه واعتبار التقرير الصادر من الطبيب بينة مقبولة في الإثبات ولا تلزم بإحضار تقرير طبي آخر عند تأخيرها من المقاضاة.
لكن المنشور الجنائي لا يرقى لمستوى الإلزام الوارد بنصوص القانون . وختاماً ، فان التشريعات وحدها لا تكفي و السلاح القوي هو الصراحة و التثقيف ورفع الوعي ، و الضغط لتعديل القوانين حتى لا تتم تدويل قضايانا وتدان على مستوى المجتمع الدولي و المحكمة الجنائية الدولية .
وأتمنى من المسئولين وعلى رأسهم وزير العدل الذي استبشرنا به خيراً التدخل الفوري واعتبار هذا الموضوع من الأولويات . و الله الموفق ،،